تناقض المثقف العربي.. حرب أوكرانيا مثالا

يميز المثقف عن سواه انه لايحيد عن مبادئ وقيم انسانية يمثلها ولن يخضعها لتبرير او مهادنة عند تعلق الأمر بخرقها تحت اية ظروف ولأي سبب كان. فمثلا عندما شن صدام حربه العدوانية على الجارة ايران عام 1980 انبرى المثقفون العراقيون لأدانتها ولم يقبلوا بتبريرات الديكتاتور ومعه النظام العربي انها حربا دفاعية ضد تهديدات الخميني، أو ان امريكا والسعودية وأسرائيل ورطته فيها ، فالديكتاتور هو المسؤول الأول والأخير عن عدوانه مهما كانت مصالح الأخرين او مضراتهم منها. هذا كان موقف المثقفين الفرنسيين من الحرب في الجزائر،ومثلها المثقفين الأمريكان بل وفي كل انحاء العالم من حرب فيتنام ولم يقبلوا بتبرير امريكا انها تدافع عن نفسها من التوسع السوفياتي، وهو نفسه موقف المثقف العربي من حرب السعودية في اليمن، وموقف العديد من مثقفي روسيا اليوم ومعهم مثقفي العالم من حرب بوتين العدوانية في أوكراينا التي ترفض تبرير بوتين ان روسيا تدافع عن نفسها من توسع الناتو. ولايمكن ان يكون الموقف غير هذا ، وإلا ناقض المثقف نفسه ومبادئه بمجرد لجوءه الى التبرير فهو ليس مؤدلج ليبرر، ولا يمكنه الوقوف بوجه ديكتاتورمعين والتبرير لديكتاتور اخر، كما ولا يمكنه الوقوف بوجه حرب عدوانية معينة ثم يقوم بتبرير اخرى، فالمثقف يحمل صفة التجانس في المواقف والمبادئ الأنسانية التي يحملها ويدافع عنها ولا يحيد عنها . وعموما فالديكتاتورالتوسعي لا يحتاج لتبرير لشن عدوانه ، فهي إن لم توجد فسيخلقها بنفسه ، كونه يحمل أغراضها المريضة داخل نفسه هو وأولها حلمه بتتويجه قائدا امبراطوريا ملهما ، مثلما حلم صدام ان يصبح شاهنشاها على الخليج عند شن عدوانه على ايران ، اوحلم بوتين ان يتوج قيصرا اوربيا وقائدا فذا في تاريخ روسيا، اما التبريرات فهي سهلة ووسائلها من الكذب والتضليل متوفرة دوما وهي جاهزة للديكتاتور ليسوقها للعامة عبر اجهزة دعايته وقمعه لحرية الرأي والأعلام ، وواجب المثقف هنا لدحضها وبهذه تأتي أهمية المثقف ووزنه وكونه هدفا اولا للديكتاتوريين، فكيف يكون الأمر إذا قام المثقف بترويج مبررات وتضليلات الديكتاتور؟

أذكر نقاشي منذ فترة طويلة مع كاتب فلسطيني يساري مرموق سألني كيف يمكن لي ان اقف مع ايران ضد بلدي في الحرب مع خميني ، فاجبته كوني وطني ومثقف عراقي فأراها حربا عدوانية وكلاهما يفرض علي رفضها كونها تدمر العراق وايران معا، وعجز هو عن اجابتي كيف يمكنه ان يقف مع صدام في حربه وهو الذي يغتال حقوق الأنسان في العراق بينما يقف العالم مع فلسطين احتراما لحقوق الشعب الفلسطيني، ومن نقاشي هذا يتبين الفرق بين السياسي وبين المثقف، اما عدم اعتبار أي مؤدلج مثقفا فلكونه يضع مواقف تمليها عليه أيديولوجيته فوق موضوعيته وهم كثر في عالمنا العربي ومرض مزمن فيه.

في الأيام الأخيرة تابعت ، كما تابع الأخرون، العشرات من المقالات والبرامج السياسية التلفزيونية التي تستضيف كما هائلا من الأعلاميين أو ممن يسمون انفسهم مراكز بحوث، ووجدت ان هذه القنوات لاتستضيف مثقفين بل منحازين لأحد الطرفين. والذي يهمني هم المحللون من الوطنيين واليساريين العراقيين لتبيان موقفهم من حرب اوكراينا، ولاحظت انهم جميعا يبدؤون بالتأكيد على خطأ بوتين في هذه الحرب ورفضهم اياها (تأسف فقط دون إدانتها أووصفها حربا عدوانية) ، وكأنه موقف لتبرئة الذمة، كي يقوموا بعدها بأيراد وأيجاد تبريرات لبوتين في حربه. وجدت هذا عند الأخوة الذين احترمهم كوطنيين عراقيين مثل الأخ جاسم الحلفي الذي ذكر تبريرا لحرب بوتين انه جاء كرد على المتعصبين الأوكرانيين وأولهم زيلينسكي ذو النزعة العنصرية وأود من الأخ جاسم أن يوضح ماهي معتقدات زيلينسكي العنصرية وهو ليبرالي معروف ، وكيف يمكن معاقبة شعب بكامله وتشريد عشرة ملايين من سكانه لمعاقبة مجموعة سياسية قومية يمينية متطرفة في اوكراينا ، ومن اين أتى بمقولة ان اوكراينا ذات نزعة عنصرية , وضد من ؟ اليست هذه هي نفسها ترداد لأكاذيب بوتين وتضليلاته . انظر رابط المقالة ادناه

https://akhbaar.org/home/2022/3/292450.html

ونفس الموقف تقريبا يكرره الأخ الدكتور عبد الخالق حسين في مقاله المنشور في الأخبار https://akhbaar.org/home/2022/3/292642.html

