هل ان حاملي الشهادات العليا بالضرورة مثقفين؟

محمد الربيعي

الجواب على هذا السؤال باختصار هو لا.

قد لا يتفق معي الكثير من اصحاب الشهادات، ولاسيما الأشخاص الذين يدرسون دراسات عليا أو حاصلين على الدكتوراه.

لكن لابد من التوضيح بأني تعلمت أن ذلك يعتمد على الجامعة التي منحت الشهادة العليا، وعلى مناهج الدراسة، والبحث العلمي، ومتطلبات الشهادة. وعلى الرغم من أنني أحترم الإنجاز بصدق، إلا إن هذا لا يعني بالنسبة لي، أن الشخص قضى فترة زمنية في كونه طالبا وفي الذهاب إلى الكلية، لأن هذا لا يجعل المرء بالضرورة مثقفا. الدكتوراه لا تعني إلا كون صاحبها يحمل المزيد من التعليم الرسمي، بشكل عام في تخصص ضيق للغاية بعد البكالوريوس. هذا كل ما تعنيه. وهناك مقولة انكليزية شهيرة تفيد أن “حامل الدكتوراه يعرف كثيراً جداً عن موضوع صغير جداً”.

الاختصاص والمعرفة

تشير درجة الدكتوراه بقوة إلى أن صاحبها ممن حصل عليها بطريقة سليمة ومن جامعة رصينة ان لديه مهارات أكاديمية ممتازة، وشخصية تلائم بشكل جيد الأوساط الأكاديمية. وهناك بالتأكيد بعض الارتباط مع المفهوم الأوسع للثقافة ولكن ذلك ليس بدليل على ارتباط وثيق كواحد زائد واحد يساوي اثنين.

قد يكون الأشخاص الحاصلين على درجة الدكتوراه ماهرون جدا في مجال دراستهم الاختصاصية ولكنهم ليس بالضرورة ان يكونوا مثقفين. وحتى ان كانوا قد تلقوا دروسا من أساتذة بارعين في ما يقومون بتدريسه ودراسته إلا ان هذا لا يعني أنهم أكثر ثقافة من الاخرين في كل شيء.

تتطلب الغالبية العظمى من الموضوعات التي يمكنك الحصول على درجة الدكتوراه فيها، وهي العلوم والمجالات التي تعتمد على الرياضيات بشكل مكثف، قدرا جيدا من التعليم لتقوم بها بشكل جيد. لكني أشك في أن الشهادة سواء تم الحصول عليها عن طريق العمل الجاد، أو الحفظ، أو “الغش” يمكنها أن تعوض عن نقص الثقافة.

اعود و أقول ان المتعلم ليس بالضرورة مثقف، ويمكن ان يكون التعليم قمع للثقافة. على سبيل المثال التعليم بالتلقين يخلق انسانا غير واعيا متعود على الترديد الببغاوي والخضوع للسلطة منزوع الارادة ومستعبد عبر تكبيل عقله بحيث تجعله محصورا فيما يتلقاه، غير متعود على النقد والنقاش والتفكير الحر المستقل خارج اسوار المنهج، والتي هي من سمات المثقف الرئيسية.

لقد التقيت بالعديد من حاملي الدكتوراه ممن ليس لديهم مقومات الثقافة من مشاعر انسانية راقية او من احساس وجداني ورؤية صادقة أو من مهارات التعامل مع الأشخاص أو القدرة على حل المشكلات، وحينما تسبر في ثقافتهم تجدها هشّة ورخوة في مضمونها أو متغيّرة ومتلوّنة حسب الأحداث والمواقف أو هزيلة ورخيصة. وتجد بعضهم لا يفكر سوى في انفسهم يعيشون لذواتهم ويحصرون كل اهتماماتهم بما يعود بالنفع عليهم وحدهم دون غيرهم.

