«الفرقة الناجية».. شَيطنة فتكفير فقتل!

«الفرقة الناجية».. شَيطنة فتكفير فقتل!

رشيد الخيّون

ما نشير إليه، في المقال، ليس عرضاً للتاريخ، إنما حاضرٌ معاشٌ، وثقافة قابلة للانفجار عندما تسنح الظّروف، تبث مِن على المنابر، ومِن مواقع التواصل والفضائيات، على مدار السَّاعة، فما أنْ وجدت فرصتها، في ضعف الدولة أوغيابها، تتحول إلى موجات عنف اجتماعي، مِن هنا كم تبدو مراجعة هذه الأحاديث مهمةً جليلةً.
يتداول، منذ القرن الرابع الهجري، مصطلح «الفِرقة النَّاجيَّة»، والبداية كانت بالجدل والمناظرة عن العقائد. حوت كتب «الملل والنِّحل» كافة، هذا المصطلح الإقصائي، ومعنى الناجية أنها على الحق وسواها على الباطل.
لا يبدو فقهاء المسلمين أبدعوا المصطلح، مع اختلاف اللفظ، فقد سبق ظهور الإسلام بمسمى آخر، وهو «أهل الله» أو «الحُمس» بمكة(الأزرقي، أخبار مكة)، آنذاك شكلوا ما سميَّ إسلامياً بـ«الفرقة النَّاجيَّة». كلُّ مذهب يدعي أنه حائز الحقيقة، ولا يعطي لغيره شيئاً مِن ذلك، وبالتالي هو صاحب الدين القويم، في أحكامه الكبرى والصغرى.
فمِن نافلة القول لا ديناً، ولا مذهباً، ولا فكراً يبقى واحداً، لا تفرعه الآراء والاجتهادات، التي تستقل، على مرِّ الزَّمن، في مذاهب خاصة، مع وجود الإطار العام بينها. حصل ذلك بعد خضوع النصوص إلى اختلاف التفسير والتأويل والاجتهاد، فمِن المؤكد أنَّ الأحكام تختلف باختلاف الآراء، لكنَّ ما لا تُحمد عقباه هو إعلان المذهب لها الجنة دون غيرها، والمعنى أنَّ لغيرها «النَّار».
بعبارة بسيطة ومباشرة أنَّ النَّاجي هو المؤمن وغيرها كافراً، ووفق هذه الثقافة يندفع الناس في موجات العنف، وما حصل في العقود الأخيرة بمنطقتنا يكفي شاهداً. أخذت المذاهب، منذ نشأتها، تتبارى لتقديم نفسها النَّاجيَّة، وليس هناك فرقةٌ، في التَّاريخ والحاضر، لا تعتقد هذا الاعتقاد. فعند أهل السُّنة: «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»(الكتب الِّستة، جامع التَّرمذي). وعند الشّيعة الإماميَّة:«ومن الثَّلاث وسبعين فرقة، ثلاث عشرة فرقة تنتحل ولايتنا ومودتنا، اثنتان عشرة فرقة منها في النَّار وفرقة في الجنَّة، وستون فرقةً مِن سائر النَّاس في النَّار»(الكليني، الفروع مِن الكافي).
يُقصد بالثَّلاث عشرة، الشِّيعة، والنَّاجية الإمامية منها فقط. بأسلوب أخف ورد عند المعتزلة: «ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أبرها وأتقاها الفئة المعتزلة»(ابن المرتضى، المُنية والأمل). بينما نجد ابن قيم الجوزية(ت: 751 ه)، ينفي صحة ما يسميه بـ«أَحَادِيث التوَارِيخِ الْمُسْتَقْبَلَةِ»(المنار المُنيف في الصَّحيح والضَّعيف). أقول: أليس «ستفترق أمتي» مِن المستقبل؟! إذا كان هذا المفهوم هو السائد في التربيَّة الدِّينيّة، فكيف يستقر النَّاس، ويردع التَّعصب، الذي يُبطن التَّكفير، حيث ينشر هذه الثَّقافة أمراء الحروب. إنها ثقافة شائعة، غير النَّاجي يُفرد «إفراد البعير المعبد»(المصاب بالجرب) خلال موجات العنف.
ليس في القول مبالغة، كل فرقةٍ ترى شيطنة بقية الفرق، ومَن يقرأ رسائل الفقهاء وكتبهم، في الإيمان، وما يسمعه عبر منصاتهم، سيجد ذلك جلياً فيها. ولعلَّ هذا النَّص المتخيل، مِن قِبل الوسط الديني، وما في داخله مِن نزاعات بين الأقطاب أنفسهم: «روي أنَّ رجلاً رأى صورةَ (آخر) مصوّرةً على حائطٍ، وكانت تلكَ الصورةُ قبيحةً جداً، ثم رآه في المنامِ على صورةٍ حسنةٍ، فقال: إني رأيتُ صوّرتَكَ على الجدارِ قبيحةً، فقالَ: إنَّ قلمَ التَّصويرِ كان بيدِ عَدوي، يصوّرني كيفَ يشاءُ»(الجزائري، زهر الرَّبيع).
* كاتب عراقي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here