فرص التنمية الانتقالية في مجال الطاقات المتجددة مع نظام اللامركزية في المغرب

فرص التنمية الانتقالية في مجال الطاقات المتجددة مع نظام اللامركزية في المغرب

بقلم: يوسف بن مير
مراكش، المغرب
المعطيات الحالية

تشكل مصادر الطاقة المتجددة ركيزة أساسية للحصول على نتائج مهمة لمشاريع التنمية المجتمعية في جميع القطاعات. ولضمان الاستفادة من كل فوائدها، تحتاج مبادرات الطاقة المتجددة المحلية (أو اللامركزية) إلى تجسيد نفس السمة الأساسية للمشاريع المستدامة بشكل عام، وهي أن ساكنة القرى والأحياء هم نفسهم من يحددون أولوياتهم الخاصة للتنمية والتغيير، ثم ينفذونها.

كلما انطلقنا من مبدأ الحوار، كونه عمل حيوي يرسخ علاقات التمكين المتبادل، إلا وتحقق الخير الوفير على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والبيئي لدرجة ملحوظة قابلة للقياس نتيجة للمشاريع التي يقودها أفراد المجتمع. فالنقاش الحر والصادق مع جميع الفئات المعنية المهتمة والمتأثرة بالمشروع أمر ضروري للغاية لإشراك جميع الأطراف في تخطيط عمل أصحاب المصلحة المتعددين.

ويشجع المغرب على حرية تحقيق التنمية الشخصية والجماعية من خلال دمج النهج التشاركي للنهوض بالتعليم والصحة والنمو الاقتصادي. ويمكن للمجتمع المدني في هذا البلد أن يزدهر في ظل هذه المعايير، حيث يحق للناس أن يجتمعوا ويزرعوا ويعملوا معا من أجل النهوض بمجتمعهم وقريتهم، شريطة أن تلتزم المستويات العليا في المصالح الإدارية – من خلال البرنامج والميثاق والدستور – بدعم ذلك والمساندة في تحقيقه مع جميع القطاعات.

وقد وضع المغرب أطرا للسياسات من أجل التنمية المستدامة لنظام اللامركزية، وقطاع الطاقات المتجددة، والزراعة، والتعددية الثقافية، ومدونة الأسرة، ووحدة الأقاليم جنوب-جنوب، والجهوية الموسعة، والأسواق المفتوحة العادلة. إضافة إلى ذلك، تدرك الوكالات العمومية المغربية وتعي تماما الحاجة الملحة للتنمية، ومن الطبيعي أن تكون مساهمة إلى حد ما عندما يتم إبلاغها بشكل صحيح بالمشاريع الطموحة والهادفة عند بدايتها.

ولنتأمل هنا حالة برنامج الطاقة المتجددة اللامركزي لمدة ثلاث سنوات في جهة مراكش-آسفي لتمكين زراعة الأشجار المثمرة وتحسين شبكات مياه الشرب النظيفة، بقيادة تعاونية نسائية في إقليم اليوسفية، بمعية أفراد من المجتمع الزراعي في إقليم الحوز. وتشمل هذه التجربة الإنمائية ما يلي: 1) شراكة أصحاب المصلحة المتعددين مع هيئات تمثيلية وطنية وإقليمية من القطاعين العام والخاص، 2) التمويل والتيسير من هذا البرنامج (مؤسسة الأطلس الكبير وجيرمان ووتش)، و 3) ظهور دروس يتم الاسترشاد بها في ترميم بعض السياسات.

ماذا حدث فيما يتعلق بالتنمية المستدامة، وكيف يكشف ذلك عن استراتيجيات أو إنجازات يمكن تكرارها، وربما توسيع نطاقها، والسياسات الرامية إلى تحقيق الطاقة المتجددة اللامركزية التشاركية؟ تثير شراكات أصحاب المصلحة المتعددين هذه حوارا من مختلف القطاعات لأن أفضل القرارات تنبثق من وجهة نظر جماعية وتفاعل مباشر نحو التفاهم والمقاربة التشاركية.

المغرب بحاجة إلى تعيين وزارة جديدة خاصة بنظام اللامركزية

لعبت مؤسسة الأطلس الكبير ومنظمة جيرمان ووتش دورا أساسيا، كطرف ثالث مساعد، في تنسيق التخطيط المشترك وتنزيل الإجراءات التي تضمن تحقيق النتائج الثلاث. وتجسد ضرورة إنجاز هذه المهمة في حد ذاتها درسا حاسما بل ومصيريًا. فإن بناء قدرات منظمات المجتمع المدني، أو حتى تعيين وزارة جديدة، لأمر حيوي يجمع الأطراف معا من أجل العمل المشترك. وستكون الوزارة الجديدة أداة قوية لتلبية هذه الحاجة، كما يمكن منح وزارة البيئة، التي تعمل فعليًا كمنسق بين الوزارات الأخرى، مسؤولية رسمية لبناء شراكات لامركزية من أجل تحقيق استدامة القطاع.

