عودة قيادات سنية الى الساحة السياسية .. صدفة ام تكتيك من “الإطار”؟

دخل الصراع السياسي في العراق ، مرحلة قصوى ، مع قرب انتهاء مهلة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، التي منحها لخصومه، لتشكيل الحكومة، فيما مثلت قيادات سنية، كانت منفية في الخارج أو معتقلة في السجون، أوراق ضغط بيد قوى “الإطار التنسيقي”، ضد تحالف “إنقاذ الوطن” بزعامة الصدر.

وفي العاشر من مايو / أيار المقبل ، ستنتهي المهلة التي منحها الصدر لقوى “الإطار” لتشكيل الحكومة ، في خطوة أراد منها إحراج خصومه، بسبب عدم قدرتهم على ذلك، وفي المقابل رفضهم لمشروعه وهو حكومة أغلبية سياسية.

غير أن قوى الإطار التنسيقي، لجأت إلى عدة طرق لتضييق الخناق على الصدر، وأعضاء تحالفه (الحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة الزعيم الكوردي مسعود بارزاني، وتحالف السيادة السني برئاسة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر) ، وذلك عبر مختلف الأساليب ، مثل الضغط السياسي ، وإرسال الوفود، بهدف إقناع تلك الأطراف بإنهاء تحالفها مع الصدر، لكن يبدو أن تلك المحاولات باءت بالفشل والتحالف الثلاثي مازال متماسكاً.

مفاجأة

آخر تلك الأوراق ، كانت مفاجئة بالنسبة للساحة السياسية في العراق، حيث أعلن الزعيم القبلي علي حاتم سليمان، عودته إلى بغداد، بعد رحلة نفي قسرية، إلى إقليم كوردستان امتدت لثمان سنوات، بدفع من رئيس الوزراء آنذاك، وزعيم الإطار التنسيقي الحالي، نوري المالكي.

وعلي حاتم، هو من الزعماء القبليين البارزين في محافظة الأنبار(غرب العراق) ، وكان له دور كبير في الاحتجاجات السنية، عام 2012، ويُتهم من القوى الحليفة لإيران، بـ(الإرهاب)، غير أنه لم يمثل أمام هيئة قضائية للبت في تلك الادعاءات ، لكن خطابه خلال السنوات الماضية، اتسم بالحدة تجاه القوى الشيعية المقربة من إيران وكذلك نوري المالكي، وهاجم كثيراً سياسة طهران في البلاد.

وأعلن السليمان عن عودته المفاجئة ، في تغريدة له على حسابه في تويتر قال فيها “بعدما عانت الأنبار من مشاريع التطرف والإرهاب وتحولت إلى مرحلة الهيمنة والدكتاتورية وتكميم الأفواه والفساد، نعلنها من بغداد أن هذه الأفعال ستواجه بردة فعل لن يتوقعها أصحاب مشاريع التطبيع والتقسيم ومن سرق حقوق المكون، وعلى من يدعي الزعامة أن يفهم هذه هي الفرصة الأخيرة”. في إشارة بدت موجهة أساسا إلى الحلبوسي.

وعاد حاتم – حسب وسائل  إعلام عراقية – وفق تسوية أجراها رئيس ائتلاف دولة القانون ورئيس تحالف الاطار التنسيقي نوري المالكي، بدعم من طهران، وذلك بهدف التضييق على رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بإيجاد زعامات مساوية أو مناهضة له في محافظة الأنبار، نكاية بتحالفه مع الصدر .

قبل ذلك، أجريت تسوية أيضاً، لإعادة وزير المالية الأسبق رافع العيساوي، إلى الساحة السياسية، بعد ملاحقات استمرت سنوات، وهو أيضاً من الشخصيات القيادية، ويحظى بجمهور واسع في مدينة الفلوجة، حيث تمكن لغاية الآن من حسم أغلب الدعاوى المقامة ضده.

وخلال الساعات القليلة الماضية، برزت أنباء عن تسوية تُجرى بهدوء خلف الكواليس للإفراج عن النائب الأسبق أحمد العلواني، وهو أحد القادة السنة القابعين في السجون، منذ سنوات، بسبب مشاركته في الاحتجاجات الشعبية.

تأثير في القرار السني

بدوره، يرى المحلل السياسي، كتاب الميزان، أن “عودة هؤلاء السياسيين وشيوخ العشائر، سيكون لها تأثير، في القرار السني، على المستويين السياسي والشعبي، والمجتمعي، وهو ما يشكل خطراً سياسياً على بعض القادة الحاليين”، مشيراً إلى “أنها قد تكون مدعومة من قبل قوى أخرى مثل الإطار التنسيقي”.

يضيف الميزان في تصريحأن “قوى الإطار التنسيقي ستلعب على ورقة الأضداد، لخلق حالة من التوازن، داخل المدن السنية، إذ كان بعض القادة السياسيين، دون منافس حقيقي في تلك المدن”.

ولفت إلى “ضرورة أن تكون مشاريع الإعمار، وحل مشكلات النازحين، على رأس أولويات هؤلاء السياسيين في المدينة”.

