هل تخشى روسيا صواريخ باتريوت السويدية؟

إيهاب مقبل

في الثامن عشر من نوفمبر تشرين الثاني العام 2021، أستلمت السويد أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية باتريوت المتقدمة «باك-3» من الولايات المتحدة بقيمة 28 مليار كرون سويدي/ 3.2 مليار دولار أمريكي، وذلك بحضور عدد من ضباط الجيش الأمريكي في فوج الدفاع الجوي بمدينة هالمستاد جنوب غرب السويد.

وفي اليوم التالي، أي في التاسع عشر من نوفمبر تشرين الثاني العام الماضي، دخلت أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية الخدمة رسميًا، وأصبحت السويد بحسب الموقع الرسمي للقوات المسلحة السويدية تمتلك الآن «ثلاث قاذفات لنوعين من الروبوتات المضادة للطائرات، وموقع قيادة، ورادار مشترك للاستطلاع والسيطرة على النيران، ومحطة طاقة، ووحدة إصلاح، وعربات قطر مرتبطة بها».

وقال وزير الدفاع السويدي «بيتر هولتكفيست» خلال حفل إستلام بلاده أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية: «بدلا من الدفاع عن منطقة صغيرة، نتجه الآن إلى الدفاع الجوي لمناطق أكبر في المستقبل.. سيكون لدى القوات المسلحة السويدية القدرة على مواجهة الصواريخ بعيدة المدى والهجمات الجوية وسنكون قادرين أيضًا على محاربة الصواريخ الباليستية، إن هذا تحديث وترقية قويان للدفاع الجوي السويدي وقدرة الدفاع السويدية ككل».

لقدْ دفعَ الهجوم الروسي على أوكرانيا الدول الأوروبية للتفكير في سلامتها الخاصة بدلاً من التفكير في هياكل أمنية كُبرى لعموم أنحاء أوروبا. وبالنسبة للسويد وفنلندا، فإنه حتى لو أنهت روسيا هجومها على أوكرانيا، فإن فكرة الإنظمام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة أصبحت وشيكة جدًا، وذلك لأنهما يعتقدان بإن الحلف سيجعلهما أكثر أمنًا من جارتهم الشرقية روسيا. وفي الوقت نفسه، ستعزز العضوية السويدية والفنلندية التحالف عسكريًا وجغرافيًا.

يقول «إيان بوند»، مدير السياسة الخارجية في مركز الإصلاح الأوروبي، لمركز كارنيغي أوروبا: «بالنسبة لحلف الناتو، فإن ضمان الوصول إلى الأراضي الفنلندية والسويدية في حالة حدوث أزمة من شأنه أن يقلل المخاوف بشأن دعم دول البلطيق، ويقلل كذلك من فرص نجاح هجوم روسي. سيكون الطرف الوحيد الذي يخسر من ذلك هو بوتين: سيضعف موقف روسيا في شمال شرق أوروبا بشكل كبير. وهذا بحد ذاته أمر جيد للأمن الأوروبي».

وهو ذات ما ذهبت إليه «إستر ساباتينو»، محللة الأبحاث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية: «تساهم السويد وفنلندا بالفعل في الأمن الأوروبي من خلال الأطر التعاونية الإقليمية مثل التعاون الدفاعي لدول الشمال وقوة الاستكشاف المشتركة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي والشركاء عبر المحيط الأطلسي والشراكة مع الناتو. وبفضل هذا الأخير، سيتطلب التكامل العملياتي للجيشين السويدي والفنلندي في هياكل الناتو القليل من العمل لحل الخلافات التشغيلية المتبقية مع الحلفاء المحتملين، مما يعني أن المساهمة الفعالة لكلا البلدين في عمليات الناتو ستكون ممكنة قريبًا بعد الانضمام».