معروف لدينا وجود أناس مثقفون لامعون بشكل لا يصدق بدون الحصول على درجة الدكتوراه أو أي تعليم رسمي مماثل. أود أن أذهب إلى أبعد من ذلك لأقول إن الدكتوراه تميل أكثر نحو التفكير “المتحذلق” من خلال الكتاب وأن تكون جزءً من المؤسسة الاكاديمية أكثر من كونها تخلق مثقفا مبدعا، على الرغم من أنها تختلف حسب الجامعة والبلد. كم عدد حاملي الدكتوراه في الأدب الذين يعتبرون مؤلفين لامعين لمكانة همنغواي أو نجيب محفوظ؟ كم عدد مبرمجي الكمبيوتر العظماء خلال الأربعين عاما الماضية الحاصلين على درجة الدكتوراه؟ لا حرج في الحصول على درجة الدكتوراه، إنه إنجاز مثير للإعجاب اذا ما تم الحصول عليها من جامعة رصينة، أو متميزة، لكنه ليس بأكثر او اقل من ذلك!

الامية المقنعة

إن الحصول على درجة الدكتوراه لا يعني الا أن “الدكتور” اصبح يمتلك الحد الأدنى من المؤهلات لنيل الشهادة، مهما كان ذلك الحد. بالتأكيد يتم استثمار الكثير من الوقت والمال للحصول على الشهادة.. ولكن هذا هو نفس الوقت والمال اللذين لم يتم استثمارهما في شيء آخر كالثقافة. خصوصا في هذه الايام التي كثرت فيها شهادات الدكتوراه، و اصبحت تباع بابخس الاسعار. فقد تقابل اشخاصا من حملة شهادة الدكتوراه من حين لآخر وتجدهم من الجهلاء معرفيا ولكنهم من “الناجحين” وظيفيا، مما يصح اطلاق صفة “الأميون المقنعون” عليهم.

هذا النوع من الأميين، وهم الافراد الذين يمكن أن يكونوا خطيرين ومدمرين بسبب نوع الأمية لديهم، يجهلون أميتهم. أميتهم مخفية عن أنفسهم، ولأنهم يحملون شهادات عالية فهم مخفيين عن الآخرين أيضا. الأميين المقنعين يجهلون جهلهم. لا يعرفون أنهم لا يعرفون. إنهم لا يفهمون تماما المعلومات والأفكار التي يتم تلقيها أو دراستها أو تطبيقها ولا يدركون أنهم لا يفهمون. تقوم أفعالهم ومشاعرهم ومعتقداتهم على افتراضاتهم وأفكارهم ومفاهيمهم الخاطئة غير المعروفة. ويمكن أن تتراوح مشاكل ونتائج كونهم أميين مقنعين من الهزل إلى الكارثة.

من هو الامي المقنع؟ هو الفرد صاحب الشهادة الذي يفتقر الى ثقافة، وبمعنى اخر هو الفرد الذي يعاني من اضطراب في منهجية التفكير من ناحية، وقصور الفكر الجدلي من ناحية ثانية مما يجعله غير قادرا على الفهم بنوع من العجز يدفعه أحيانا الى اطلاق الاحكام المسبقة، والآراء المتسرعة، والادعاء بالقدرة على حل المشاكل دون ان يجشم نفسه عناء

الجهد الفكري لتحليل الواقع وفهمه. ربما أصيب هذا الشخص بضرر دائم في الرأس، ونتيجة لذلك، فإنه يميل إلى الدفاع بشكل دوغماتي فقط عما يعرفه، بدلاً من استكشاف المزيد عن العالم، وخاصة وجهات النظر المخالفة.

الخلاصة، ان الشهادة العليا لا تفترض ان يكون حاملها مثقفا، بل مكتسب معرفة في مجال ضيق، هذا طبعا اذا كانت شهادته صادقة وليست مشتراة من جامعة زائفة. من المحتمل أن يكون شخصا يقرأ كثيرا وله تجارب حياتية غنية مثقفا أكثر من أي أستاذ جامعي حامل شهادة عليا، لكن ظروف حياته ادت إلى عدم حصوله على شهادة جامعية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here