نظرية التطور واصل الانسان : لماذا التنازع على البقاء ؟

نظرية التطور واصل الانسان : لماذا التنازع على البقاء ؟ (*) د. رضا العطار

لايمكن للأنسان ان يتطور دون ان يكون هناك تنازع على البقاء. او ما يقوم مقام هذا التنازع من انتخاب صناعي مقصود. فحيواناتنا الداجنة لا تتنازع على البقاء اي ان افرادها لا تتغالب على العيش والتناسل ولكننا ننتخب منها ما نرغب في نسله، نخصصه للتلاقح، فيحدث عندئذ التطور فتظهر سلالات جديدة ثم يشتد التباين بينها حتى تظهر انواعا جديدة. وكذلك الحال في الانسان في الحضارة الراهنة فقد اصبح بمثابة الحيوان المدجن لا يتنازع افراده على البقاء والتناسل الا تنازعا ضعيفا قليل الاثر في تطوره دع عنك انه ليس بين افراده انتخاب صناعي واليك ايضاح ذلك.

1 – كان الانسان الاول لا يعرف الزراعة فكان يلقي المشاق في الاهتداء الى طعامه وكان سكان القطر المصري مثلا لا يسع في بداية تكوينه الى اكثر من خمسين الف نفس كلهم يستعمل ذكائه وقوته وشجاعته للحصول على طعامه من الغابات فلم يكن ثمة مجال لان يعيش في هذا الوسط رجل يشوب جسمه او عقله او قلبه اي ضعف. وكان كل انسان يبذل جهده لكي يحصل على قوته . اما الان فانه يعيش في مصر 80 مليون نسمة وقد تعلم الانسان معظم فنون الزراعة ومارسها بايسر مجهود. فالمجال اصبح واسعا لعدد كبير من الضعفاء لان يعيشوا وقل مثل ذلك في جميع انحاء العالم المتمدن. فالمعيشة الان ايسر مما كانت في زمن الانسان البدائي.

ولم يكن الحصول على امرأة في الزمن القديم امرا متاحا لجميع الذكور. اذ كان اقوى رجل في العشيرة يستأثر بجميع النساء، ثم لما عرف الانسان السبي كان شجعان القبيلة وحدهم يحصلون على النساء. فكان التناسل مقصورا على الشجعان والاقوياء وذوي الحيلة في بلوغ الرياسة. وهذه الحال لا تزال جارية بين المتوحشين الى الان وهي تؤدي الى بقاء الاقوى الاشجع، وفناء الاضعف الاجبن. ولكننا نجد خلاف ذلك بين المتمدنين فان كل انسان بصرف النظر عن ضعفه يتزوج الان وينسل الا في حالات قليلة جدا لا يعتد بها. فالزواج بين المتمدنين يعوق التطور لانه يطبع الاجيال القادمة بطابع الاجيال الحاضرة

كان القتال في زمن البداوة الاولى يساعد على بقاء الشجعان والاكثار من نسلهم اذ لم يكن يقاتل الرجل الا من اجل الحصول على الانثى فاذا انتصر كان انتصاره شهادة له بتفوقه وكان حصوله على المرأة وسيلة لان ينشر خصال التفوق في هذه الجماعة التي ينتسب اليها. اما الان فان عكس ذلك يحصل لان الحروب الحاضرة اصبحت تقضي على شباب الامة الأشداء، حتى قيل بعد موت نابليون ان قامة الفرنسي قد نقصت عن ذي قبل، لأن جنوده الذين كانوا يساقون الى الحروب كانوا منتقين من القامات الطويلة .

كان الانسان الاول لا يعرف شيئا من ضروب العناية بالمرض، فكان كل مريض يهلك او يشفى بقوة ما فيه من حيوية ذاتية. فكانت الامراض لذلك قليلة وجميع افراد القبيلة في صحة تامة. اما الان فان المرضى يعيشون بين ظهرانينا ويمكنهم ان يتزوجوا وينسلوا نسلا ضعيفا مثلهم فينتشر العنصر الضعيف في الامة. وما يقال في ضعيف الجسم يقال ايضا في ضعيف العقل. فان الابله او الاحمق يعيشان كلاهما في الحضارة الراهنة وينسلان وهما لو كانا في زمن نشوء الانسان لما عاشا يوما واحدا فان الغابة بما فيها من ثعابين وضواري وحشرات لا تتسع لان يعيش فيها ضعيف مريض.

في الحضارة الراهنة شئ من الانتخاب الصناعي في معاقبة المجرمين بأعتقالهم في سجن او بقتلهم وفي كلتا الحالتين يمتنع نسلهم اما جزئيا واما كليا. وليس شك ان بعض دوافع الاجرام الحاضرة كانت السبيل الى التفوق في الازمنة القديمة ولكن اكثرها يرجع الى ضعف الاعصاب ضعفا يؤدي احيانا الى التأزم و نزوات جنونية، يكون من مصلحة الجماعة البشرية ان تتخلص منها فعقاب المجرمين حتى مع اعتبار الجرائم التي تحدث من المظالم الاقتصادية لا يزال عاملا من عوامل بقاء الاصلح،

ان الاصلح هو الرجل الهادئ الاعصاب الذي يرتضى العمل لخدمة نفسه وخدمة المجتمع، فعوامل الرقي في الانسان قليلة بل تكاد تكون معدومة بخلاف الحال بين الحيوان والنبات البريين او بين المتوحشين انفسهم وهذا ما دعا العلماء الى تاسيس علم اليوجينية اي اصلاح النسل فأنهم لما وجدوا الانتخاب الطبيعي قد توقف فعله بين الناس، عمدوا الى ما يقوم مقامه، فكان ذلك الانتخاب الصناعي بسن قوانين التعقيم التي تمنع غير الاكفاء من التناسل لكنهم لا تمنعهم من الزواج.

* مقتبس من كتاب نظرية التطور واصل الانسان للعلامه سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here