اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر عن القرآن الكريم من سورة آل عمران (ح 33)

اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر عن القرآن الكريم من سورة آل عمران (ح 33)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب فقه الاخلاق للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: التفكر في الخلق: هو من الأمور التي حثَّ عليها القرآن الكريم كثيراً، وهو فقهياً من المستحبات المؤكدة، التي لها آثارٌ وضعيةٌ جليلةٌ ومحمودة، وحيث لم يعزل له الفقهاء مكاناً في فقههم، ناسب ذكره في مقدمة العبادات. وقد حثَّ عليه القرآن الكريم بأساليبَ مختلفةٍ عديدةٍ، نذكر منها: الحثُّ على السير في الأرض والتجول فيها لأجل حصول العبرة منها، كقوله تعالى: “فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ” (ال عمران 137). وقد تكرر هذا المعنى في القرآن الكريم، حوالي أربع عشرة مرة، منها سبع مرات بصيغة الأمر: “سِيرُوا”.

جاء في منتدى جامع الأئمة في خطب الجمعة للسيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: وهذه الوعود، غير موجودة لغيرنا، ولا تتمثل لسوانا، وانما يتمثل لهم الظلم والشيطان. يقول الله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ” (ال عمران 149-150). واما اذا كان الفرد مناوئا للحق، ومعارضا لعزة الدين والمذهب، فسيكون مشمولا لقوله تعالى، أيضا بعد تلك الآيات مباشرة، وقلت لكم بأن القرآن كله له معاني على طول الاجيال، جل جلال الله سبحانه وتعالى، لأنه هو المتكلم، معانيه لا متناهية لانه هو لا متناهي جل جلاله.

جاء في كتاب أضواء على ثورة الحسين لسماحة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: العلم المدّني : وهو علم ربّاني الهامي والعلم المدني هو الذي لا واسطة في حصوله بين النفس وبين الباري عزوجل. وها هو كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صاف فارغ لطيف (تفسير القاسمي ج11 ص 4097 نقلاً عن الغزالي) قال الله تعالى “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” آل عمران آية 159. يمكن ذلك في نبي الإسلام صلى الله عليه واله وسلم. لأن ذلك الاتجاه الفكري يعترف بالأسلام، واعترافه هذا معناه الأعتراف بنزول الوحي على النبي صلى الله عليه واله وسلم في القرآن وغير القرآن، و لا نعني من التسديد الإلهي إلا ذلك. واذا نفينا ذلك، فمعناه نفي نزول الوحي على النبي صلى الله عليه واله وسلم، بصفته قائداً دنيوياً كما يعتبرون، اذن، فسوف يكون ذلك كفراً بالإسلام وخروجاً عنه. وبالتالي فلا يمكن أن يجتمع الإيمان بالأسلام مع افتراض أن يكون النبي صلى الله عليه واله وسلم قائداً دنيوياً غير مسدد. ومن الواضح أن هذه الأية الكريمة التي ذكرها المستدل نازلة على النبي صلى الله عليه واله وسلم فانه لا يكون غيره اولى بذلك منه، كما ذكره في الأستدلال.

