9 نيسان اليوم الوطني لأسقاط الديكتاتورية بين المنافقين والولائيين

9 نيسان اليوم الوطني لأسقاط الديكتاتورية بين المنافقين والولائيين
يبدو من الوهلة الأولى أن ليس هناك مايجمع بين البعثيين واحزاب الأسلام السياسي وبعض سياسي التيار الماركسي ، فهي ثلاثة تيارات ايديولوجية مختلفة ، ولكن مايجمعهم هو عين الأدلجة أي الموقف المسبق والأجوبة الجاهزة التي توفرها لتفسير حركة المجتمع وفق عين عوراء واحدة. فهي مثلا لا تذكر يوم أسقاط الديكتاتورية الصدامية في 9 نيسان عام 2003 يوم مسح تمثال الصنم بالنعل والأحذية العراقية في ساحة الفردوس، بل تذكر هذا اليوم بالأحتلال الأمريكي ، أي بما تمليه عليها ايديولوجيتها المعادية دوما للغرب وامريكا. انها لاترى في العين الصحيحة انه يوم انهاء عهد طاغية وبدء مرحلة جديدة للديمقراطية في تاريخ العراق والتخلص من النظام الصدامي الذي لم يشهد له تاريخ المنطقة مثيلا بأجرامه و تدمير حضارة وكينونة ومستقبل شعب وبلد بأكمله. فخلال حكم الديكتاتور على مدى ربع قرن انتقل العراق من المرتبة 37 عالميا عام 1975 في تطوره الأقتصادي والحضري والتعليمي والصحي الى المرتبة 137 عام 2003 , وفقد أكثر من مليون ضحية في حروب عشوائية على جاراتنا شرقا وجنوبا. أن سقوط الديكتاتورهو أهم يوم وأهم حدث عاشه العراق بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921, وكلاهما لا يتم الأحتفال به أعيادا وطنية، وهو أمر غاية الغرابة بأن تنكر دولة تاريخها وتسير على هوى المؤدلجين والولائيين حيث يريطون هذه الأيام بالأحتلال البريطاني عام 1920, والأمريكي عام 2003 . في أولهما تم تأسيس الدولة العراقية الحديثة, وفي ثانيهما حررت الشعب من نظام وحشي دمر الدولة وموسساتها .. انا لا أقول أن يحتفل العراقي بيوم غزو بلده ، ولكن عليه الأحتفال بيوم تأسيس دولته ويوم 9 نيسان الذي فيه تم بدء مستقبل جديد في العراق بعهد ودستور ديمقراطي جديد.
وهل كان هناك امام الشعب العراقي من سبيل للتخلص من حكم صدام الدكتاتوري المخابراتي المستبد ومن عقوبات اقتصادية خنقت الشعب وجوعته ودمرت كيانه ومستقبله لولا الغزو الأمريكي عام 2003؟ اليس هو الغزو الأمريكي الذي أدى الى تحريرالشعب العراقي من سجن صدام ومطرقة العقوبات الدولية المدمرة. وهل اخطأ الوطنيون العراقيون وعلى رأسهم الدكتورأحمد الجلبي والدكتور كنعان مكية ومئات من المثقفين الوطنيين العراقيين حينما توجهوا لأمريكا لمساعدة الشعب العراقي للخلاص من ديكتاتورية صدام ؟ كنت اقول لزملائي الأمريكان في الجامعة عام 2003 عندما يسألوني لماذا يجب ان تتحمل امريكا مسؤولية ازالة صدام ؟ أجيبهم من يأتي بالوساخة عليه كنسها فأمريكاهي من اتت به وعليها أزالته ،أليس هو أمر عادل بكل المقاييس. فهي أتت بالبعث للسلطة مرتين، الأولى كانت بانقلاب فاشي عام 1963 والثانية بأنقلاب عسكري منسق مع المخابرات الأمريكية عام 1968 . أن أزاحة الديكتاتور على يد أمريكا ليست عيبا , فهو ثمن لتبرئة ذمتها امام الشعب العراقي وتعويضه عن خسائره التي هي في الحقيقة لاتعوض. أن صدام هو منتوج الحرب الباردة وأتى للسلطة بأنقلاب , فهو لم ينتخب من الشعب ولم يكن أغلب العراقيين يرى في البعثيين غير بلطجية وقتلة ومرتزقة جندتهم امريكا في الحرب الباردة مع الأتحاد السوفياتي للقضاء على التيار اليساري والوطني العراقي, وهي حرب مصالح قطبين كبيرين متصارعين في العالم , كان العراقيون ، حالهم كأغلب دول وشعوب العالم الثالث تدفع ثمنها الباهض ، وكان خيار امريكا هو استخدام البعث العراقي لمحاربة اليسار.
