الكلمة التي القيت بمناسبة توقيع كتاب الروائي هيثم بهنام بردى

الاعزاء الافاضل
بعد التحية والسلام ابعث لكم هذه الكلمة لنشرها بمواقعكم الكريمة
مع كل التقدير
د.عامر ملوكا 
 
 
نص الكلمة التي القيت بمناسبة توقيع كتاب الروائي هيثم بهنام بردى في ملبورن / استراليا

مساء الخير جميعاً

بعد الترحيب بسيادة المطران والآباء الكهنة والحضور الكرام مع حفظ الالقاب

 

نجتمع اليوم أيها الأعزاء بمناسبة حفل فكريّ ثقافيّ، يقام احتفاءً بولادة كتاب جديد ويشرفُنِي أنْ أكونَ معكُمْ في هذه الرحلة مع أخي وصديقِي الروائي والقاص الأستاذ هيثم بردى الذي اختارَ هذا اليومَ لتوقيعِ روايته الجديدة [ ماركوركيس ]، ما أجمل أن تكون وليمتنا اليوم وليمة فكر وهي علامة من العلامات الصّحيّة في المجتمع أن نجتمع من أجل توقيع كتاب.. والمظهر الأكثر صحّةً هو أن نجتمع من أجل رواية من هذا النّوع……  وما أجمل لقاءنا اليوم أن يكون حول الكلمة وخدمة الكلمة والثقافة والتي تحثنا للمزيد من العطاء. لا شك من أن حصاد كلماتك فيها غنى وثروة لأي مكتبة وكثيرة هي مجالات الابداع الانساني ولكن لعل أبسط الآثار وفي الوقت نفسه أعمقها أن يترك الانسان بصمته هنا وهناك عبر الكلمات فبصمتك واضحة ومؤثرة.

عندما نلتقي مع مثقف مهنته التلاعب بالحروف وصياغة الكلمات حيث تكون الفلسفة والحكمة من أهم ما يميز نتاجه الادبي، حيث الكتابة عنده لم تعد ترفاً أو سعياً لنيل شهرة أو مكاسب مادية، بل تعتبر مسؤولية وأمانة وتفاعلاً حياتياً متكاملاً مع كل ما يدور حوله ليصل من خلالها إلى الحق والحقيقة، ولا بد من أن يكون هناك هدف ورسالة نبيلة يحاول هيثم بردى أن يوصلها من خلال كتاباته وترسم خارطةً للمحبة أشبه بسياحة للعالم لأن ما يخلفه الكاتب من نتاج فكري هو بمثابة صحيفة الأعمال أو السيرة الذاتية التي تظل تلاحق الكاتب كظله، ولابد للكاتب أن يحمل عنصر الدهشة والانبهار في كل ما يجده حوله كي لا يكرر نفسه ومواضيعه ويصبح نتاجه مملاً للقارئ والمتلقي.

وجدت في أعمال صديقي الروائي هيثم بردى أنها ممتلئة بمحبة الوطن وبمحبة الانسان الذي ينتمي له، والمتمسك بالقيم، والمجاهد من أجل ديمومتها وبقائها، وتتألق كتاباته التي تسمو فيها الألفة السمحة على الذاتية الضيقة، فكلما حاولنا الغوص في عمق معانيها وهي تشبه تقطير الزهور بهدف الوصول إلى العطر الثمين، راسماً خارطة للمحبة تنقلنا لعوالم مليئة بالروعة والجمال، فالكتابة هي تفريغ لما يحمله الكاتب على مستوى ما يعيشه وما يعانيه أو ما يختزنه في الذاكرة، وتأخذك كتاباته إلى عوالم الحقيقة والخيال المبدع لينقلنا إلى عوالم الجمال والألق بأبهى صوره، وكما يقول ريك مودي: أظن أنني عندما أكتب وبشكل أدق – متى ما كتبت, سأكون انساناً أفضل وأكثر سلاماً، فوجدت الروائي هيثم انساناً فاضلاً وأكثر سلاماً وعندما تلتقيه كأنك تعرفه منذ زمن سحيق بقدم الحرف المكتشف في حضارة ما بين النهرين، وقبل أن اتناول الكتاب ببعض الجزئيات، هذه بعض السطور للتعريف بالروائي هيثم بردى.هيثم بهنام بردى، قاص وروائي وكاتب أدب طفل من العراق. عضو المجلس المركزي والمكتب التنفيذي ونائب الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عن الثقافة السريانية للفترة من 2011 -2013. أصدر أكثر من أربعين كتاباً موزعاً بين القصة القصيرة جداً والقصة القصيرة والرواية والرواية القصيرة والنقد وأدب الطفل وسلسلة مبدعون عراقيون سريان. صدر عن أدبه خمسة عشر كتاباً. تناولت أدبه سبع رسائل ماجستير وأطروحة دكتوراه واحدة داخل وخارج العراق. شارك في مؤتمرات ومهرجانات وملتقيات عديدة داخل وخارج العراق. كتب عن أدبة العشرات من النقاد العراقيين والعرب. ورد اسمه في موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين وكذلك في موسوعة أعلام الموصل. حائز على العديد من الجوائز العراقية والعربية منها جائزة كتارا للرواية. ترجمت قصصه إلى العديد من اللغات الحية

