سعادتنا تكمن في حبنا لأبناء جنسنا !

سعادتنا تكمن في حبنا لأبناء جنسنا ! * د. رضا العطار

ان الكثير من فلاسفة الاخلاق ليقولون ان الحب (فضيلة الفضائل) لانه ينطوي في صميمه على قيمة اخلاقية كبرى، الا وهي (الارادة الخيرة) او (النية الصادقة).

وليس من شك في ان الحب فضيلة ايجابية الى اقصى حد : لانه في جوهره اثبات واحياء وبناء في حين ان الكراهية في جوهرها انكار وافناء وهدم – – – والواقع ان الذين يعدون (الحب) مجرد عاطفة، يتناسون ان الحب ايضا طاقة وانتاج. وربما كان للحب من القوة ما يسمح للمحبين في بعض الاحيان بان يحققوا من الافعال ما لا طاقة لغير ذوي الارادة القوية بتحقيقه. فالحب يحشد كل ما لدى الفرد من طاقة ويعبئها في خدمة محبوبه، وكأن في استطاعة المحب ان يضع كل وجوده الاخلاقي تحت تصرف المحبوب.

وقد يقع في ظن البعض ان كل ما يهدف اليه المحب هو تملك ارادة المحبوب والعمل على اخضاعه والسيطرة عليه، لكن هذه الرغبة في (الامتلاك) هي اقرب الى (الانانية) منها الى (الغيرية) ما يجعل المحب يضع وجوده باسره تحت تصرف (المحبوب) وكأن كل وجوده (لذاته) قد استحال من اجل الاخر ! – – – وهذا هو السبب في ان الحب الحقيقي لا يكاد يعرف الرغبة في التملك او النزوع نحو السيطرة على (الاخر)، لانه حب ايثاري لا يرى في (الاخر) سوى ذلك (الكائن المثالي) الذي هو ميسّر لبلوغه.

والحق ان ما يراه المحب في المحبوب هو على وجه التحديد هذا الذي لا يستطيع المحبوب ذاته ان يراه في نفسه : لانه يرى ارادته المجاهدة الساعية قدما نحو تحقيق (كيانها الاخلاقي) ولا عجب فان من شان الحب ان يملك من (القوة) ما يستطيع معه تغيير الطابع الخلقي لذلك المخلوق الذي يتجه نحوه بحيث ان المحب وحده هو الذي يستطيع ان يجعل من محبوبه ما يراه فيه وما يحبه منه ! – – – ان كل من عانى (خبرة الحب) لا بد من ان يكون قد شعر بان (حضرة المحب)هي اشبه ما تكون بقوة اخلاقية هائلة تتسامى بالفرد الى مستوى (الانسان المثالي).

وليس من الضروري ان يتخذ هذا (التأثير) طابعا عقليا بل هو يتحقق بطريقة غامضة، وآية ذلك ان (المحب) قد يشعر بان لديه طاقة خفية تعمل عملها في نفس (محبوبته) كما ان (المحبوب) قد يحس بان ثمة الهاما سريا ياخذ بيده ويقوده على طريق (المثل العليا) في الاخلاق – – – وهنا قد يجد المحب ضربا من السعادة في الاحساس بانه قد بلغ اعلى درجة يمكن ان يبلغها انسان في علاقته بانسان آخر – بينما قد يجد (المحبوب) نوعا من الراحة النفسية في الاحساس بان ثمة شخصا آخر قد اكتشف ماله من قيمة وانه اصبح (شفافا) امام ذلك الكائن المحب الذي استطاع ان ينفذ الى اعماق وجوده !

والحق اننا لو امعنا النظر الى القيمة الاخلاقية للحب لاستطعنا ان نتبين كيف ان هذه القيمة رهن بالنشاط الابداعي للحب نفسه بوصفه (فعلا اخلاقيا) من الدرجة الاولى.

واذا كان ثمة (تحقق) يبلغ عنده (الحب) غاية كماله فما ذلك سوى اكتمال الكيان الاخلاقي للكائن المحبوب نفسه – – – وليست مهمة الكائن المحب سوى العمل على استنهاض هذا الكيان الاخلاقي من اجل رفعه الى مستوى الفضائل – – – ولعل هذا هو السبب في ان كل حب حقيقي لا يمكن ان يخلو من عملية اكتمال تتم عبر هذا التفاعل البيولوجي الحي الذي يتم بين الارادتين المتحابتين.

· مقتبس من كتاب فلسفة مشكلة الحياة لزكريا ابراهيم – جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here