كلمات أمي … للشاعر الهنغاري شاندور تشووري

كلمات أمي …
للشاعر الهنغاري شاندور تشووري

ترجمة مهدي قاسم
شكرا لك أبني لمجيئك إلى البيت أخيرا ،
وها أصبحنا طاعنين في السن عتيا ،
تماما مثل ساعة الحائط في العلية وهي تتكتك منهكة
حيث تُشير عقاربها بإلحاح نحو المقبرة !.
دون أن نعلم هل هذا اليوم هو خميس أم ثلاثاء ؟
و عندما تأتي يكون هذا يوم أحدنا الجميل
والدك بالكاد يجري إلى هنا و هناك بأنفاس متقطعة ،
بالنسبة لي مجرد بلوغ الباب الصغير
تعد مسافة طويلة ومرهقة ! ،
كم من مرة رفعتُ شجرة الكمثرى
التي عوّجتها قنبلة طائشة خلف باب المطبخ ؟
حيث أستطيع أن أتكأ عليها مثلما الآن على ذراعيك .
ربما عليّ الاستعانة بعكاز .
شيت ! كأنما فقط هذا ما ينقصني !.
الأفضل أن أمسك بعصا المكنسة
لأمضي معها حتى البوابة متظاهرة بإنجاز شغلي ,
فقط لا ينبغي الانتظار أبدا ،
انتظار رسالة أو إذاعة أخبار حوادث وكوارث
خبر انزلاق عجلة قطار عن سكتها مثلا ،
فلا استطاع النوم حتى الصباح من شدة خوفي و قلقي عليك ،
مثلما الحال عندما ذهبتَ أنت إلى أمريكا ،
فقد جُرِحت عيني من داخلها محمّرة بكاء :
ــ هل وصلتَ ؟ ..، هل سوف ترجع ؟ ،
وهل ستجلس إلى جنبي مرة أخرى ؟..
بالنسبة لي كل البعد سواء بسواء ،
سواء فوق بحر كان أم فوق شجيرة شوكة ،
يعني احتمال سقوط لكل طائرة ، حيث تسافر بعيدا ،
حتى سألتُ السيد الطبيب :
ــ كيف أصبحتُ أخشى حتى من طيران عصفور مباغت ؟
بينما أنا ، جيئة وذهابا مع أحلامي المزدحمة
بركام جبال من ثلوج و جليد .
كأنما أرى ابني خلف كل واحدة منها
حيث يعطس و يسعل بشدة !.
و أن بنادقا سوداء ونواظير تتعقب خطواتي.
و ربما أنا أيضا إذا اجوب العالم هكذا حيث أنت يا ابني ،
فلن أخشى بعدها من بيوت مرتفعة و متأرجحة في مرتفعات شاهقة ،
ولا من بحيرات مكتظة بتماسيح كاسرة ،
ولا من ابتسامات رجال مسلحين بسكاكين وهم يسلبون بنوكا .
أو الذين يقامرون ، ومِمَن على وجوههم اقنعة شياطين عتيقة ,
وعلى رؤوس بعضهم الآخر قبعة مهرج كبيرة .
ولكن الذي إذا كان فقيرا
فإنه سيخاف أيضا لو ضحك أو فرح قليلا
فأنا قلبي يا أبني محاط أيضا
بسبعة أطواق حديدية من كل جهة وناحية !.
………….
تعريف مختصر : (

ولد الشاعر الهنغاري شاندور تشووري ــ Csoóri Sándor ” في 1930 ــ و توفي في عام 2016 ــ من عائلة فلاحية ، و قد عاني مبكرا من مرض عضال ــ وفقا لسيرته الذاتية ــ و الذي أجبره على أن ينقطع عن الدراسة بعض الوقت ، و لكن على أن يصبح قريبا من الشعر و الأدب عموما ، ليعمل فيما بعد صحفيا و يخوض في أمور سياسية ، و قد تميز بميول قومية ذات مسحة وطنية قوية ـ مكرّسا قلمه في الوقت نفسه دفاعا عن حقوق الأقليات الهنغارية القومية في الدول المجاورة لهنغاريا ، بهدف تقوية و تجذير لهويتها القومية والثقافية والروحية ، لتلك الأقليات الهنغارية التي طالما عانت ولا زالت من تمييز عنصري مبطن ومتواصل ولا سيما في أوكرانيا و رومانيا ..
أما بخصوص شعره، فوفقا لبعض نقاد هنغاريين فإن الطابع المميز لشعره هو تصوير و تجسيد بارعين لذلك الوميض الروحي المشع و الخفي المنبثق من قصائده بتداعيات و انثيالات مباغتة و ذات مفاجأة صادمة و داهشة و غير المنتظرة من قبل المتلقي فضلا عن تناول تفاصيل حياة يومية عادية لتصبح فيما بعد مدهشة و غير عادية و التي قد تدفعه ــ المتلقي ــ إلى استغراق تأملي و كذلك إلى معايشة لحظوية حميمة مع أجواء القصيدة ، و بفضل شعره الإبداعي هذا ، فقد حصل على جوائز الدولة التقديرية العديدة ومن ضمنها جائزة الشاعر الهنغاري المعروف أتيلا يوجف !..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here