عند الحديث عن «الأمن الأوروبي»، فإنه يشمل ذلك دول الشمال الأوروبي الخمسة: «السويد وفنلندا والنرويج والدنمارك وآيسلندا». على سبيل المثال، ستتألف القوة الجوية الجماعية لدول الشمال الأوروبي من 150 طائرة مقاتلة من طراز إف-35، و72 طائرة من طراز ساب جاس-39 غربين. وإذا أضيفَ عليهم طائرات بريطانيا والمانيا وهولندا، فسيكون لدى شمال أوروبا نحو 300 طائرة من طراز إف-35 بجانب طائرات ساب جاس غرين السويدية. والنتيجة ستكون إنشاء نظام ردع قوي في الجناح الشمالي لحلف الناتو، والذي بدوره سيزيد من قدرة الناتو على حماية الرابط البحري في شمال المحيط الأطلسي، وبالتالي تضمن الولايات المتحدة إيصال التعزيزات إلى أوروبا في حالة حدوث أزمة كبيرة مع روسيا. هذا هو السبب الرئيسي لرغبة الولايات المتحدة بإنظمام السويد وفنلندا لحلف الناتو بدلًا من حيادهما.

تقول «كيت هانسن بوندت»، السكرتيرة العامة للجنة الأطلسية النرويجية، لمركز كارنيغي أوروبا: « تتميز منطقة الشمال حاليًا بفجوة إستراتيجية. ومع وجود السويد وفنلندا في الناتو، فإن ذلك سيوحد جميع دول الشمال الخمس في مجتمع دفاعي قادر على توفير ضمانات دفاعية متبادلة. وزيادةً على ذلك، سنحصل على عمق استراتيجي من شأنه أن يُحسن الأمن، والقدرة على الدفاع الجماعي، ليس أقلها في دول البلطيق الصغيرة. ستكون العضوية السويدية والفنلندية في الناتو عامل تغيير جيوسياسي للعبة. سيتعزز ردع الناتو ودفاعه عند إضافة دول عسكرية ديمقراطية وغنية وقوية نسبيًا في منطقة حيوية استراتيجيًا إلى الحلف. وفي الواقع، دُمجت كل من السويد وفنلندا بعمق في الناتو. وهم بالفعل شبه أعضاء، ولن يحتاجوا إلا إلى بعض التعديلات الطفيفة لتعميق التعاون الدفاعي الإقليمي الشامل».

ومن جانبها، تقول «جاستينا غوتوسكا»، منسقة برنامج الأمن الإقليمي في مركز الدراسات الشرقية، في العاصمة البولندية وارسو: «تُعتبر عضوية السويد وفنلندا في الناتو ذات قيمة إستراتيجية لأسباب عسكرية وسياسية. من الناحية العسكرية، سيؤدي انضمام كِلا البلدين إلى رفع مستوى الأمن في منطقة بحر البلطيق، وفي أقصى الشمال. كما أنه سيمنع روسيا من الاستفادة من حالة الحياد من خلال محاولة استخدام أجزاء من أراضي السويد وفنلندا لإجراء عمليات عسكرية ضد حلفاء الناتو. ومن الناحية السياسية، ستعزز العضوية السويدية والفنلندية تجمع دول الجناح الشرقي “إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وبلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا” في الناتو لسنوات قادمة، حتى عندما تتلاشى آثار الغزو الروسي الحالي على أوكرانيا».

وهذا يعني إختصارًا إن من إيجابيات انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو هو تعزيز إمكانيات الناتو العسكرية في هيكل الدفاع الإقليمي، وتعزيز الجناح الشمالي والجناح الشرقي الضعيف نسبيًا لحلف الناتو حتى الآن، وتعزيز الأمن الأوروبي بصورة عامة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل لدى السويد وفنلندا فعليًا ثُقل عسكري داخل الإتحاد الأوروبي؟

يقول وليفر دي فرانسيسنيور، الباحث في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية، لمركز كارنيغي أوروبا: «على الرغم من تقاليدهما الوطنية الطويلة في الحياد، فإن السويد وفنلندا عضوان في الاتحاد الأوروبي، ولا يُعد وزنهما العسكري والصناعي والمالي إلا ضئيلاً. وبالنسبة لحلف الناتو، فإن النفوذ الإضافي لن يضيع بالتأكيد في المنعطف الحالي».

