الحريالوجيا فن إنتاج المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية

حسن عجمي

الحريالوجيا مركَّبة من “الحرية” و “لوجيا” بمعنى عِلم و بذلك الحريالوجيا عِلم الحرية الذي يدرس الحرية علمياً من خلال تحليلها على أنها معادلة رياضية. بالنسبة إلى الحريالوجيا ، الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة. لهذه المعادلة فضائل عديدة منها حلّ إشكال فلسفي أساسي ألا و هو كيف أننا أحرار رغم محكومية الكون بالعلاقات السببية و القوانين الطبيعية.

الكون محكوم بالقوانين الطبيعية و العلاقات السببية. و بذلك أفعالنا أيضاً محكومة بالقوانين الطبيعية و العلاقات السببية ما يتضمن أننا لسنا أحراراً لأنَّ أفعالنا نتائج العلاقات السببية و القوانين الطبيعية التي لا نتحكّم فيها. من جهة أخرى ، إن لم نكن أحراراً فحينئذٍ نحن غير مسؤولين عن أفعالنا. و لكن نحن مسؤولون عن أفعالنا و لذا لا بدّ من أننا أحرار. هكذا لدينا معضلة فلسفية ألا و هي وجود حجة قوية على أننا لسنا أحراراً لأنَّ أفعالنا كالظواهر كافة محكومة بالقوانين الطبيعية و العلاقات السببية و وجود حجة قوية أخرى مناقضة للأولى دالة على أننا أحرار و إلا لم نكن مسؤولين عن أفعالنا.

لكن معادلة الحريالوجيا تقدِّم حلاً ناجحاً لهذه الإشكالية الفلسفية على النحو التالي: بما أنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة ، و علماً بأنه من الممكن و متاح لنا أن ننتج كل المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية الممكنة (كالقِيَم والأخلاق واتباعها) لكونها ممكنة وبذلك منسجمة مع القوانين الطبيعية و العلاقات السببية الحاكمة للكون ، إذن نحن أحرار رغم محكومية الكون بالعلاقات السببية و القوانين الطبيعية. هكذا تحلّ معادلة الحريالوجيا هذه الإشكالية الفلسفية فتكتسب هذه الفضيلة الكبرى ما يدلّ على صدقها.

معادلة الحريالوجيا معادلة رياضية فلسفية و لكنها أيضاً علمية لكونها قابلة للاختبار. إن كانت الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة فحينئذٍ الحرية العليا كامنة في صياغة فوجود كل المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية الممكنة ما يتضمن سيادة التنوّع العقائدي والاعتقادي والسلوكي و سيادة التعدّدية في المجتمع نفسه. من هنا ، إن وُجِدت الحرية أو الحريات بلا تعدّدية فحينئذٍ المعادلة السابقة كاذبة. و بذلك من الممكن اختبارها ما يجعلها علمية. و لكن لا وجود لحريات بلا تعدّدية ما يبرهن على صدق معادلة الحريالوجيا و ما يفسِّر لماذا المجتمعات المتصفة بتعدّدية كبرى متصفة أيضاً

بامتلاكها لحريات أكبر و أكثر. هكذا أيضاً تملك معادلة الحريالوجيا مقدرة تفسيرية ناجحة ما يشير إلى مصداقيتها. فبما أنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة ، إذن تتحقق الحرية بتحقق التعدّدية المتمثلة بإنتاج كل المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية الممكنة المختلفة. و لذا المجتمعات المتصفة بالتعدّدية متصفة أيضاً بالحرية.

بالإضافة إلى ذلك ، تنجح معادلة الحريالوجيا في التعبير عن أنَّ الحرية تتضمن بالضرورة الإنجازات الحضارية كالأخلاق و المعارف و العلوم و الفنون و العدالة. فلا حرية بلا هذه الإنجازات لأنَّ هذه الإنجازات الحضارية تحرّرنا كأن تحرّرنا المعرفة من الجهل و التخلّف و تمكّننا من الاستمرار و التطوّر. فبما أنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة ، و علماً بأنَّ المعارف و العلوم و الفنون و الأخلاق و العدالة معتقدات و سلوكيات إنسانوية بفضل فوائدها فبها يحيا الإنسان و يتطوّر ، إذن الحرية تتضمن بالضرورة إنتاج المعارف و العلوم و الفنون و الأخلاق و العدالة. و بذلك لا حرية لمَن لا يصوغ المعارف العلمية و الفلسفية و الفنون و لا ينتج الأخلاق و العدالة. هكذا تنجح هذه المعادلة في التعبير عن أنَّ الحرية تتضمن بالضرورة الإنجازات الحضارية كالأخلاق و العدالة و المعارف و الفنون ما يعزِّز صدقها.

تنجح معادلة الحريالوجيا أيضاً في ضمان دورنا الفعّال في بناء الحرية. فإن كانت الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة ، و علماً بأنه نحن مَن ننتج المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية ، إذن الحرية من صنعنا. و بذلك تطالبنا هذه المعادلة ببناء حريتنا من خلال صياغة كل المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية الممكنة فتضمن أن نكون فعّالين في إنتاج الحرية. من هنا ، تنجح معادلة الحريالوجيا في ضمان دورنا الفعّال في بناء حريتنا.

تتضمن هذه المعادلة أيضاً أنَّ الحرية مشروع مستمر ما يضمن التطوّر الإنساني الدائم. فبما أنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة ، و كل المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية الممكنة تتضمن المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية التي أُكتشِفت في الماضي كما تتضمن كل المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية في المستقبل و التي لم تُكتشَف بعد ، إذن تطالبنا هذه المعادلة بالاستمرار في البحث عن كل المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية التي لم تُكتشَف بعد و اكتشافها ما يجعل الحرية مشروعاً مستمراً معتمداً على عملية بحث دائمة عن كل المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية غير المعروفة لدينا ما يضمن بدوره استمرارية تطوّر الإنسان و حضارته من خلال اكتشاف تلك المعتقدات و السلوكيات الإنسانوية التي لم تُعرَف سابقاً. هكذا تنجح معادلة الحريالوجيا في التعبير عن أنَّ الحرية مشروع دائم و تضمن التطوّر المستمر للإنسان و حضارته.

من نجاحات معادلة الحريالوجيا أنها أيضاً تعبِّر بنجاح عن أنَّ الحرية مسألة درجات فمن الممكن أن تزداد حرية الفرد أو تتناقص. فبما أنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة ، و علماً بأنه من الممكن لنا أن ننتج معتقدات و سلوكيات إنسانوية ممكنة أكثر أو أقل ، إذن من الممكن لنا أن نكون أحراراً أكثر أو أحراراً أقل. و بذلك الحرية مسألة درجات قد تزداد أو تنقص. فمتى أنتجنا معتقدات و سلوكيات إنسانوية أكثر عددياً و تطوّراً إزدادت حريتنا و إلا تناقصت لأنَّ الحرية = إنتاج كل المعتقدات الإنسانوية الممكنة + إنتاج كل السلوكيات الإنسانوية الممكنة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here