الصراعات الطائفية وأزمة الانتخابات الرئاسية؟

الصراعات الطائفية وأزمة الانتخابات الرئاسية؟
عصام الياسري
منذ ان انتهت الانتخابات في أكتوبر 2021 وما افرزت من نتائج وحصص نيابية للاطراف المشاركة فيها، مرورا بانتخاب رئيس البرلمان ومن ثم تعثر انتخاب رئيس الجمهورية للمرة الثالثة، وسط دعوات مسبقة لمقاطعتها في كل مرة، فيما لقاء الصدر والمالكي الشهير لم يسفر عن نتائج ايجابية، وهو ما كان متوقعا. اذ قابله حراك القوى الحزبية لممارسة الضغوط والمساومات السياسية والطائفية. ومن المتوقع ان يدفع بإنتخاب الرئيس إلى أجل غير مسمى.. على أية حال، البلد في أزمة ثقة سياسية وينذر بأن يصبح (الانقسام دبابيس سقسقة) موجعة، اذا ما استمرت الكتل السياسية، “الاطار التنسيقي” متخندقا خلف اسوار المقاطعة، والائتلاف الثلاثي بمواقفه المتأرجحة، والمستقلون ما بين بين.. السؤال: متى تنتهي الاعيب أحزاب السلطة الطائفية؟ ومتى يخرج الشعب عن صمته ويتمرد عليها؟.
في جلسة البرلمان العراقي ليوم الاربعاء 30 آذار 2022.) فشل النواب العراقيون للمرة الثالثة في انتخاب رئيس دولة كردي)، ذلك جعل الأزمة السياسية والصراع الجاري منذ انتخابات 2021 اكثر تعقيدا. حيث لم يصل اكتمال النصاب المطلوب لعقد جلسة انتخاب جلالة رئيس البلاد العتيد “ثلثي” الهيئة التشريعية. بسبب مقاطعة العديد من المشرعين المتحالفين مع الأحزاب المدعومة من إيران، فيما راوح المستقلون والكتل الصغيرة في مكانهم لعدم تحقيق شروطهم الـ 19 وعدم قناعتهم بما يجري واعتباره عملا غير مقبول رافضين جميع الضغوطات.
السياسيون العراقيون، كما يبدو حتى الآن، مصرون على عدم الاتفاق على مرشح “حل وسط” لرئاسة الجمهورية، مما سيؤدى إلى تفاقم الانغلاق السياسي، وبالتالي يمنع تعيين رئيسا للوزراء. فيما يتحدث المشرعون عن إن المجموعات البرلمانية لديها الآن خياران: مواصلة المفاوضات حتى يتم التوصل إلى توافق، أو حل البرلمان ومطالبة الحكومة الاستمرار بتصريف الاعمال. ويبدو ان العملية السياسية منذ اول جلسة انتخابات رئاسية في البرلمان في أوائل فبراير2022 اصبحت “في ورطة”. فبينما شارك آنذاك 58 نائباً فقط ، قاطع الصدر الجلسة بعد أن علقت المحكمة العراقية العليا تسمية المرشح هوشيار زيباري من (الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK بناءً على شكاوى رفعها نواب ضده.. لكن، طالما لا يوجد رئيس جديد، فإن أزمة الثقة السياسية في العراق تنذر بالتفاقم. اذ من مهام رئيس الدولة تعيين رئيس حكومة من الكتلة “الشيعية” الأكبر في غضون 15 يوما من انتخابه.. المنصب وفقا لنظام المحاصصة “الطائفي ـ التوافقي” وما يسمى “بالعملية السياسة” التي اسس لهما “الحاكم بريمر” ابان الغزو الامريكي للعراق عام 2003، يذهب إلى مسلم شيعي، فيما يشغل منصب الرئاسة العراقية كردي ومنصب رئاسة البرلمان مسلم سني. وتجدر الاشارة الى ان منصب رئيس الجمهورية ليس بيد الأكراد دستوريا، لكنه وفقا لـ “التوافق” اصبح “عرفا” منذ زمن بريمر عام 2005.
وبغض النظر عن اختلاف الرؤى وعما ستؤول اليه التوافقات، من حيث صياغة مفهوم الدولة وسياساتها اللاحقة. فان فشل الوصول إلى النصاب القانوني بسبب الخلاف المستمر بين “الاتلاف الثلاثي” الذي يقوده مقتدى الصدر، وفي الجانب الآخر، نوري المالكي الذي يقود تحالف الأحزاب الشيعية “الاطار التنسيقي”. قد فاق كل التوقعات كما وكشف عن نوايا كل من الرجلين وكتلتيهما. فرجل الدين القوي مصر على تشكيل حكومة مع حلفاء أكراد وسنة مع استبعاد الأحزاب المدعومة من إيران، والتمسك بالمرشح المفضل لحليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني، ريبار خالد، وزير الداخلية في اقليم كردستان العراق شبه المستقل. فيما يصر زعيم دولة القانون وحلفائه في “الإطار التنسيقي” على تشكيل حكومة توافقية ـ سياسية، بالتوازي مع مشاركة المشرعين المنتمين إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، الذين يصرون على تمرير مرشحهم الرئيس الحالي برهم صالح من )الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK.
