أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (١٣)

                       نـــــــــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

   {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}.

   إِنَّ كَثرة الكذِب تُسقط عن الكذَّاب فُرص تصديقهِ في المُجتمعِ حتَّى إِذا صدقَ مرَّة، لأَنَّهُ سيُعرف بالكذَّاب!.

   وعكسهُ الصَّادق {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}.

   وإِنَّ بناءَ مُجتمعٍ [صادقٍ] يثِقُ بعضهُ بالبعضِ الآخر مسؤُوليَّةً تشارُكيَّةً يتحمَّلها الجميع، يَلزم أَن يتعاونَ عليها الكُل بِدءاً من الذَّات وانتهاءً بآخِر فردٍ في المُجتمع.

   ولا يكفي أَن ننشغلَ بمُكافحةِ الرُّواة الكذَّابُون في التَّاريخ، بل يلزم أَن يتصدَّى أَهلُ العلمِ والمعرفةِ وأَصحابُ الأَقلامِ الحُرَّة الشَّريفة والأَلسُن الطَّاهرة والحناجر الزكيَّةوالخِطابِ الصَّادق لفضحِ وتعرِيةِ الكذَّابين قبلَ أَن يستفحِلَ خطرهُم على المُجتمعِ وقِيَمهِ وشعائِرهِ وثوابتِهِ من خلالِ الحركاتِ المُنحرفةِ الهدَّامة وجماعاتِ العُنفِ والإِرهابِ،والتي نجحت لدرجةٍ كبيرةِ في استدراجِ الشَّبابِ اليافع وغسلِ أَدمغتهِم للإِنخراطِ فيها.

   إِنَّ الإِسترسال مع الكذَّابين في المُجتمع، خاصَّةً أَصحاب الأَزياء المُقدَّسة، يُساهم في تحويلِ أَكاذيبهِم إِلى تيَّارٍ وكأَنَّ الكذِب هو الأَصِل والصِّدقُ حالةٌ شاذَّةً.

   وهنالِكَ عامِلان يُحدِّدان البِداية؛ هُما التَّربية والبيئَة.

   إِنَّ عامِل التَّربية، سواءً في الأُسرة أَو في المدرسة، يلعبُ دَوراً مِِفصليّاً في زرعِ قيمةِ الصِّدق عندَ الإِنسان منذُ نُعومةِ أَظفارِهِ.

   ولذلكَ ينبغي أَن لا يسمعَ الأَطفالُ كذِباً في البيتِ حتَّى إِذا كانَ مِزاحاً، فعن أَميرِ المُؤمنينَ (ع) {لا يجِدُ عَبدٌ طَعمَ الإِيمانِ حتَّى يَترُكَ الكَذِب هَزلَهُ وجِدَّهُ} لأَنَّهُ يعلَق فيأَذهانهِم فإِذا كبرُوا ظنُّوا أَنَّهُ أَمرٌ حسَنٌ وإِلَّا لَما سمِعوهُ في البيتِ مِن آبائهِم.

   كذلكَ ينبغي أَن لا يكذِب الأَب على إِبنهِ بذريعةِ التملُّص من طَلباتهِ مثلاً، لأَنَّ الطِّفل إِذا انتبهَ أَنَّ أَبوهُ يكذِب عليهِ فسوفَ يعلَق الأَمر كذلكَ في ذهنهِ، ليُمارِسهُ في أَقربفُرصة.

   أَمَّا البيئة التي يشبُّ فيها الطِّفل فهي الأُخرى لها دَورٌ بمثابةِ حجرِ الأَساس في تربيتهِ على الصِّدق.

   ينبغي على الأَبوَينِ أَن لا يدعا أَولادهُم يُعاشِرُونَ بيئةً مَوبوءةً بالكذَّابين، فيُحذِّرونهُم من أَصدقاءِ السُّوء، ويمنعُونهُم من ارتيادِ الأَماكن التي يكثرُ فيها الكذَّابينَ.

