حركة تعليم المرأة في العراق، ح4

حركة تعليم المرأة في العراق، ح4 (*) د. رضا العطار

اذا ما القينا نظرة فاحصة على تعليم المرأة في العراق في النصف الاول من القرن الماضي كان الشاعر الرصافي واحدا من اولئك الرواد الذين طالبوا بتحرير المرأة لتأخذ نصيبها من العلوم والفنون والاداب، كما يظهر في قوله :

هل يعلم الشرقي ان حياته * * * تعلو اذا ربى البنات وهذبا

وقضى لها بالحق دون تحكم * * * فيها وعلمها العلم والادبا

فالشرق ليس بناهض الا اذا * * * ادنى النساء من الرجال وقربا

ونخرج من هذا كله الى ان الاهتمام بتعليم المرأة كان ضيقا ومحدودا حتى العقود الاولى من القرن العشرين، وقد كان لدعوات تحرير المرأة وتعليمها الاثر الكبير في تعاون الناس في حل هذه المعضلة، ذلك ان التسامح الذي وقف في بادئ الامر عند حدود المرحلة الابتدائية ثم امتد بمرور الزمن الى المرحلة الثانوية ثم الجامعة. على ان قبول المجتمع لهذا التطور الجديد لم يات بسهولة وبقفزة واحدة وانما مرّ بمراحل عديدة.

فعند قيام الحرب العالمية الاولى عام 1914 ودخول الانكليز العراق خلت البلاد او كادت تخلو من مدارس البنات، ويعود السبب في ذلك لان الانكليز لم يكونوا بحاجة الى استخدام الاناث في دوائر الحكومة وثانيا لانهم لا يوجد لديهم عدد كاف من المعلمات وثالثا لان الناس كانوا متعصبين غير راغبين في ارسال بناتهم الى المدارس.

ولكن هذه الاسباب لم تقف حائلا بوجه المطالبة بحقوق المرأة في التعليم حتى اضطرت سلطات الاحتلال البريطاني الى انشاء عدد من مدارس البنات. فتأسست مدرسة ابتدائية كاملة في الموصل واخرى في الديوانية وثالثة في بغداد . وفي سنوات الحكم الوطني خطا التعليم الابتدائي خطوات واسعة – – – وتكشف الاحصائية التالية مقدار التطور الحاصل في عدد مدارس البنات وعدد الطابات فيها حتى عام 1958

ففي عام 1921 كان مجموع عدد مدارس البنات في كافة البلاد 3 فقط وعدد الطالبات فيها 461 طالبة – لكن بعد 30 سنة اي في عام 1950 اصبح عدد المدارس 181 مدرسة وعدد الطالبات فيها 35145 طالبة – – – اما سبب هذه الطفرة الواضحة يمكن ان نعزوها الى نمو الشعور الوطني خلال ثورة 1930 وفي فترة الحركة التحررية عام 1941 . بينما الاسباب العامة لهذه الزيادة فهي ما يتعلق باستقلال العراق وقيام حكومة وطنية فيه ومنها ما يتعلق بتقدم المجتمع العراقي نفسه وتغير نظرته الايجابية للتعليم،

فالاباء اخذوا يميلون الى تعليم بناتهم ذلك لان التعليم اصبح وسيلة لضمان فرص اوسع لعمل الفتاة واعطاء العائلة منزلة خاصة فعمدت الاسر الميسورة على تعليم بناتها اولا ثم تبعتها الاسر الاخرى.

اما التعليم الثانوي للبنات فقد بدأ متأخرا في العراق، اذ يرجع انشاء اول مدرسة ثانوية لهن الى عام 1930 اي بعد اكثر من عشر سنوات على قيام اول مدرسة ثانوية للبنين.

ومع ذلك فقد ازدادت مدارس البنات بصورة تدريجية واصبح في كل محافظة (لواء) مدرسة ثانوية كاملة للبنين واخرى للبنات على الاقل، وفتحت في عدد كبير من الاقضية مدارس متوسطة للبنين واخرى للبنات – – – والارقام التالية تشير الى تصاعد عدد مدارس البنات وطالباتها :

ففي عام 1930 – 1931 كان عدد مدارس البنات في عموم البلاد مدرسة واحدة فقط وعدد طالباتها لم يتجاوز احدى عشرة طالبة، لكن العدد استمر في التصاعد تدريجيا الى ان وصل عام 1957 – 58 الى 65 مدرسة للبنات وبلغ عدد طالباتها 14003 طالبة

وبسبب الاقبال على التعليم فقد اصبحت هناك حاجة ماسة للمدرسات لذلك عمدت الحكومة الى ارسال بعض الطالبات للدراسة في الجامعة الامريكية ببيروت او الى الجامعات المصرية – – – وفي عام 1945 تم افتتاح معهد الملكة عالية من اجل تهيأة مدرسات للتعليم الثانوي، كما تم انشاء دار المعلمين العالية سنة 1923 لكن تم اغلاقها سنة 1927 لتخريج مدرسين ومدرسات في نفس الوقت.

وفي عام 1942 تم انشاء اول معهد للفنون البيتية للبنات في بغداد، وقد ازداد عدد الطالبات فيه من 58 عام 1931 – 32 الى 1363 طالبة عام 1957 – 58

وفي عام 1951 انشئ قسم خاص للفنون البيتية في كلية الملكة عالية للبنات من اجل تخريج مدرسات في معاهد الفنون البيتية وفي الاقتصاد المنزلي.

اما في التعليم العالي للبنات فقد كان مجرد تفكير الفتاة فيه يعد مغامرة خطيرة مليئة بالصعوبات والعقبات، وكان على الراغبات في اكمال دراستهن السفر الى الخارج. وجدير بالذكر انه لم يكن هناك قانون يمنع دخول الفتاة الى الكليات في بغداد غير ان المسؤولين كانوا متأثرين بالرأي العام الذي كان ما يزال يعارض فتح ابوابه امام الفتاة.

لقد كان عام 1936 يمثل منعطفا خطيرا في تعليم المرأة العراقية اذ فتحت كلية الطب وكلية الحقوق ابوابها لقبول الفتيات فيها، حيث قبلت الاولى ثمان طالبات وقبلت الثانية طالبة واحدة – – – وفي عام 1943 كان هناك 11 طالبة في كلية الحقوق و40 في دار المعلمين العالية و6 في كلية الطب وخلت كلية الهندسة من الطالبات. اما في عام 1952- 53 فقد بلغ عدد طالبات كلية الحقوق 95 طالبة و 222 طالبة في دار المعلمين العالية و4 طالبات فقط في كلية الهندسة. و349 طالبة في كلية الملكة العالية و149 طالبة في كلية الاقتصاد والتجارة و71 طالبة في كلية الاداب والعلوم و 7 طالبة في كلية الطب – – فبلغ مجموع الطالبات في الكليات العراقية عام 1958 ، 1193 طالبة.

واذا امعنا النظر في هذه الارقام فاننا نصل الى نتيجة تدعو الى الدهشة والاعجاب، فهي تشير اولا الى حدوث انقلاب اجتماعي وفكري عظيم في تعليم المرأة وتثقيفها. ويعني من الناحية الثانية ان المرأة العراقية استطاعت ان تقف بوجه التيارات المحافظة التي وقفت بوجه تعليمها، هذا التعليم الذي قادها الى ان تقف على قدم المساواة مع الرجل وتتبوء مكانتها الطبيعي في المجتمع.

من كتاب حضارة العراق ج، 13 د. طارق نافع الحمداني – جامعة بغداد مع التصرف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here