إن اللامركزية الوطنية المغربية وضخامة هذه الهيكلة، المستندة إلى التعاون على جميع الأصعدة، لن تحدث بشكل عفوي من تلقاء نفسها. بل ستحتاج المشاريع إلى أن تروج لها مؤسسة رائدة في المجال تتولى هذه المهمة كوظيفة أساسية. علاوة على ذلك، فإن اللامركزية – تحكم أفراد المجتمع في عجلة التنمية، والتمكين الشخصي والجماعي – أمران يقومان حول العمل والمتابعة الشاملين، فالأفراد يحتاجون إلى التدريب والدعم، بما في ذلك الجانب المالي، ليصبحوا سفراء الاستدامة المحلية، وبعدها الاستدامة الوطنية في المغرب.

في ما يهم البرنامج الحالي، فرضت جائحة كوفيد-19 العمل بمناهج عملية جديدة. وقد أحيل التمويل، الذي كان من شأنه أن يذهب إلى مؤتمرات أصحاب المصلحة المتعددين الوطنية والدولية المعنية بتعزيز لامركزية الطاقة المتجددة، بدلا من ذلك إلى المشاريع المجتمعية التي أثبتت عمليتها بالنسبة لسكان القرى المهمشة. وتدور رحى الاستدامة حول محور هو إشراك الفئات المستفيدة، وهو أيضا ما تقوم عليه سياسة شراكات أصحاب المصلحة المتعددين نفسها. والأهم من ذلك، أنه لا يمكن العثور على أنسب السياسات وأكثرها دعما على نحو فعال بدون اللجوء إلى الخبرة والبصيرة اللتين يمنحهما التطبيق الحقيقي لهذه المناهج.

محاكاة مشاريع الطاقة المتجددة مسألة مرتبطة بالتنمية البشرية

ما الذي تعلمناه من هذه التجربة التي يمكن أن تسترشد بها جهودنا نحو محاكاة واستنساخ تجارب أخرى ناجحة، وما الذي اكتسبناه من حيث فهمنا لإصلاح السياسات وتجديدها إلى ما من شأنه أن يسهل توحد المجتمعات القروية في جميع أنحاء المملكة، وتحقيق أحلامها بخصوص مشاريع الطاقة المتجددة؟

إن الطاقة المتجددة بطبيعتها ستكون دائما مرتبطة بالمشهد الكامل للتنمية البشرية. وهي تزدهر بطبيعتها وفق نظام اللامركزية بسبب حاجتها المستمرة للتكيف مع الظروف المحلية. وبالتالي، ينبغي أن تحرص السياسات على أن المستفيدين قادرون على تحديد الصفات الخاصة للعلاقة بين المياه والطاقة والغذاء بشكل يتناسب مع العوامل والظروف المحلية لهذه الفئات. ومن أجل نسخ تجربة الطاقة المتجددة، فإن دعم إرادة المجتمع المحلي هو أفضل خطوة لضمان تحقيق الإدماج المتكامل.

عندما تركز الإدارة التكيفية على جمع البيانات المحلية الخاصة بالمناطق الحيوية (فيما يتعلق بالماء والتربة والهواء وما إلى ذلك)، وتحليل البيانات، واتخاذ القرارات المستنيرة، عندها فقط فإن النظام اللامركزي الناجم عن مناقشات وتعاون أفراد المجتمع سيضمن مراعاة مختلف الإجراءات للممارسات التكيفية. يمكن التعرف بسهولة أكبر على اعتبارات مشاريع الطاقة المتجددة في مكان معين باستخدام القياسات المتعلقة بالتكيف. حيث إن بناء اللامركزية يستوجب استمرار خلق المزيد والمزيد من المشاريع المستدامة المجتمعية.

مياه الشرب النظيفة لا تزال في قمة الأولويات

العامل الذي لم يتغير في القرى المغربية على مدى عقود هو أن مياه الشرب النظيفة لا تزال الأولوية الأكثر شيوعا. والآثار المترتبة على عدم إمكانية الوصول إلى الماء الشروب مؤثرة ماديا واجتماعيا. فندرتها تضطهد الصحة والنساء والفتيات (القائمات على عملية جلب المياه)، وآفاق المشاريع المتعلقة بنوعية الحياة الأساسية. إن الأضرار الناجمة عن نقص مياه الشرب النظيفة على الأطفال والأسر لا تحصى. لذا فالطاقات المتجددة المدمجة مع أنظمة الشرب النظيفة للأطفال ستسمح بالنمو بصحة جيدة وتحرير الفتيات من وعناء جلب المياه حتى يتمكنن من الذهاب إلى المدرسة.

