موت دخيل …..

موت دخيل

 سعد تركي
“ربّ يسِّر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي”، كرّر عشرات المرات دعاء لقّنه إيّاه قريبه، قبل أن يدخل قاعة المحكمة، وما أن نادى الشرطيّ السمين باسم دخيل عبد الواحد ردَّ بسرعة “عقدة”، قبل أن يستدرك ويقول: نعم.
برغم علم الجميع أنَّ “دخيل” لا يمكن أن يؤذي نملة، وليس به سابق معرفة بالقتيل، ولا يمتلك سلاحاً، إلّا أنَّ الشرطة وعشيرة القتيل أصروا على اتهامه. قال لهم: إنّه في الرابعة والستين من عمره، والجلطة الأخيرة أصابته بشلل نصفي فتسقط الأشياء من يديه.. حجج لم تُقنع أحداً.. “احچيها عالدبة”، سخر منه ضابط التحقيق.
لثلاثة أشهر سبقت موعد المحاكمة، أهين وشبع سباباً وضرباً وتمرمط بين موقف ومعتقل وسجن، لكنّ ثقته بالقانون لم تهتز. تجاهل نصائح أولاده الأربعة وأبناء عشيرته بطلب “عطوة” وإنقاذ نفسه بدفع الديّة لأولياء الدم. صمّ أذنيه، لأنه متأكد من براءته، ولأنَّ عناده الذي يشبه عناد بغل لم يسمح له.
بصوت مرتعش وحلق جاف شرح للقاضي الوقور ملابسات “الجريمة” كما وصفها المدعي العام. لم يستطع أن يشيح لحظة عن وجه القاضي ذي البدلة السوداء والشعر الفضي، فقد أرعبه تجهمه وقسماته القاسية. وبرغم أنَّ القاضي لم يقاطعه إلّا أنَّ ثقته بدأت تهتزّ وخشي أنّه ارتكب خطأ فادحاً حين أصرّ على موقفه باللجوء إلى الإجراءات القانونية.
كان دليل ارتكابه الجريمة، كاميرا مراقبة أحد المساكن التقطته هارباً من جثة كاد تعثره بها أن يوقعه.. التقارير الطبية التي نشرها أمام القاضي أكدت أنه لا يقوى على حمل سكين بالحجم الذي أحدثتها الطعنات المتعددة في جسم القتيل، كما أنَّ شيخوخته وضعف جسمه لا يؤهلانه لصراع مع شاب قويّ بحجم المقتول.
بعد يومين من الإفراج عنه بريئاً، أخذه ابنه الأوسط إلى عيادة الطبيب فقد عاودته جلطة أخرى، وما أن ترجّلا من التكسي حتى داهمتهما دراجة نارية ترجل منها ملثم أفرغ شاجور رشاشته في صدريهما و”فرّ إلى جهة مجهولة”، بينما “وصلت قوة أمنية إلى مكان الحادث، وفتحت تحقيقاً في ملابساته”.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here