العراق نموذجا.. تقرير يحلل متى يتحول الجهاديون الى تكتيكات “الجيش” التقليدي

رصد “معهد الحرب المعاصرة” الأمريكي المتخصص بالقضايا العسكرية، تكتيكات الحروب التقليدية التي تلجأ إليها التنظيمات الارهابية مثلما جرى في العراق وأفغانستان، طارحا التحديات التي يتحتم على الولايات المتحدة وحلفائها، التعامل معها لمواجهة تنظيمات تبدل أساليبها القتالية.

ولفت التقرير الأمريكي الذي ترجمت الى اعتقاد راسخ ناتج عن خبرات عسكرية امريكية خلال عقدين من الحروب فيما بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر، بتصوير الجماعات الجهادية على انهم مقاتلون غير نظاميين بالاساس، الا ان العديد من هذه الجماعات أظهرت القدرة على تبني أساليب الحروب التقليدية بمستوى فعال.

واشار التقرير الى انه على غرار حركة طالبان التي اكتست كابول في الصيف الماضي وسط تخبط أميركي، فإن تنظيم داعش حقق إنجازات مشابهة في حملاته العسكرية قبل عدة سنوات، وهو ما شكل تتويجا لعقود من التقاليد الجهادية في القتال، او بمثابة تكييف أساليب القتال الجهادي مع أساليب الحرب التقليدية.

واضاف ان الأيديولوجية الجهادية سعت من اجل اقامة دولة الخلافة والحفاظ عليها بالقوة، وهو ما يتطلب تطوير قدرات قتالية تقليدية من أجل السيطرة على الأراضي وحمايتها.

واعتبر التقرير أن نموذج داعش يكشف عن أبرز صفات هذا الأسلوب الجهادي في الحرب، وكيفية محاربته، مضيفا أن هناك دروس رئيسية حول التهديد الجهادي في المستقبل وكيف سيكون بإمكان واشنطن العمل بشكل اكثر فعالية مع حلفائها من أجل مواجهته.

أسلوب حرب داعش 

بعدما أشار التقرير إلى التباينات في أسلوب وأفكار تنظيمي القاعدة وداعش وافتراقهما كما جرى في العراق، اوضح ان داعش باشر “في وضع استراتيجية للسيطرة على الأراضي الكبيرة التي قد يحتاجها لبناء خلافته”، مضيفا ان دخول التنظيم في أوائل العام 2013 في الحرب السورية، كان بمثابة تحول نهائي نحو اسلوب الحرب التقليدية، التي لها أربعة عناصر متغيرة هي: الابتكار التنظيمي، وتشكيل العمليات، وارادة القتال، وامتلاك القدرة على المبادرة.

تقييم التهديد الجهادي

وذكر التقرير انه رغم ان داعش محرومة حاليا من أراضيها في العراق وسوريا، الا ان اسلوب خوضها الحرب التقليدية كان واضحا في أسلوب استعادة طالبان سيطرتها على أفغانستان حيث استمر هجومها السريع الهجوم لاسبوع ليبلغ ذروته بسقوط كابول بعد شهور من عمليات الاستسلام أمام طالبان، ومفاوضات مع القبائل للخضوع لحكم الحركة، وعمليات شراء لقوات الأمن والميليشيات مع مغادرة القوات الامريكية.

واوضح التقرير ان هذه الجهود التي قامت بها طالبان، كانت مماثلة بشكل لافت، لحملة الانخراط العشائرية التي قام بها تنظيم داعش في العراق قبل سنوات.

وتابع قائلا انه اينما كان للجيش الأفغاني تواجد، كانت طالبان تتسلل الى صفوفه وتغتال شخصيات عسكرية مهمة، وتهدد عائلات الجنود لتحريضهم على الانشقاق، تماما مثلما فعل تنظيم داعش بتعامله مع قوات الأمن العراقية، وهو ما ادى لاحقا الى الانهيار السريع لمعنويات الجيش الأفغاني مع بدء الانسحابات الامريكية وسقوط كابول السريع، بشكل مشابه لما جرى في مدينة الموصل التي سقطت بأيدي مسلحي داعش خلال اقل من اسبوع ومن دون أي قتال.

ولفت التقرير إلى أن هجومي طالبان وداعش الواسعين والسريعين على مستوى الدولتين، متشابهان، وربما من دون قصد، وهو ما يشير الى “ظهور أسلوب جهادي فاعل بشكل متزايد في خوض الحرب”.

والان، يقول التقرير ان تنظيم داعش عاد الى وضع تمرده السابق، متسائلا عما اذا كانت العودة مجددا الى تكتيك الحرب التقليدية ممكنا.