وعلى رغم أن عودة هؤلاء السياسيين والزعماء القبليين تمثل مؤشراً إيجابياً، وخطوة أولى نحو الصلح المجتمعي، إلا أنها كذلك أثارت غضباً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاستخدام تلك الورقة في المناكفات السياسية، وإعادتهم، لأهداف سياسية، فضلاً عن تساؤلات أخرى برزت حيال طبيعة تعاطي الجهات القضائية، واستجابتها السريعة والمرنة حيال ذلك.

المالكي ينفي

وبحسب تقارير إعلامية من بغداد ، فإن رئيس ائتلاف دولة القانون، وزعيم “الإطار التنسيقي” نوري المالكي، هو من استضاف الزعيم القبلي، وأجرى له تسوية، بعد أيام قضاها علي حاتم سليمان، في طهران، وفق تسريبات.
لكن مكتب المالكي نفى علاقته بعودة الزعيم القبلي، واعتبر ذلك دعاية مضادة.

وقال هشام الركابي مدير مكتب المالكي ، في بيان طالعته (باسنيوز) إن “تداول أكذوبة استقبال نوري المالكي لعلي حاتم السليمان بهذا الشكل من الإصرار على الكذب والتزوير يكشف أن هناك جهات متضررة من وجود السليمان في بغداد وقلقة من عودته إلى الاأنبار”.

وأضاف، أن تلك الجهات “تعمل على توظيف ما تملك من فضائيات وجيوش الكترونية لغرض ترسيخ كذبة قمنا بنفيها بشكل قاطع، مع التأكيد على أن قرار السماح للمطلوبين بالمجيء إلى بغداد ليس بيد المالكي لأنه لا يمتلك، اليوم، أي منصب تنفيذي يتيح له التدخل في مثل هذه القضايا”.
لكن معلقين ومدونين أطلقوا هاشتاغات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن عودة السليمان، وعلاقة المالكي بذلك، باعتبار تلك العودة تمثل ورقة رابحة، نكاية برئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي تحالف مع الصدر، ما يعني إيجاد حالة من التوازن في محافظة الأنبار، وعدم ترك الساحة للحلبوسي، بمفرده.

وعلى الرغم من الضغوط التي تحاول قوى “الإطار التنسيقي” تسليطها على “التحالف الثلاثي” عبر استقطاب شخصيات مناوئة للحلبوسي، يرى مراقبون، أن ما يجري يمثل “عملية إشغال سياسي لا أكثر، إذ أن الشخصيات السنية التي عادت إلى الأوساط السياسية لن يكون لها تأثير على المشهد السياسي خلال الفترة المقبلة.

صدفة أم تكتيك؟

وعمل الحلبوسي والخنجر خلال السنوات الماضية على ملء الفراغ الذي خلفه غياب شخصيات عشائرية وازنة ومؤثرة لأسباب تتعلق في الغالب بصدامات مع المنظومة السياسية القائمة، وقد نجح الطرفان في فرض نفسيهما رقما صعبا في المعادلة العراقية وهو ما أظهرته نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر الماضي.

وتشير الأوساط إلى أن عودة بعض الرموز في المحافظات السنية بالتأكيد سيثير لدى الثنائي قلقا كبيرا، وقد يعيد خلط الأوراق بالنسبة إليهما وأيضا لحليفهما الحالي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.

ويرى مراقبون أن عودة السليمان الذي يحظى بثقل عشائري، وأيضا العيساوي الذي يمثل أحد أبرز الوجوه السنية، لا يبدو أنها مصادفة، وقد يكون الإطار التنسيقي الذي يقوده ائتلاف دولة القانون من يقف خلف هندسة هذه العودة،

في المقابل أبدت شخصيات سنية ونواب ترحيبهم المتحفظ بعودة السليمان، وأعرب عضو مجلس النواب عن كتلة “عزم” مشعان الجبوري عن قناعته بأن الأخير “كان مطاردا أو مطلوبا في قضايا كيدية اخترعتها الدولة العميقة صاحبة النفوذ في بعض أجهزة الدولة”.

وأضاف الجبوري عبر حسابه على تويتر “أما عودته وانتهاء القضايا ضده فهي من خصوم تحالف السيادة ويهدفون إلى إثارة المشكلات في الأنبار ولكني أعتقد أنهم لن ينجحوا لحكمة الفرقاء وتعقلهم”.

من جهته اعتبر الكاتب والأكاديمي علاء مصطفى، في تغريدة في حسابه على تويتر أن “عودة علي حاتم السليمان إلى المشهد الاجتماعي في الأنبار ستخلق عامل منافسة يطوّق رمزية الحلبوسي وأداة قوة تعيق استحواذه على المكون وزعامته”، مشيرا إلى أن عودة السليمان تؤدي إلى “توفير دعم للأصوات المعارضة لحزب تقدم في الأنبار بمكانته الاجتماعية التي لا يمكن تحجيمها في محافظة ذات هوية عشائرية”، متسائلا “هل عودته صدفة أم تكتيك شاطر؟”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here