(عقلية خندق العشيرة) … وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر !

المتابع بعقل حر ، غير متخندق ، يرى ويسمع ويطالع مواقف وكتابات وبرامج ، عربية وأجنبية ، تفضح (عقلية خندق العشيرة) ، السائدة عراقيا وعربيا ، في موقفها من العدوان الروسي على أوكرانيا حين تبرر العدوان وتمجد تاج الراس الدكتاتور المنقذ بوتين ! ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ، ما كتبه القاص والروائي العراقي ابراهيم احمد في الفيسبوك (الحرب الروسية في أوكرانيا) أشير هنا لبعض ما ورد فيها :

(( ولكن جرائم أمريكا والغرب لا تعني أن بوتين مَلاك وديع مبرأ مما ارتكب من جرائم شنيعة أبرزها في سوريا والشيشان ، وآخرها غزوه أوكرانيا وقتل عشرات الآلاف من أهلها (ومن جنوده أيضاً) وتشريده الملايين وتعريضه سلام وأمن العالم لخطر الفناء النووي من أجل قضية مهما كانت خطورتها وأهميتها لأمن بلاده ، كان يمكن حلها بالطرق السلمية وبالصبر والحكمة وبما يفضح ويدحر خطط الناتو ؛ ما هي حقيقية منها ، وما هي قد صنعتها مخاوف الحرب الباردة السابقة واللاحقة !

لقد أدت حالة اليأس العامة والمتراكمة ببعض الناس حتى مثقفين وساسة إلى أن يعولوا على بوتين كمنقذ للبشرية مما فعله القادة الأمريكيون والغربيون  في العالم من مآس ومآزق ونكبات …)) 

 

في أكثر من موقف ومناسبة كانت لي وقفة مع عوار (عقلية ونهج وثقافة الاستبداد) ، وهي التي اُسمي أحد مظاهرها هنا ، وفقا للموروث والواقع اليومي بـ(عقلية خندق العشيرة) . عوار هذه العقلية أكثر من واضح ، بل فاضح ! 

نعم عوارها فاضح حين تتعمد أن لا ترى تدمير المدن الاوكرانية ، وطوابير النساء والأطفال الذين تركوا مدنهم ولجأوا إلى دول الجوار . عوارها فاضح حين لا ترى مواقف المثقفين حول العالم ، وخاصة الروس منهم وفي داخل روسيا ، التي تدين بوتين وحربه العدوانية (ترجمت ونشرت عدد منها) . عوارها فاضح حين لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم عن طغيان آية الله بوتين وهو يهدد ويتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور كل من يعارضه من المواطنين الروس ، في خطاب يمثل أبرز سمات نهج الاستبداد وكل دكتاتور على مر التاريخ هتلر/موسوليني/صدام/القذافي … !

 

شرعنة الخطأ …

هذه العقلية ، التي تعتمد على العاطفة وتهمش العقل والمنطق ، في مختلف المواقف ، تستمر في المراوحة في دائرة الخطأ ، وتعمل دون وعي منها على شرعنته . وهي حيثما ظهرت تتبع وتتمسك بمبدأ تتوهم أنه صواب أساسه المعادلة الرائجة : 

الخطأ X الخطأ = صواب ! 

وهنا فالمشكلة والعوار في هذه العقلية انها :

١- لا ترى نهجا أسهل وأفضل من تبرير وتسويغ الخطأ (الحرب) مثلا إلا بمقارنته بـ(انتقائية ) بخطأ مقابل هنا أو هناك ، في المكان والزمان ! 

٢- لكي تمرر الخطأ ، لابد من خلق وتقديم مبررات ، وتتخبط في بحثها عن المبررات ، وتنحدر في الموقف إلى مستوى متدني بعيد عن اللياقة ، وترتكب مزيد من الأخطاء ، وأكثرها شيوعا الابتعاد عن مناقشة الرأي إلى الشخصنة والتسفيه والتسقيط والشتيمة .

٣- تعمد إلى تغييب وتهميش وحتى الازدراء والسخرية من منطق : مقارنة الخطأ بالصواب ، فتكون الضحية هي الحقيقة والإنسان والمفاهيم والقيم الإنسانية . 

٤- أن هذه العقلية بالواقع ، تفضح عوارها وعجزها عن التمييز بين الخطأ والصواب ، وأنها لا تعترف بالإنسان والمفاهيم والقيم الإنسانية ، وتفرغها من جوهرها ، رغم رطانة الخطاب .

 

الموقف المبدئي للانسان السوي ، المثقف خصوصا هو ادانة الحرب والعدوان ، واعلان التضامن مع (الإنسان – الضحية) ، وبشكل واضح ودون تردد ، بدلا من التذاكي والمراوغة واللف والدوران ، بترديد : نعم الحرب مدانة وغير أخلاقية ، …. ولكنه بالنتيجة ينتهي بالوقوف في صف المعتدي والدكتاتور والعنصري !! بعد أن يكرر  – دون حذر واحترام للعقل والمنطق – تسويق مبررات الموقف الداعم للحرب ، والكثير منها منتقاة من مواقع ومصادر غير رصينة ، ومن مطابخ الدعاية والحرب النفسية … أو من سوق مريدي !  

 

من المناسب هنا التأكيد والتذكير بأن كل موقف ونهج لا يحترم حقوق وكرامة الإنسان بل ينتهكها ويسحقها ، لا يمكن أن يعتبر رأي واجتهاد قابل للنقاش ، فالحرب العدوانية والدكتاتورية والعنصرية لا تستحق غير الإدانة ، وهي ليست … مسألة فيها نظر !

 

محمد ناجي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here