لقد ادت فوضى الانتخابات الرئاسية وتأخير تشكيل الحكومة الى زعزعة الوضع الامني والمجتمعي. اذ كان يفترض أن يتم انتخاب الرئيس بعد شهر من الجلسة التأسيسية للبرلمان العراقي، وهذا ما لم يحدث. وبالتأكيد ان الانقسام السياسي للحزبين الكرديين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، قد ادخل البلاد في أزمة دستورية خطيرة. حيث انضم الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد إلى المنتصِرَين: التيار الصدري والكتلة السنية ذات الأغلبية في البرلمان. فيما دعم الاتحاد الوطني الكردستاني الطيف السياسي الشيعي الآخر، “الاطار التنسيقي” الذي يضم “فتح” الذراع السياسي للمنظمات الشيعية المدعومة من إيران ورئيس الوزراء السابق المثير للجدل نوري المالكي.. الثابت الذي عقد الوضع على المستوى السياسي والانتخابي: (عدم وجود إجماع بين الحزبين الكرديين ـ الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني)، وهذا يعني أن إلاجماع على حصر خلافاتهما في أربيل والتكاتف بشأن القضايا الأساسية في بغداد سوف يختفي أخيرا.
لكن وعلى ما يبدو من سير الاحداث الاخيرة، ان الامور بدأت تنزلق نحو الاسوأ. فبعد أن كان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر متفائلا؛ لإيجاد توافقات تفضي إلى التصويت على رئيس جديد للعراق ولاحقا على رئيس حكومة، قد غيّر تكتيكه؛ ونقل الضغط إلى خصومه جماعة الثلث المعطل في “التنسيقي”، وطلب منهم تشكيل الحكومة، على أن تلعب كتلته دور الثلث المعطل. بذلك هو تحدى خصومه، لكن الاوساط السياسية تعتبره هروبا من الضغوط وعدم القدرة على تحمل المسؤولية، بل قدم لنوري المالكي فرصة ذهبية لم يكن يحلم بها ليقود بنفسه التفاوض لتشكيل الحكومة وكأنه الفائز بالانتخابات، لكن على ما يبدو ان محاولات المالكي تواجه تعقيدات لن تبشر بخير..المثير للاستغراب، ان الصدر، الذي تشكل كتلته الأكبر في البرلمان العراقي، طالما تحدث عن تشكيل “حكومة اغلبية وطنية” نزيهة، تسعى لاصلاح النظام السياسي برمته ومحاربة الفساد وملاحقة الفاسدين، ما يلبث ان يتراجع.. وعلى ما يبدو أيضا، ان السيد لم يتقن لعبة السياسة وطالما يتعامل مع خصومه بحسن النية والاخذ برأي من حوله من الجهلة والانتهازيين. ولم يدرك اين يكمن اساس “العقدة” وعجز تحالفه لتحقيق النصاب الذي يمكنه من تمرير المرشح للرئاسة، وهو اصرار حليفه “برزاني” على مرشح غير مقبول.. لكن السؤال المهم: ما هو موقف كل من الصدر او المالكي، فيما اذا نجح احدهما في تشكيل الحكومة في ظل ازدواجية المعايير والمواقف، من بعض قيادات الحلفاء “الكرد والسنة والشيعة” الذين تحوم حولهم العديد من الاتهامات بالفساد المالي والاداري والقانوني، ولديهم العديد من الشروط الجدلية التي تخص تحالفاتهم لاحقا؟.
انها مضاربات السياسة بين مفافيات “عصبوية”، حصرت السلطة بيدها وغير مستعدة للتنازل عنها باي ثمن. الخاسر بينهم كل ابناء المجتمع العراقي، العرب والكرد والتركمان والايزيدية والصابئة والشبك وغيرهم، باختلاف اجناسهم واطيافهم العرقية والدينية.. وعلى ما يبدو ان الدستور، الذي تم إفساده تحت الوصاية الأمريكية عام 2005، لا يوفر مخارج للازمات. اذ كان قبل كل شيء، للخطوة التالية في خريطة الطريق السياسية بعد الانتخابات البرلمانية، التي جرت في 10 أكتوبر 2021، تعيين رئيس للدولة وتشكيل حكومة. ومن غير الواضح تماما في الوقت الحالي كيفية الخروج من المازق، لا بل من المستحيل ومن غير الواضح ما إذا كان هذا ممكنا من الناحية القانونية على الإطلاق.
لكن كما يبدو هناك بالفعل حديث بين بعض الاطراف السياسية لحل البرلمان والدعوة لاجراء انتخابات جديدة في العام القادم ـ وابقاء حكومة تصريف الاعمال على حالها – لكن ذلك لن يكون منطقيا إلا إذا تم إغلاق الثغرات في الدستور مسبقا. وإذا ما استمر الفراغ، فإن العراق معرض لخطر الانزلاق مرة أخرى إلى العنف. حيث ان الكتل الشيعية في “الاطار التنسيقي لا تميل إلى مثل هذه الحلول لانها تدرك الثمن جيدا. في الطرف الآخر، هناك حركة احتجاجية قوية ضد المؤسسة السياسية برمتها، ولا تقبل دون تغيير نظام الحكم بالكامل، اوقفها وباء كورونا فقط، من النزول بكثافة للشوارع منذ عام 2020. لكن مع ذلك، أجبرت الحكومة على الاستقالة في عام 2019. لكنها ستنهض بالتأكيد من جديد اكثر عزما وتصميما لخلع الجبة عن سراقها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here