الفقر اختصاصنا

الفقر اختصاصنا :
قلم ( كامل سلمان )
سألته عن أحواله ، وهل تحسنت اموره ؟ فقال كل شيء كما هو ، والفقر لا زال يلازمنا ، فالفقر اختصاصنا ولا يمكن ان نختص بغيره ..
عندما نتحدث عن الفقر فإننا بذلك نعني تردي الحالة المعيشية والحالة المادية ولكن الفقر يسحب معه امور سيئة جدا أسوأ من ذات الفقر ، لإن الفقير سيضطر الى السكن في مناطق الفقراء اذا ما أصابته الفاقة وسيضطر ان يعاشر الفقراء ويتقبل سلوكياتهم وعاداتهم ، والمناطق الفقيرة هي الأماكن التي تقل بها الخدمة الصحية والخدمة التعليمية والخدمات الأخرى ، والمناطق الفقيرة تكثر فيها الجرائم والمشاكل والامراض والجهل والنفاق والخزعبلات والشعوذة ومناطق سكن الفقراء تكون قليلة المساحة ومكتظة السكان ، لذلك فإن الإنسان الفقير مهما زاد وعيه وإدراكه وثقافته فسيبقى اسير الظروف المحيطة به شاء ام أبى ، وعملية انتقاله الى حياة الطبقة الميسورة فإنها معجزة او أنها تأتي بشكل تدريجي مع إرادة صلبة لتغيير الحال والمنطلق دوما يأتي عبر تغيير الأفكار ورفض الواقع المنقوص المعيوب ، اما اذا تحول الى ميسور الحال بفعل ظرف طارىء او بسبب طفرة اجرامية او حزبية فأنه سيصبح ميسور الحال ولكنه يحمل كل المخلفات السيئة للمناطق المحرومة الفقيرة بلباس ميسور الحال وبهذا يكون هذا الشخص وباء داخل المجتمع لإنه لا يستطيع التخلص من لباس الماضي ولا يستطيع التكيف مع بناء الحاضر فهو اسير واقع مريض وهو ابن هذا الواقع وخريجه ، ويعيش في واقع لا يتناسب ومقاسه الفكري ، فسيكون عاهة يدفع ثمن وجوده المجتمع .
هذا الإنسان الذي تحول الى غني ميسور الحال بفعل اعمال إجرامية بعد ان كان يفترش الارض مهادا من شدة البؤس والحرمان سيقسو على المجتمع مع وجود اللذة التي كان يحلم بها ، ستصبح الجريمة التي هي سر تحوله الى عالم الملذات هي الهواية المفضلة وسيحتفظ بقوة بكل ماض سيء من عادات وتقاليد واسلوب معيشة بالرغم من سلبياتها ، لإنه يعتقد ان هذا الماضي هو العامل الخفي وراء صعوده الكبير المفاجئ ، فتتحول تلك العادات والسلوكيات المختلفة المنحرفة الى ثقافة جديدة واجب على افراد المجتمع احترامها وتقديسها .
الفقر ليس عيبا وليس رغبة او اختيار ، فالفقر يتولد بأسباب قاهرة قد تكون وراثية او ظرفية ، والفقير بطبيعته يكون تواقا لحياة الترف والغنى وقد يحصل الإنسان على مبتغاه بأن يتحول الى حياة اليسر بتصميم وإرادة وصبر وقد يتأخر ذلك او لا يحصل ، وهذا الشيء هو الشيء الطبيعي ولكن الشيء غير الطبيعي هو مخلفات الفقر السيئة في الاحياء الفقيرة التي تصبح ثوب ومعتقد الى الابد وتقف هذه المخلفات المريضة بوجه اي تطور ونمو عقلي وفكري ونفسي واجتماعي وعلمي وتحاربه وتحاول افشاله ، شيء عجيب هذا ما حصل فعلا عندما زحف الالاف من اصحاب الطبائع السيئة خريجو مدارس المستنقعات والجريمة الى احياء الطبائع الطيبة المتعلمة المتنعمة بالمعرفة ، لتصبح تلك الاحياء مستباحة بسلوكيات لم يعهدها ابناءها من قبل ! وليدفعوا ثمنا باهضا لسمو اخلاقهم ونظافة سريرتهم التي تربوا ونشأوا عليها وليعيشوا صدمة لم يحسبوا لها حسابها من قبل .
ان اختلال التوازن في اي مجتمع مدعاة للقلق ودائما اختلال التوازن له اسبابه العميقة واولها اختلال الامن وغياب الامان التي تمثل الفرصة الماسية لؤلئك الذين تربوا في مناطق الطمر الصحي والاحياء المسحوقة ليصبحوا في الصف الاول فهم في الحقيقة عاشوا المظلومية بكل ثقلها وهذا حق يجب ان يقال ولكي يتم انصافهم يجب تحسين اوضاعهم المعيشية والسكنية والخدمية والصحية لا ان يلوثوا الارض انتقاما ضد من لم يكن سببا في معاناتهم مبتعدين عن الاسباب الحقيقية التي لوثت عقولهم ودفعتهم للقبول بحياة البؤس ، فينتقمون من الابرياء محتفظين بالملوثات ظنا منهم انهم يحسنون عملا .
للأسف الشديد مجتمعنا قد تعود التكيف مع كل جديد وقبوله بحجة الستر ودفع البلية وعدم النظر الى النتائج المرتقبة ، وهذه اخطاء تجر اخطاء والنتيجة النهائية سلسلة من المآسي والالام والحسرات ! .
تصحيح المفاهيم وترتيب الاوليات هي الوصفة الصحيحة التي يحتاجها مجتمعنا للخروج من محنته المزمنة التي لطالما يحتار المثقفون والمفكرون في طرح العلاجات المتناقضة دون الرجوع الى البدايات .
هذا التخبط يجب علينا جميعا ايقافه واعادة ترتيب الاوراق وعدم خلطها مثل كل مرة ! وفي كل مرة نقول التشخيص هو الطريق الأمثل لتحديد العلاج . لذلك وجب علينا تشخيص كل خلل انطلاقا من بدايات واوليات الخلل لكي تتضح الصورة المعتمة قبل الاستماع الى الاراء حول العلاجات ، وعلينا ان نتذكر جميعا ان لب مشكلتنا هو الإنسان وليس غيره ، فإن تم اصلاح ذات الإنسان ، عقل الإنسان ، طريقة تفكير الإنسان تم القضاء على جميع المشاكل !

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here