احتجاجاً على الوضع.. أوكرانيا بوابة العراقيين إلى “الجنة الأوروبية”

احتجاجاً على البطالة، وسوء الخدمات، وضعف الأمن، والتخبط السياسي، يرى شباب عراقيون إلى الذهاب إلى حرب في بلد لا يمت لهم بصلة، هي أفضل من البقاء في العراق، حيث يراودهم الأمل بأن تكون أوكرانيا بوابة للدخول إلى أوروبا.

موقع “دوتشه فيله عربية” الألماني تناول في تقرير مطول، قصة الشاب حيدر الزرفي من أهالي محافظة الديوانية العراقية الذي تطوع للحرب إلى جانب الجيش الأوكراني ضد الغزو الروسي، ومن خلال حيدر سلطة الضوء على متطوعين من جنسيات مختلفة تطوعوا أيضاً إلى جانبه.

يقول الزرفي “أغلب الشباب العراقي يميلون إلى التطوع رغبة منهم في الحصول على مكاسب، وسط ارتفاع مستوى الفقر والبطالة في البلاد”.

حيدر رجل في نهاية الثلاثينيات من العمر، حمل البندقية منذ العام 2000، في بلد لم يهدأ يوما من الحرب وقعقعة السلاح، وهو شرطي سابق من مدينة الديوانية.

ورغم أنه لا يخلو منزل في العراق من السلاح، إلا أن كثيرين ركنوا البندقية بعد انتصارهم على تنظيم داعش الإرهابي، ولا توجد لديهم رغبة في احتضانها من جديد ويبحثون عن مصدر رزق آخر، لكنّ هناك آخرين لم يعرفوا سواها رفيقة وربما مصدر رزق في المستقبل، أو حتى يمكن لها أن تغدو بطاقة أو جواز سفر، مثلما يظن حيدر.

لماذا أوكرانيا؟

مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى تشكيل ما يسمى بـ”الفيلق الدولي” للقتال بجانب القوات الأوكرانية، ورد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمصادقة على خطة إرسال مقاتلين متطوعين للانخراط في الحرب.

وما كان من الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلا أن أسرع بإعلان، في تسجيل مصور صدر يوم 11 مارس/ آذار، أن أوكرانيا “لديها معلومات عن أن القوات الروسية تجلب مرتزقة من دول مختلفة”، وحذر من أن “أي شخص يحاول الانضمام للمحتل على الأراضي الأوكرانية.. سيكون ذلك أسوأ قرار تتخذه في حياتك”.

روسيا من جانبها تصف المتطوعين في القتال إلى جانب أوكرانيا “بالمرتزقة” أيضا، بينما تعلن كييف أنهم “متطوعون من أجل الحرية”، وبالفعل وصل عشرات الآلاف إلى أوكرانيا، فيما يقاتل آخرون إلى جانب القوات الروسية.

دعوة الرئيس زيلنسكي وصلت إلى حيدر الزرفي في الديوانية وعراقيين آخرين، ويشرح حيدر الرجل الثلاثيني وجهة نظره وهو يلمس شاربه الأسود الكثيف ويقول “مع تصاعد وتيرة أحداث الحرب الروسية على أوكرانيا، وإعلان زيلينسكي إنشاء فريق دولي من المتطوعين الأجانب للانضمام إلى جيش بلاده لردع الجيش الروسي، يدور الحديث بين الشباب العراقيين حول إمكانية التطوع للذهاب إلى أوكرانيا”.

الهدف مغادرة العراق

لحيدر ولبعض من يريد خوض القتال في أوكرانيا من العراقيين حسابات توفرها جغرافية أوكرانيا، لا الرغبة في “القتال من أجل الحرية”.

ويوضح الزرفي نيته بقوله “يرغب آخرون بالتطوع رغبة منهم بمغادرة البلاد والوصول إلى أوروبا عبر بوابة أوكرانيا، وأنا واحد من بين هؤلاء الذين يحلمون بالوصول إلى أوربا والعيش فيها”.

ويكمل الزرفي قصة معرفته بقضية التطوع بالقول: “عرفت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أن باب التطوع مفتوح للانضمام إلى صفوف الجيش الأوكراني، وأنا وجدت هذه فرصة ذهبية للوصول إلى أوروبا وتقديم طلب اللجوء هناك، إذ إن الظروف المعيشية في العراق صعبة جدا ولم أعد اتحمل الاستمرار تحت هذه الظروف”.

ويعترف الزرفي الذي يريد خوض مغامرة محفوفة بالمخاطر، باحتمال حدوث سيناريوهات مختلفة يمكن مواجهتها في منطقة حرب مثل أوكرانيا، ويقول: “لم أهيأ نفسي لذلك أبدا لأن السبب الرئيسي من ذهابي هو فقط من أجل التخلص من العيش في البلاد بسبب ارتفاع نسبة البطالة وعدم الاستقرار الأمني، وبحثا عن حياة أكثر استقرارا في الدول الأوروبية”.