وهناك العديد من شبكات مياه الشرب النظيفة، التي لحسن الحظ يمكن أن تلبي احتياجات المجتمع، لا تزال معطلة بسبب عدم قدرة الأسر على دفع ثمن الطاقة اللازمة للضخ. وعلى النقيض من ذلك، فإن توصيل المياه بالطاقة المتجددة يخفف من تكاليف الكهرباء والوقود الأحفوري. علاوة على ذلك، مع الطاقة المتجددة، لا تزال الجمعيات القروية – بما في ذلك تلك المنخرطة في هذا البرنامج – تفرض رسوما (وإن كانت بأسعار معقولة) على المياه الجوفية بما يتناسب مع حمولة المياه التي تستهلكها كل أسرة، وهو ما يكفي لتفادي ضحولة المياه.

يجب على المجتمعات المحلية أخذ زمام المبادرة في رحلة التنمية

تفيد الاستدامة أن المجتمعات المحلية تتحكم في عملية التحليل الخاصة بها ووسائل تقييم أولويات المشروع وتخطيط العمل والإدارة. وتسمح رؤيتهم ومراجعتهم لظروف الحياة الشخصية والتنموية باتخاذ قرارات تعزز احتمال الحصول على فوائد دائمة، سواء في مجال الطاقة المتجددة أو أي اتجاه للتنمية الاجتماعية يحددونه. لذلك، إذا سعينا إلى تفعيل نظام اللامركزية في مجال الطاقة المتجددة، فإننا بحاجة أولا إلى تقديم ورشات فعالة لتمكين الأفراد والمجموعات وتشجيعهم على الاكتشاف وتعزيز ثقتهم، الأمر الذي سيؤدي لا محالة إلى مناقشة تشاركية حول التنمية. نحن بحاجة إلى البدء بتطوير رؤى وتأكيدات شخصية للاستمرار والمضي قدما بشكل متضافر.

عندما تُنجز مشاريع زراعية في القرى الزراعية، دون تنظيم ورشات برنامج تمكين المرأة والعمل على إبراز حقوقها، فإن دخل الأسرة قد يزداد والأمن الغذائي قد يتحسن، لكن قدرة المرأة على القراءة والكتابة والفوائد الكبيرة القابلة للقياس للنساء والفتيات ستظل ثابتة بل ومحدودة. لذا، استفادت كنوز القديرات، تعاونية نسائية محلية في اليوسفية، من ورشة التمكين الذاتي ومن برنامج التخطيط التشاركي، مما أدى في النهاية إلى تطوير نظام مياه شرب نظيفة وإنشاء مشتل إقليمي يعمل بالطاقة الشمسية. وتبين دراسة مقارنة أن التنمية الزراعية التي يسبقها التدريب على التمكين تؤدي إلى فوائد تشمل زيادة مشاركة الفتيات في التعليم وتنمية تعاونية أكثر قوة.

النتائج الرئيسية

المغرب في وضع يسمح له بالإسراع نحو وضع التنمية المستدامة، مع جعل المجتمعات المحلية مركز التخطيط، من خلال المبادرات الوطنية الرئيسية. ولم يشكل هذا العامل دعامة لإنجازاتنا السريعة نسبيا فحسب، بل وقد سمح لنا أيضا بالنظر في استراتيجيات عملية تمكن من التطور وإعادة التجربة على نطاق أوسع.

تتطلب الطاقة المتجددة اللامركزية توفير تمويل ثابت بما يتجاوز المكاسب غير المتوقعة الصادرة عن ظروف خارجية التي لا يمكن التنبؤ بها، مثل التحولات الناجمة عن أزمة كوفيد-19. ولإنجاز المشاريع المحلية، ستحتاج البرامج إلى الالتزام بالتمويل المستمر، حيث أن الأمر يدور حول أناس بسطاء، ثم العمل على التكيف من أجل استدامة مشاريعهم.

ومن الطبيعي أن تجد المنظمات الماهرة والسباقة لأخذ المبادرة تلجأ لعقد اتفاقيات مع شركاء بارزين يعملون على نطاق أكبر قائم على المزيد من الإدماج. فالمبادرات المجتمعية لم تحفز شراكات أصحاب المصلحة المتعددين فحسب، بل وأحدثت الآن فرقا عميقا في حياة أكثر من 1000 شخص. وتسلط التجارب التطبيقية الضوء على توجهات السياسة العامة التي تشجع على تكرار هذه التجارب الناجحة والهادفة، مثل ضرورة وجود وكالة أو وزارة جديدة تشرف على التعاون بيت القطاعات المتعددة، على جميع المستويات، من أجل تحقيق الاستدامة المحلية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here