ولقد وجدت نفسي أمام هذه النصوص في كتاب يحمل في ثناياه اسطراً حيكت بمزيج من المشاعر والأدب والحرفنة اللغوية، و قد تبدو الرواية التاريخية سهلة قياساً إلى أنواع الرواية الأخرى لكنها في حقيقة الأمر هي أصعب أشكال الرواية، وذلك لأن الكاتب في بقية أنواع الرواية له مساحة من الحرية في خلق الشخصيات وتدوير الاحداث، لكن الرواية التاريخية تقيّد الكاتب بأحداث لا يستطيع تجاوزها. فهو مقيّد بشخوص واحداث، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى اذا تمترس الكاتب بالشخوص والأحداث بشكل كامل فانه سيقع في مطب المؤرخ، وهذا ليس عمل الكاتب، فعلى كاتب الرواية التاريخية أن يسير في حقل ملغم كي لا يقع في أحد هذين المطبين، استطاع الروائي هيثم بردى وبنجاح أن يخرج برواية [ مار كوركيس ] من هذين المطبين بنجاح متألق حيث استلهم من التاريخ الشخوص والأحداث وخلق شخصيات تماهت مع الأحداث دون أن تؤثر على الموروث التاريخي لقصة مار كوركيس، كما زاوج بين جغرافيات وأزمنة تتوغل فيها الرواية بشكل سلس ومتناغم ما ترمو الحكاية التاريخية لمار كوركيس عمقّها الكاتب هيثم بشكل مقبول حتى عند قراء يختلفون بالعقيدة لكن يقتنعون بمغزاها من خلال الحبكة الدرامية للرواية. لغة الرواية كانت لغة تمتاز بالقوة والفخامة دون الانزلاق نحو الزخارف اللفظية ويأخذ السرد القارئ بشكل جذاب وهو يتمنى أن تطول أكثر لما فيها من سرد فني جميل.

باستثناء بعض التجارب لأبناء شعبنا المسيحي في العراق لم يعرف الفن الروائي القصة التاريخية بشكلها الفني المتكامل لو استثنينا رواية يزداندوخت (الشريفة الاربيلية) لمؤلفها القس سليمان الصائغ (لاحقا المرحوم المطران سليمان الصائغ) لا يوجد لنا رواية تاريخية، بهذا العمل وما قبله من روايات تاريخية كتبها الكاتب فتح الروائي هيثم باب كتابة الرواية التاريخية المستلهمة من تاريخ المسيحية في الشرق ابتداءاً من بيث نهرين مروراً الى ساحل المتوسط صعوداً إلى اسيا الصغرى فهي زاخرة بقصص الشهداء والقديسين. أهنئكم مرة أخرى وكلنا أمل أن نجتمع ثانية العام القادم بمناسبة ولادة كتاب آخر جديد لك.

كلمات شكر وتقدير ومحبة وعرفان لكل من ساهم في انجاح هذا العرس الثقافي. 

شكرا لحسن الاصغاء

د.عامر ملوكا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here