ولا يعلم الزرفي حتى الآن الطريق التي ستقوده للسفر إلى أوكرانيا، فهو في انتظار الرد من السفارة الأوكرانية، بعد أن زارها وقدم معلوماته وأخبره الحرس الذي يحمي مبنى السفارة، بأنهم سيردون عليه بشأن طلبه للتطوع، لكنه يقول: “مهما كانت الطريقة التي سأسافر بها إلى أوكرانيا؛ فهي تبقى أفضل من العيش في وطن لا سيادة له”، بحسب وصفه.

مقابلة بلا احترام

أعداد “المتطوعين” رغبة في “القتال من أجل الحرية” أو بسبب المال أو “نصرة للحلفاء” في ارتفاع، وبالنسبة للأوروبيين فإن طريق الوصول إلى أوكرانيا سهل جدا، يمر عبر جوار أوكرانيا مثل بولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر، أما بالنسبة لحيدر الزرفي فالطريق مختلف.

ويقول حيدر الذي طرق باب سفارة كييف في بغداد: “عندما ذهبت إلى مبنى السفارة الأوكرانية في بغداد للتقديم على التطوع، للأسف لم نلق أي احترام أو اهتمام بنا، فقط كان هناك شرطي يقف عن الباب الرئيسي للسفارة يأخذ اسماءنا وأرقام الهاتف من دون أي تقدير لنا، ولم نجد أي موظف في السفارة يستقبلنا بالطريقة التي نستحقها”.

وينفي الزرفي معرفته بالتبعات القانونية لخطوته هذه ويقول: “لا أعرف عن تعامل السلطات مع موضوع التطوع ولكن أعتقد أن الحكومة العراقية لا تقبل بهلاك أبنائها أو زجهم في الحرب. ولكن أنا شخصيا لا أفكر بالقتال ولم أفكر بالمعركة وإنما فقط بالهروب من البلاد والعيش في أوروبا بسلام وحرية”.

ويضيف الزرفي “لقد سمعت من بعض الأصدقاء أن على كل متطوع التحضير، وأن يجلب معه الملابس المناسبة للمعركة والدروع والخوذ، وهذا أمر غريب لا أصدقه”.

السفارة الاوكرانية في بغداد

دار الحديث في الأيام الماضية عن أرقام هواتف يمكن الاتصال بها والتطوع للقتال مع القوات الأوكرانية، مراسل DW عربية اتجه إلى مبنى السفارة الأوكرانية الواقعة في حي المنصور وسط العاصمة العراقية بغداد، وحاول إجراء مقابلة مع القنصل الأوكراني هناك، لكن بحسب قول حرس السفارة عند البوابة، فإن القنصل الأوكراني ليس في العراق.

المراسل اتصل بأحد المترجمين العاملين في السفارة، فقال المترجم الذي لم يصرح عن اسمه: “ليس هناك أي باب إلى التطوع في الوقت الحالي وقد تم الإعلان عن ذلك على موقع السفارة”.

وسأل المراسل المترجم: “كيف يستمر هؤلاء العراقيون بالتقديم حتى اللحظة أمام مبنى السفارة؟”، رد المترجم بالجواب: “لا أعرف”. على موقع السفارة في الانترنت لا تظهر أي دعوة للتطوع، ولا أي إعلان عن نفي ذلك، كما ادعى المترجم.

رغم ذلك كان هناك حوالي عشرة أشخاص يقفون أمام مبنى السفارة جاؤوا من بغداد ومدن عراقية أخرى. حاول حينها المراسل إجراء لقاءات معهم، لكنهم رفضوا لأسباب خاصة بهم.

لكن المراسل شاهد كيف أن رجال الأمن يدونون معلومات المتطوعين، كالاسم ورقم الهاتف، ثم يتم إخبارهم لاحقاً بتفاصيل التطوع والخطوات القادمة.

رجل أمن قال لمراسلنا: “إلى الآن، لم يتم إرسال أي مجموعة للقتال إلى أوكرانيا، لكن ما زال عراقيون يأتون إلى مبنى السفارة للتطوع”.

مسؤول أمني عراقي رفض التصريح عن اسمه، أفاد بأن “أعدادا قليلة من المتطوعين قدموا فعلا إلى السفارة الأوكرانية أول أيام الحرب، وانتهى الأمر”.