   إِنَّ تربية الأَولاد على الصِّدق مسؤُوليَّة الأَبوَين أَوَّلاً وقبلَ أَيِّ واحدٍ آخر.

   وإِنَّ واجب الأَب هو تمكينُ الولد من أَن يتعلَّم كيفَ يفي بتعهُّداتهِ، وذلكَ من خلالِ؛

   أ/ الحَذر من وضعهِ في زاويةٍ حرِجةٍ يضطرَّ فيها الوَلد إِلى أَن يكذِب على أَبيهِ ليتخلَّص من الإِلتزام.

   ب/ عدم تحميلهِ فَوقَ طاقتهِ من خلالِ الأَخذِ بنظَر الإِعتبار سنِّهِ ورُشدهِ وقُدرتهِ الإِستيعابيَّة عند تحميلهِ مسؤُوليةً من نوعٍ ما أَو الحديثِ معهُ.

   وإِنَّ أَخطر أَنواع الكذِب في الأُسرةِ والذي يستهينُ بهِ الأَبوَينِ أَو قد لا ينتبِها لهُ هو خُلف الوعد، وعدُ الولد والبنت بشيءٍ ثُمَّ لا يفِيا بهِ.

   يقولُ رسولُ الله (ص) {إِنَّ الكذِب لا يصلُحُ مِنهُ جِدٌّ ولا هَزْلٌ، ولا أَن يعِدَ الرَّجُل إِبنهُ ثُمَّ لا يُنجِزَ لهُ، إِنَّ الصِّدق يَهدي إِلى البِرِّ، وإِنَّ البِرَّ يهدِي إِلى الجنَّةِ، وإِنَّ الكذِبيهدِي إِلى الفُجُورِ، وإِنَّ الفُجُورَ يهدِي إِلى النَّارِ}.

   ولقد كانَ الإِمامُ السجَّاد عليُّ بن الحُسين زين العابدينَ (ع) يقولُ لوُلدهِ {إِتَّقُوا الكذِب الصَّغير مِنهُ والكَبير، في كُلِّ جِدٍّ وهَزلٍْ، فإِنَّ الرَّجُلَ إِذا كذِبَ في الصَّغيرِ اجترَأَعلى الكَبيرِ}.

   وعَن رسولِ الله (ص) {وَيلٌ للَّذي يُحدِّث فيَكذِب ليَضحكَ بهِ القَوم، وَيلٌ لهُ وَيلٌ لهُ} وهي الظَّاهِرة التي تَعيشها الكَثير مِنَ الأُسرِ.

   ينبغي على الوالدَينِ أَن يحترِمُوا وُعودهُم لأَبنائهِم فلا يعِدُوهُم بشيءٍ يعرفُونَ سلفاً بأَنَّهُما لا يقدِرانِ على إِنجازهِ، فالأَولاد يبنُونَ آمالاً وأَحلاماً على كُلِّ وعدٍ يقطعهُ أَحدالأَبوَينِ لهُما، فإِذا نكثا فستنهار أَحلامهُم وستتحطَّم نفسيَّاتهُم في هذهِ الحالةِ، وبالتَّالي ستترُك أَثرها الكبير السِّلبي على بناءِ شخصيَّتهِم.

   كذلكَ فإِذا وعدُ الأَبِ وعدمِ وفائهِ سيزرَع في نفسِ الولدِ عُقدة اللَّاثِقة والخَوف والقلَق تجاهَ أَيِّ وعدٍ آخر.

   وهكذا تنمُو هذهِ العُقدة فتُساهم في تدميرِ شخصيَّة النَّشء الجديد.

   لقد كتبَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في عهدهِ للأَشتر {لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ‏ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَقَدْ لَزِمَذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَلَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ}.

   أُنظر كم هوَ مُهِمٌّ جدّاً الوَفاء بالعَهدِ، فهوَ حجَر الزَّاوية في اجتماعِ النَّاس، فما بالكَ بدورهِ في وِحدة الأُسرة وحِمايتِها من التمزُّق؟!.

   ١٣ نيسان ٢٠٢٢

                                    لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar5

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here