لدى السويد بالطبع إمكانيات في الأمن البحري، مثل «غواصات بليكينج»، والتي بمقدورها إطلاق الطائرات بدون طيار من أنابيب الطوربيدات من تحت أعماق البحار والمحيطات. لدى هذه الغواصة أيضًا القدرة على المناورة والإلتفاف بفضل صِغر حجمها، ولذلك فهي تُشكل كابوسًا للغواصات النووية الكبيرة. ولكن، أجرت روسيا تمرينًا في الآونة الأخيرة يحاكي هجومًا نوويًا على السويد، وهناك إحتمال كبير أن تكون الغواصات الروسية قدْ تسللت إلى المياة الإقليمية السويدية دون إكتشافها. هذا يترك الباب مفتوحًا للتساؤل عن أعداد الغواصات السويدية المطلوبة لتغطية مساحة نحو 370 ألف كيلومتر مربع من بحر البلطيق المحاذي للسويد.

وأصبحَ لدى السويد مؤخرًا منظومة الدفاع الجوي الصاروخية باتريوت المتقدمة «باك-3»، ولكن هذه الأخرى تُثير جدلًا واسعًا بين أوساط العسكريين الغربيين والشرقيين على حد سواء.

دخلت منظومة الدفاع الجوي الصاروخية باتريوت «باك-2» الخدمة لأول مرة خلال حرب الخليج الثانية العام 1991م، إذ كُلفت باتريوت الأمريكية بإسقاط الصواريخ البالستية العراقية التي يتم إطلاقها على إسرائيل والمملكة العربية السعودية. لم تحقق هذه المنظومة نجاحات سوى 40%، فقدْ تمكنت الصواريخ العراقية التي طورها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مِن إصابة معظم أهدافها من تل أبيب وحيفا والنقب وصولًا إلى القاعدة العسكرية في مدينة الظهران، والتي قُتل فيها نحو 28 جندي أمريكي. وأثبتت هذه المنظومة فشلها مجددًا في المملكة العربية السعودية عند استخدامها للتصدي لصواريخ الحوثيين، مما دفعَ السعودية مؤخرًا لشراء منظومة «إس-400 تريومف» الروسية بدلًا منها.

لا تختلف منظومة الدفاع الجوي الصاروخية باتريوت «باك-3» كثيرًا عن شقيقتها «باك-2»، وذلك لإن المشكلة الرئيسية في هاتين المنظومتين تكمن في إنهما قدْ صممتا في الأساس للتصدي للطائرات وليس الصواريخ، وإلا لماذا لم تستورد المملكة العربية السعودية منظومة «باك-3» الأمريكية بدلًا من منظومة «إس-400 تريومف» الروسية إذا كانت فعالة حقًا؟ ربما نجحت منظومة «باك-3» في إسقاط تسعة صواريخ من طراز «الصمود 2» العراقية خلال حرب الخليج الثالثة العام 2003م، ولكن هذه الصواريخ لم تكن بعيدة المدى.

والنتيجة، لا تخشى روسيا صواريخ باتريوت السويدية «باك-3»، أو كما تُفضل القوات المسلحة السويدية تسميتها بـ«نظام الدفاع الجوي 103 باتريوت»، كما إنها بالتأكيد لا تخشى القوات البحرية السويدية. ولكن ما يخشاه الكرملين تحديدًا من إنضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو هو نشر قوات أمريكية داخل أراضيهما لإعاقة الإستراتيجية البحرية الروسية في الوصول إلى شمال المحيط الأطلسي، أو نشر أسلحة أمريكية حديثة غير مُعلن عنها داخل الأراضي السويدية، وربما يكون هذا أحد أسباب خرق الطيران الروسي للمجال الجوي السويدي بين الحين والآخر.

صورة أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية باتريوت المتقدمة الحزمة 3 عندما استلمتها السويد أواخر العام الماضي

1

انتهى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here