أن موقف البعثيين العدائي من يوم سقوط الصنم في 9 نيسان 2003 مفهوم وواضح, فهم كانوا مرتزقة نظام ديكتاتوري ومستفيدين منه. وكذلك مفهوما موقف القومجية العرب الذين اصابهم العمى بأن نظام صدام قومي عربي رغم انه في كل اعماله وحروبه دمر كيان وقدرات العراق والأمة العربية ، ولم يروا بالعين العوراء كيف تم وضع الشعب العراقي تحت جزمة الديكتاتور ضحية لأجرامه الداخلي ورهينة لنزواته وطغيانه وحروبه العدوانية العبثية. ان العروبيين هم ضحايا صدام نفسه فهم اصحاب هوى وعواطف تسير مع من يدعي القومية ولم يميزوا بين قضية شعوب ترنو للحريات والحقوق والبناء وبين شعارات قومجية يختفي تحتها الجلادون, بل ساروا دوما وراء الجلادين.
كل هذا مفهوم للعراقيين ، ولكن ما ليس مفهوما موقف الأسلامويين وبعض الماركسيين المؤدلجين الذين يرون العالم بعين ستالينية خالصة لاعلاقة لها بالماركسية ,يرونه بروح مليئة بالعداء للغرب وأمريكا رغم أنهما يشكلان النموذج العملي للتطور الديمقراطي والأجتماعي والأنساني في العالم اليوم وفق مفاهيم الماركسية النظرية حول تطور المجتمعات, ولكن الأدلجة السياسية والعداء للغرب تتفوق على الواقع والنظرية معا .
نحن نقرأ ونسمع اليوم النفاق الصادر من جميع قوى الأسلام السياسي في العراق التي تذكر بمناسبة أو بدونها مساوئ الأحتلال الأمريكي للعراق . ومن حقنا أن نسألهم: لولا الأمريكان هل كان بامكان حزب الدعوة أو غيره من العمل العلني وترؤس الوزارة في العراق, بل وهل كان بالأمكان حتى اقامة اربعينية الحسين ؟ أن تكون أيران عدوة لأمريكا فهذا شأنها الخاص ولمصالحها كي تعترف بها قوة أقليمية , ولكن أن تعادوا أمريكا التي حررتكم من صدام لخاطر أرضاء طهران فهو كشف عن نفاقكم وولائيتكم وعمالتكم لأيران على حساب بلدكم.
وأسال اي عراقي ومهما كان انتماؤه : لولا بريطانيا هل كان بالأمكان تأسيس دولة حديثة وسن دستور 1925 وأقامة برلمان وتأسيس جامعات وجيش وطني وصحافة حرة؟ ولولا الأمريكان، ولو اجتمعت التيارات المؤدلجة الثلاثة ومعهم الأنس والجن والشريعة وكتب ماو تسي تونغ وستالين، هل كان بالأمكان سن دستورا يضمن حرية الرأي والمعتقد وحق التظاهر ، ويقام برلمان ينتخب ديمقراطيا ( وليس على طريقة كيم ايل سونك أو بوتين أو صدام) , وتشكيل هيئات مستقلة للأعلام والأتصالات تسمح بتأسيس قنوات تلفزيونية وأذاعية غير حكومية ، وهيئة انتخابات مستقلة ، وهيئة نزاهة مستقلة وغيرها من المؤسسات المعززة للديمقراطية؟ أليس هو فساد احزاب الأسلام السياسي بعد 2003 وتسلق البعثيين للدولة من خلال الأحزاب الأسلاموية وسياسة شراء الذمم لنوري المالكي وغيره هو من أعاق بناء الدولة والديمقراطية؟ أليس هو فشل المؤدلجين في استخدام أدوات الديمقراطية في بناء أوطانهم وليس بسبب امريكا؟ فهذه هي الهند مثلا استطاعت تطوير نظامها الديمقراطي بعد مغادرة بريطانيا لوجود قادة وطنيين ويؤمنون بالديمقراطية مثل غاندي ونهرو ؟وهذه كوريا الجنوبية حولها الأمريكان من بلد زراعي متخلف ذات حكم ديكتاتوري الى بلد مزدهر(2) , وكيف نفسر ان دولا دمرتها الحروب مثل المانيا واليابان قد اعادت بناء اقتصادها و بلدانهالافي اقل من 10 سنوات لولا مساعدة امريكا وطبعا الأنتماء الوطني لساسة وقادة هذه الشعوب, وهو امر لم ولن يتوفر في الساسة العراقيين المؤدلجين والولائيين ، فهم ليسو بناة اوطان بل دعاية وولاء.