وفي محاولة للاجابة على ذلك، يقول التقرير انه على الصعيد التنظيمي، فان صفوف مسلحي داعش في العراق وسوريا تراجعت الى 10 الاف فقط حسب التقديرات الأخيرة لوزارة الدفاع الامريكية، كما ان التنظيم حافظ على وتيرة مستقرة من الهجمات منذ العام 2019، بما في ذلك الضربات المعقدة التي توقع خسائر كبيرة مثل تفجير بغداد في تموز/ يوليو 2021، بالإضافة الى نصب كمائن منتظمة في منطقة البادية السورية لاستهداف القوات السورية.

ولهذا خلص التقرير إلى أنه “إذا كانت قوات نظام الأسد ليس بمقدورها الاحتفاظ بسيطرتها على البادية، فإن هذه المنطقة قد تصبح بؤرة للتجنيد لصالح داعش واعادة السيطرة على الأراضي، حيث يمارس التنظيم بالفعل عمليات اعادة تشكيل نفسه بما في ذلك من خلال ابتزاز وترهيب السكان المحليين والمجتمعات العشائرية.

وتابع التقرير ان برغم الدعم العسكري الروسي والإيراني الكبير، فإن النظام لم يحقق مؤخرا أي تقدم تقريبا ضد أي فصيل متمرد رئيسي، مما يطرح تساؤلات حول معنويات قواته وما إذا كانت مستمرة باستعدادها للقتال.

ويعني ذلك بحسب التقرير أن داعش، من خلال تعزيز الروح المعنوية وبعض النشاطات لصالحه، قد يستخدم هذا الجيب المناطقي الصغير في البادية السورية (في حالة تراجع وجود النظام)، كقاعدة له من اجل اعادة بنائه التنظيمي واللجوء مجددا إلى التكتيك التقليدي في خوض الحرب.

كما أن داعش قد يحاول تنفيذ عمليات أكبر في مخيم الهول للاجئين أو السجون التي تحتجز مقاتلي داعش في شمال شرق سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، مذكرا بأن المخيم يستوعب حوالي 59 ألف شخص، بينهم نحو 8.555 فردا مرتبطين بداعش، بينما تحتجز ​​مراكز قوات سوريا الديمقراطية الآلاف من مسلحي داعش.

وحذر التقرير من ان الظروف الصعبة القائمة في المخيم، بالاضافة الى الجهود التي يبذلها داعش في المخيمات من أجل فرض تفسيره المتطرف للإسلام، تجعل سكان المخيم معرضين أكثر للتطرف والخضوع لسيطرة التنظيم، في حين أن عمليات هروب كبيرة من من الهول أو السجون، ستساهم في في تجديد صفوف مسلحي التنظيم وإعادة تفعيل التكتيك التقليدي لخوض الحرب.

وبعدما ذكر التقرير بنجاح قوات سوريا الديمقراطية بدعم من القوات الأمريكية من احتواء عملية الهجوم الكبيرة والفرار من سجن الحسكة مؤخرا، اعتبر ان ذلك يظهر اهمية التعاون القوي بين الطرفين، ويظهر ايضا ان قوات سوريا الديمقراطية “تشكل عقبة رئيسية أمام انشطة تنظيم داعش في الهول والسجون”.

كما حذر التقرير ان داعش قد يجد الموارد اللازمة لظهوره خارج العراق وسوريا، مشيرا على سبيل الامثلة الى ليبيا ومناطق غرب افريقيا كما في نيجيريا، بالاضافة الى موزمبيق، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، الى جانب افغانستان حيث تتمركز جماعة خراسان الجهادية.

الآثار السياسية

وختم التقرير بالقول إنه بينما لا يزال داعش في حالة التمرد، فإنه يجب عدم النسيان أن هدفه النهائي، على غرار كل الجهاديين، يتمثل في السيطرة على الأراضي واقامة حكمه فيها، وأنه إذا سنحت الفرصة لداعش، فالمرجح ان يسعى للعودة الى تكتيك الحرب التقليدية مجددا، مذكرا ان رسوخ داعش في العراق وسوريا بين عامي 2013 و2019، تطلب بذل جهد عسكري كبير لطرد الجهاديين من أراضيهم وادى الى مقتل عشرات الاف الاشخاص الى جانب النزوح والدمار الهائلين.

وخلص التقرير الى التذكير بانه يحدد ثلاث بؤر اشتعال محتملة لعودة داعش للظهور: اراضي نظام الأسد في البادية، ومخيم الهول والسجون الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وازدهار ولايات داعش خارج العراق وسوريا. ولهذا اعتبر التقرير انه مثلما كان الدعم الامريكي عاملا حاسما لالحاق الهزيمة بخلافة داعش، فإنه سيظل كذلك في إطار العمل الفعال لمكافحة التنظيم في العراق وسوريا.

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here