كيف يكون للمنصب تأثير على شخصية الإنسان:

قلم ( كامل سلمان )

المنصب الذي يتبوأه الإنسان تجعله في وضع يشعر بالشعور الأبوي لمن هو دونه ، لذلك يكون تعامل صاحب المنصب مع الناس الذين دونه بالعطف والتسامح والعدل والحرص ، لإنه بهذا الأحساس يقترب كثيرا من الناس ويتحسس آلامهم ومعاناتهم ويكون قد استطاع ان ينقل تصوراته ما قبل الصعود الى المنصب رغم وجود بعض المحاذير ولكن بشكل عام يعتبر هذا الصنف من الناس هو الصنف الذي يستحق دور المسؤولية وموقع القيادة لإنه تمكن من التقرب الى الناس وكسب ودهم وكذلك اظهر قدرته على دور الابوة وقام بواجبه الخدمي فهو ينال استحسان الجميع الا القليل من الناس ، و نستطيع عنه القول انه الشخص المناسب في المكان المناسب .
اما الصنف الأخر فهو الصنف الذي يصرف أوقاتا طويلة يخطط للوصول الى المنصب وذلك لنوايا خبيثة منها الانتقام والتسلط ، فهو يقدم الخدمة الصحيحة لكن النوايا المبيتة مرسومة بدقة وتكشف عن نفسها بعد مرور فترة زمنية اي بعد ان يتم تثبيت الدعائم في المنصب . وصنف أخر يجد بالمنصب متعة ويستعرض نفسه فيه لشعوره بالنقص وتعويضه عن عيوب خاصة به . واصناف اخرى مختلفة حسب طبائع البشر .
هؤلاء الذين تحدثنا عنهم اعلاه نجدهم في اي واقع وفي اي مجتمع ولا غرابة من امرهم ولكن هناك صنف عجيب وهو الصنف النادر في جميع المجتمعات ولكنه هو الصنف المفضل في مجتمعنا وهو صنف امتلاك او شراء المنصب وامام اعين الناس وامام اعين القضاء والقانون فيبدأ هذا الصنف بتجريف مايراه امامه ليصبح ضمن الممتلكات الخاصة ، ويضاف الى هذه الملحمة اي ملحمة الاستحواذ والسرقة الصفة الشرعية وغسيل الاموال المسروقة بالإنفاق والزكاة والخمس واستغلال المناسبات الدينية ، مثل هذا الصنف نتحدى الامم ان تستطيع المنافسة معنا على هذه الامتيازات .
أتدرون هذه الاشياء لا تحدث الا بوجود الدين كطرف رئيس في العملية الادارية وكذلك لا تحدث في الأنظمة الدكتاتورية او الانظمة العسكرتارية او الانظمة الديمقراطية الدستورية ولكنها تحدث في الانظمة الهجينة التي تمزج الدين بالديمقراطية بالعشائرية بالطائفية وأفضل نموذج مطروح في الساحة العالمية هو النموذج العراقي ، ويمكن لأي باحث المجيء الى العراق والحصول على التفاصيل الدقيقة وتأليف بحث واسع وكبير عن معنى الاستحواذ على المنصب .
السبب الذي يقف وراء قوة صاحب المنصب وقدرته على تحدي المجتمع وتجاوزه على القانون هو وجود السند والدعم من احزاب لها نفس المبادىء الهجينة اي التي تمزج هذه الخبطة من الدين والمذهب والقومية والعشائرية والليبرالية . وهذه الاحزاب تكون قوية وعنيفة ضد من يحاول المساس بصاحب المنصب لإنها هي فوق القانون ولها مجاهدون يحرصون على تلك المبادىء ويسهرون الليالي لأجلها وهم مدججون بأنواع الاسلحة ويظنون أنهم لا يخافون بالله لومة لائم .
هذا الشيء ليس بالشيء السيء جدا ولكن الشيء السيء جدا جدا هو قبول المجتمع لهذه الحالة وخضوعه لها والتعامل معها كواقع حال بإحساس ايضا فيه خبطة من الخوف واليأس والجهل ، والا من المستحيل ان يوجد إنسان عاقل طبيعي يتقبل هذه السخافة المدمرة لكيان المجتمع ، والمجتمع الذي يتقبل ذلك الامر هو المجتمع الذي قد وصل الى ارذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا اي بمعنى مجتمع يحتضر وهو على حافة الموت .
اي نوع من الثقافة تلك التي سادت مجتمع عريق له مكانة بين الأمم وأصبح المجتمع عاجز عن الوقوف امامها وهو يعرف تمام المعرفة بإنها سقوط اخلاقي وحضاري خطير . ومن الغرابة ان تجد اصحاب تلك المناصب المنحرفين عن السراط تجمعهم صفات مشتركة منها استخدام العطور بشكل مفرط ، اللحى الخفيفة المنظمة الشكل ، اكثر من محبس في الاصابع وسواد او ( طعجة ) في اعلى الجبين للدلالة على التقوى اضافة الى الاحتفاظ بأكثر من جهاز نقال في جيوبه .
هذه الحالة لم تعد محدودة على جهة دون اخرى فهي ثقافة جديدة سائدة لها مناصروها واتباعها بل اصبحت هي الثقافة الطاغية على المجتمع وفي جميع دهاليز المؤسسات الحكومية ، وهي بالحقيقة مرض عضال ينخر بالمجتمع والنهاية معروفة بالنسبة للمرض العضال ولكننا لا نتمنى ان نرى هذا المجتمع الطيب الاصيل تنتهي به الامور بهذا الشكل لإننا ترعرعنا على رؤية اصحاب المناصب هم الارقى علميا وعقليا واداريا وحتى اخلاقيا !!! .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here