أفراحنا عبر تجربة الحب، كيف تتحقق ؟

أفراحنا عبر تجربة الحب، كيف تتحقق ؟ * د. رضا العطار

قد تكون (خبرة الحب) من اهم الخبرات واخطرها في حياة الانسان. وليس بين البشر مخلوق لم يتلق في حياته بذلك (الأخر) الذي أثار اهتمامه واخرجه من وحدته وعمل على تحويل انتباهه من (الأنا) الى (الأنت) !

وحينما يحدثنا الدين عن (حب القريب) فانها تعني – بلا شك – تحول اهتمام الانسان من (الذات) الى (الغير) – – – وعلى الرغم من ان كلمة (الحب) في اصله نزوع عملي يتجلى في تحول الاهتمام من شخصي انا الى شخصك انت – – – والحق ان (الحب) ليس مجرد انفعال او عاطفة او وجدان بل هو اولا، نية واتجاه وسلوك. وقد يخيل الينا احيانا اننا نحب الاخرين لذواتنا، ولكن الحب الحقيقي هو ذلك الذي يرى في (الأخر) شخصا يُحب لذاته دون ان يتخذ منه مجرد (وسيلة) لأشباع ميوله الذاتية.

ومن هنا فان كلمة (الحب) لا تكاد تنفصل في معناها عن كلمة (الأيثار) على شرط ان نفهم من الايثار انه تحول تام لاهتمامات الشخص من دائرة الذات الى دائرة الأخر، على حين اننا نلقي الاخرين في العادة بروح اللامبالاة – – – نجد اننا – عند الحب – نفسح للاخر مكانا كبيرا في اعماق نفوسنا ونضع انفسنا تماما تحت تصرفه ونتفانى في خدمة للاخر من حيث هو (آخر) وهذا هو السبب في ان (الحب) يقترن في العادة بالاخلاص والتضحية والوفاء والثقة والايمان وغير ذلك من (القيم) الاخلاقية.

ولنحاول عمل مقارنة بين (الحب) و (العدالة) لنرى الى اي حد تختلف طبيعة (الحب) عن طبيعة (العدالة) وهنا نرى اننا بازاء (قيمتين) او (فضيلتين) تمثلان (موقفا اخلاقيا) يتخذه الانسان بازاء اشباهه من الناس ولكن على حين ان (العدالة) لا تهتم الا بحقوق الآخر ومطالبه المشروعة نجد ان (المحبة) تهتم بالشخص نفسه وتعني به لذاته بغض النظر عن حقوقه، واستحقاقه، وقيمته – – – فالحب يتجه اولا وبالذات نحو (الوجود الشخصي) للكائن المحبوب دون التوقف عند اي اعتبار خارجي يمس مزايا الشخص او عيوبه. وعلى حين ان (العدالة) ذات طابع سلبي لان مطلبها الاول هو فرض بعض القيود او وضع بعض النواعي او المحظورات، نجد ان (المحبة) من اولها الى آخرها ذات طابع ايجابي : لان مطلبها الاول هو تحديد ما ينبغي عمله او دعوة الفرد الى التفتح التام للآخر، وحينما قال الفيلسوف الاغريقي ارسطو قولته المشهورة بانه (لو سادت المحبة بين الناس لأرتفعت الحاجة الى القانون) فانه كان يعني ان المحبة تشمل العدالة وتطويها تحتها (لا بالعكس) او لعله كان يعني ان قانون المحبة لا يلغي قانون العدالة بل يطويه ويتجاوزه ويعلو عليه.

* مقتبس من كتاب فلسفة مشكلة الحياة لزكريا ابراهيم – جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here