حيث يرفض هذه الحرب على شعب مسالم كما يورد الدكتور عبد الخالق ولكنه يتبعه بتبرير ان بوتين قد تم استفزازه من أمريكا وعملت أدارة بايدن على توريطه فيها لغرض إضعاف قوة روسيا وتشتيتها الى دويلات ، وهذا ايضا ما يقول به بوتين ويصرح به منذ سنوات لتهيئة الرأي العام الروسي لشن هذه الحرب العدوانية. وحتى المحللين الروس ،المستقلين طبعا، دحضوا ذلك فالغرب مهتم ان تكون روسيا مستقرة خدمة لمصالحه كونها مصدرا للطاقة الرخيصة وتجهيزالمواد الخام وسوق كبيرة لبضائع الغرب، ويضيف له المحللون الأمريكان ان روسيا دولة نووية ولو تم تفتيتها وعدم استقرارها ربما سيأتي متطرفون روس وبسيطرتهم على الكرملين سيهددون العالم بالسلاح النووي. فالغرب ليس عدوا لروسيا بل ان بوتين يريده ان يكون عدوا كي يدعم سلطته المطلقة في روسيا التي لايمكن جمعها الا بعدو كبير مثل الغرب. أما الأدعاء بأن بايدن وادارته قد عملت على استفزاز بوتين لشن الحرب فلا يوجد لها من داعم حتى في مقالة توماس فريدمان التي اوردها الدكتور في مقاله، حيث ان الشعب الأمريكي وفي الأنتخابات الأخيرة قد وضع تحريم القوة واتباع الديبلوماسية في السياسة الخارجية شرطا لأنتخاب الحزب الديمقراطي ويؤمن بها بايدن وادارته ،وهي نصر لليسار الديمقراطي الأمريكي ولكل العالم ،وعليه قامت ادارته بادانة حرب السعودية والأمارات في

اليمن، وأزالة الحوثي من قائمة الآرهاب كونهم يدافعون عن حقوقهم وبلدهم، والضغط على السعودية لأنهاء الحرب. وقبل عدوان بوتين قام بايدن باتصالات مطولة مع بوتين ليثنيه عن الحرب، ومثلها قام بها ماكرون وشولتز وغيرهم ، ولكن بوتين وكغيره من الديكتاتوريين ، كان يرى في ذلك ضعف الغرب وهذا ما شجعه على شن الحرب سريعا، وليس العكس انهم كانوا يخططون لها لتوريطه، فالديكتاتور لايحتاج لمخطط ليقوم بعدوانه بل هو يخطط بنفسه ويجد المبررات ويقوم بالدعاية الشعبوية التضليلية وبقمع الحريات ليغطي على عدوانه. هذا ما رأيناه في التاريخ وقام به هتلر وصدام وغيرهم واليوم يقوم به بوتين وهي قواسم مشتركة بين الديكتاتوريين القوميين ذوي الأحلام التوسعية. ان اتهام زيلينسكي والساسة الأوكرانيين بل والشعب الأوكراني بموالاة الغرب وامريكا هي تهمة جاهزة لكل من يطالب بأحترام السيادة الوطنية والحق في تقرير المصير وتطوير بلدانهم وفق اسس الديمقراطية واحترام الحريات وحقوق الأنسان التي تسود العالم اليوم ذو القطب الواحد والحمد لله. لقد أتهم ثوار تشرين انهم جوكرية وطابور خامس وعملاء للغرب حينما ثاروا لآستعادة وطنهم وحقوقهم من الولائيين والفاسدين التابعين لأيران، ولو نجح الثوار في تنصيب حكومة وطنية لرأيت حكومة اية الله ستتهم امريكا بالتآمر عليها وربما تحتل بدرة وجصان وتعلنهما جمهوريات اسلامية (أو شعبية على طريقة بوتين) وأذا رفض العراقيون ذلك فتمطر مدنن العراق بالاف الصواريخ بدلا من 12 صاروخا مؤخرا بحجة الدفاع عن النفس او الدفاع عن الأمن القومي الأيراني ،ةتماما كما فعل بوتين في الدونباس واوكراينا، كيف سيكون عندها موقفنا أذا قال لنا مثقفا ان امريكا استفزت ايران وانها تدافع عن امنها القومي. ان الرد على تضليل الأنظمة الديكتاتورية والقمعية واجب مقدس غير مشروط للمثقف يقوم به بغض النظر عن الزمان والظروف والمكان.

د. لبيب سلطان

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here