أننا يمكن أن نناقش دلالة الآية على ذلك من عدة وجوه:- الوجه الأول : ان الآية الكريمة بنفسها دالة على أن هؤلاء الذين يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم مأموراً بمشاورتهم، هم أناس واطئون من الناحية الثقافية والأيمانية، ومن الواضح أن مشاورة مثل هذه الطبقة لا تكون منتجة للنتائج العظيمة التي يتوخاها المستدل. ودلالتها على ذلك في عدد من فقراتها كما سنرى. فإنه تعالى يقول “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (ال عمران 159) . فأولاً: قوله “فبما رحمة من الله لنت لهم” يعني لولا هذه الرحمة المتزايدة، كما استحقاقهم هو الغضب عليهم وانتقاد تصرفاتهم والجزع من معاشرتهم. ثانياً : قوله “لانفضوا من حولك” بعنوان أن النبي اذا كان غليظ القلب فسوف يقسو عليهم بالنصيحة والتوجيه إذن فسوف يضيقون به ذرعاً. ويتركونه. وهذا الدليل على إيمان متدن. اذا لو كان الإيمان عالياً لكان اللازم لهم اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كل حال حتى لو ضرب ظهورهم أو أعناقهم. ثالثاً : قوله : (فاعف عنهم) الدال على أنهم مذنبون في حقه يحتاجون إلى العفو عنهم. رابعاً : قوله : ( واستغفر لهم) الدال أنهم مذنبون أمام الله سبحانه يحتاجون إلى استغفار. وهذا هو فرقه عن الوجه السابق. وبالعفو عنهم والاستغفار لهم سوف تزداد رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعطفه عليهم. وبالتالي فإن الأرجح به صلى الله عليه واله وسلم أن لا يعاملهم حسب استحقاقهم بالعدل بل حسب مقتضيات الرحمة الإلهية، فان ذلك أفضل للمصلحة العامة.

وعلى أي حال. فمشاورتهم وهم بهذا المستوى المتدني، لا ينتج نتائج القيادة النبوية، ولا يكون مطابقاً للحكمة الحقيقية على أي حال. ومن هنا لا يكون قوله : (فإذا عزمت) يعني نتيجة للمشاورة معهم، بل نتيجة للأسباب الحقيقية لذلك العزم بما فيها الوحي الإلهي. الوجه الثاني : للجواب على الاستدلال بالاية الكريمة: أن قوله تعالى : “وشاورهم في الأمر” ليس بمعنى المشاورة الحقيقية التي يريد أن يفهمها المستدل. بل هي شكل من أشكال التخطيط السلوكي يجعله الله سبحانه للنبي صلى الله عليه واله وسلم بقوله تعالى : “فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر”. لكي ينال النبي صلى الله عليه واله وسلم مصالح عامة عديدة، يمكن أن نفهم منها مايلي:
أولاً : أن يهديهم بسلوك الرحمة والشفقة معهم. ثانياً ك أن يكفي شرّذي الشر منهم. ثالثاً : ان مشاورتهم نحو من الاختبار والامتحان لهم، ليرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عملياً أنهم ناصحون له في الآراء التي سيبدونها والاقتراحات التي يقولونها أم لا. رابعاً : ان مشاورتهم نحو من التدريب لهم على هذا الأسلوب حين يكونون هم محتاجون إلى مشاورة غيرهم، فلا ينبغي أن يتكبروا عن ذلك بعد أن كان نبيهم صلى الله عليه واله وسلم يتخذ هذا الأسلوب بنفسه. وهم لا شك أنهم محتاجون إلى المشاورة في تاريخ حياتهم الطويل، لانهم ليسوا معصومين، وقد يصبحون موجودين في زمان ومكان خال من معصوم يمكنهم الاهتداء برأيه والاستعانة بتسديده، كما كانوا يعتمدون على النبي صلى الله عليه واله وسلم. الوجه الثالث : ان هذا الأمر في هذه الآية الكريمة يمكن أن يكون وارداً بعنوان (إياك أعني فاسمعي يا جاره) يعني ان يكون المخاطب بها النبي صلى الله عليه واله وسلم والمراد غيره. الوجه الرابع : أننا لو تنزلنا عن قبول الوجوه السابقة ، فمعنى ذلك : أن ظاهر القرآن الكريم دال على حاجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مشاورة غيره من البشر. وليس مؤيداً ولا مسدّدا بالوحي الإلهي والحكمة الإلهية. فيكون هذا الظهور غير محتمل دينياً على الإطلاق. وكل ظهور قرآني أو غيره ينافي القواعد العامة العقلية أو النقلية. فانه يسقط عن الحجية ولا بد من تأويله بحيث يوافق تلك القواعد. فإننا اذا تنزلنا وقبلنا في حق أي معصوم أنه قائد دنيوي، فلا يمكن ذلك بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم قائد بني الأسلام، والقول بذلك خروج عن دينه الحنيف.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here