من المسؤول عن تفشي الفوضى والفساد في عراق بعد عام 2003؟ أليس هو التحالف الثلاثي البعثي والقاعدة وأية الله, اليس هو نظام الأسد من كان يجمع المقاتلين العرب من تنظيمات القاعدة من السعودية وتونس والمغرب ليدربهم ويرسلهم للعراق لأفشال التجربة الديمقراطية في العراق بعد 2005 ،, وقاموا بخلق حرب أهلية طائفية كانت سوريا البعث وايران أية الله ممرا لتسليحهم ومرتعا لأبو مصعب الزرقاوي وقياديي القاعدة بعد هروبهم من افغانستان لتدريب هؤلاء في معسكرات علنية في سوريا . أليس هم من قاموا بسفك دم عشرات الالاف من العراقيين خلال أعوام الحرب الطائفية عامي 2005 – 2008 . واليوم وبدون خجل يدعون ان امريكا هي المسؤولة عن الحرب الطائفية وليس الأسد واية الله في طهران ، ولو لم يكن الأمر كذلك , لماذا رفع المالكي دعوة ضد سوريا عام 2009في مجلس الأمن، ولماذا اهدى الجعفري سيف ذو الفقار لبوش ورمسفيلد؟ ان النفاق راية من رايات الأسلام السياسي لكنه لا يقتصر عليهم فقط ، فلهم رفاق في النفاق من ذوي الفكر المؤدلج القومي وحتى بعض الماركسي.
ولابد اليوم من القول ان حقائق الأمور بات يعرفها الشعب العراقي بعد معاناته من جهل وفساد وعمالة وولائية أحزاب الأسلام السياسي التي تكارس الولاء على حساب المصالح الوطنية للعراق وشعبه، وانكشف خداع ودجل شعار “الآسلام هو الحل” الذي وثق به العراقيون برهة بعد 2003 عندما انتخب الأحزاب الأسلاموية ، وها هو اليوم يطردها من برلمانه ، ولولا الديمقراطية التي اتى بها الأمريكان ياسادة لرأيتم اليوم عدي حاكما للعراق , ولولا دستوره لرايت المالكي يحكم بآسم الأسلام وال البيت ومكث وأفسد مثل صدام . ان الديمقراطية في العراق ناقصة ومشوهة ,ومع هذا فهي تعمل, وستنتصر لأن شعبا ذاق طعم الحرية لن يخضع من جديد للطغاة مهما كان لونهم. أن يوم 9 نيسان هو اليوم الوطني للعراقيين للأحتفال بالتخلص من حقبة الديكتاتورية الصدامية ، ولابد أن يتم اعلانه عيدا وطنيا والأحتفال به وكذلك بيوم تأسيس الدولة العراقية على يد الأنكليز عام 1921 .
د. لبيب سلطان
أستاذ وباحث عراقي-كاليفورنيا
(1) الكثير من العراقيين يلومون امريكا من باب انها هي من اتت بالفاسدين للسلطة ، وكأن مهمة دولة خارجية زرع الوطنية في بلد قادته فاسدين وولائيين . ان أمريكا نجحت في المانيا واليابان وكوريا, و نجحت بريطانيا في الهند, لسبب واحد : تواجد أحزاب وقادة وطنيين تقود هذه البلدان , أضف أنه لم يدخلها الأسلام السياسي ولم يقعوا في فخ الفكر المؤدلج المعادي للغرب وقيم الديمقراطية ، بل ووضعوا مصالحها وشعوبهم شغلهم الشاغل أونصرفوا لتطوير اقتصاديات بلدانهم ، وهذا هو ما يفتقده العراق : حزب وطني عراقي وقادة وطنيين لبناءه وتطوير مؤسساته وتخليصه من الناهبين والولائيين والفاسدين ، وبدون حزب وطني عراقي يعتمد أيديولوجيا وطنيى لبناء دولة وأقتصاد وحكم ديمقراطي لن تقوم للعراق قائمة لا الأن ولا في المستقبل, وهذا هو مايفتقده العراق لينهض من جديد وهذا هو ماخرج اليه الشعب في أنتفاصة تشرين.

(2) تحتل كوريا الجنوبية المرتبة العاشرة عالميا في حجم اقتصادها (اي درجة واحدة أعلى فوق روسيا ) ولكن كان العراق ذو المركز 37 يتصدر على كوريا بمركز 42 أي بخمسة دول عام 1976 من ناحية الدخل القومي والتطور الأقتصادي والتعليمي والصحي والعمراني وفق معطيات UNDP ،ومن هنا يمكن معرفة مدى الخراب الذي سببه صدام بعد مجيئه للسلطة في العراق عام 1979.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here