التبعات القانونية

يقول الخبير الأمني العراقي علاء النشوع “في الحقيقة القانون العراقي بشقيه العسكري والمدني لم يتطرق إلى موضوع القتال مع قوات دولة أخرى، وخاصة الدول التي لا نرتبط معها بأي روابط قومية وعقائدية ودينية، فالقتال مع روسيا أو أوكرانيا من قبل العراقيين لا توجد له أي مبررات ترتبط بمواقف حكومية وحزبية أو الانخراط وفق متطلبات الأجندات الخارجية التي تسيطر على كل المشاهد السياسية والأمنية والعسكرية”.

ويوضح “لهذا فإن انخراط بعض المتطوعين في القتال لا يوجد له أي مسوغ في إقحام العراق وشعبه في هكذا حروب قد تنعكس سلبا على مستقبل العراق وأمنه واستقراره، فمسألة الحياد مطلوبة في ظل الظروف التي يمر بها العالم وخاصة في حالة الاصطفافات الدولية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية”.

أما جاسم محمد، الباحث في الأمن الدولي والإرهاب، ورئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فيكشف أنه بحسب معلومات أمنية في بغداد، فإن من يرغب في التطوع للقتال من العراقيين يميل إلى التطوع إلى الجانب الأوكراني، وليس الروسي “لأن الجانب الأوكراني يعرض كما يبدو أضعاف المبالغ التي يدفعها الجانب الروسي”.

ويوضح محمد، المقيم في بون بألمانيا، كيف أن “العراقيين لا توجد لديهم ثقافة المرتزقة، لكنهم أصبحوا يتطوعون لأسباب إما مالية أو للحصول على إقامة أو جنسية أوكرانية. ثم الوصول إلى أوروبا”.

وكما يبدو فإن الانقسام العالمي بين الوقوف بجانب أوكرانيا أو روسيا قد وصل إلى العراق أيضا، بين مواقف ترفض غزو روسيا لأوكرانيا وأخرى تقف الموقف الإيراني القريب إلى الروسي.

ثقافة “الأفغان العرب”

رغم ذلك يرى الخبير الأمني علاء النشوع أن الحكومة العراقية قد حسمت موقفها في أنها ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، حتى مع امتناع العراق عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب بالانسحاب الفوري للقوات الروسية، الموقف الذي مثل صدمة، خصوصا وأن بغداد تعتمد على الدعم الغربي في محاربة تنظيم داعش الإرهابي.

أما الأحزاب والكتل السياسية التي تمتلك أجنحة عسكرية، وخاصة المحسوبة على إيران، فقد أعلنت تأييدها للقوات الروسية، متناغمة بهذا مع الموقف الإيراني الداعم لروسيا، بحسب قول النشوع.

ثم يوضح الخبير الأمني موقف المتطوعين القانوني بالقول :”هؤلاء حسب المفهوم العسكري مرتزقة ولا يعاملون على أنهم مقاتلون يخضعون لقوانين الحرب باعتبارهم أنهم يحملون جنسيات من غير بلد المهاجم”.

ويردف النشوع: “أما تأثير موضوع التطوع على الأمن القومي العراقي فإن كثيرا من هؤلاء المتطوعين سينقلون تجارب وانطباعات سلبية كبيرة، بعضها تخص تشكيل جماعات مسلحة تقوم بأعمال تشابه الأعمال التي قاموا بها في حيز ومكان يدخل في مفهوم الحرب الشاملة التي تستخدم فيها كل وسائل الإجرام والقتل والإرهاب بكل صنوفه وأشكاله”.

ويتفق جاسم محمد مع هذه الرؤية، في أن عودة المقاتلين إلى العراق تعني أنهم سيجلبون معهم الكثير من الخبرات واستعمال السلاح والبيئة التي يعيش فيها المقاتل الأجنبي والتدريب والتقنيات.

وهذه البيئة ستكون على غرار البيئة التي كان يعيش فيها المقاتلون العرب في أفغانستان (الأفغان العرب)، وكذلك في سوريا ومناطق أخرى، يردف بالقول :”يعود المقاتلون بإيديولوجية متطرفة وكذلك بخبرة، وربما سينشؤون شبكة من العلاقات بعد العودة ويمكن أن يمثلوا مصدر تهديد للدولة التي يرجعون إليها. ولو تحدثنا عن العراق، فهم حملة سلاح ويمكن لهم تشكيل شبكات من المرتزقة أو المقاتلين ونتيجة هذا ستكون سلبية على العراق”.

حيدر الزرفي ما يزال في حيرة من أمره ولا يخفي مخاوفه من عدم العودة “في حال سافرت إلى أوكرانيا وفشلت في العبور إلى أوروبا بكل تأكيد سأطلب العودة إلى البلاد فمن غير الممكن أن أصبح وقودا للحرب”، يختم الزرفي، الذي لم تطأ قدمه أوروبا يوما ما ولم يقاتل بجانب قوات أجنبية خارج العراق، لكنه يرغب في خوض مغامرة دافعها اليأس، قد تغدو تذكرة سفر باتجاه واحد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here