طرق ككمائن موت وكذلك مستشفيات كطعنة رحمة .. مع سيطرة الرغبة بالهجرة مجددا !..

بقلم مهدي قاسم
.. عبّر بعض الصديقات و الأصدقاء عن رغبتهم في أن اكتب عن انطباعاتي حول زيارتي إلى العراق، وقد سبق لي ان فكرتُ بالأمر قبل ذلك ،ولكنني وجدت أنه لا استطيع أن أضيف شيئا جديدا عن مما يعرفونه من مظاهر فساد و سوء خدمات و تصاعد نسبة الفقر بين شرائح و فئات اجتماعية عديدة ، إضافة إلى تفاقم نسبة البطالة المتضخمة سنة بعد أخرى و التهرؤ الحاصل والمتواصل في البنى التحتية و باقي مرافق الدولة بما في ذلك شبكات الصرف الصحي المطمورة والمسدودة بالنفايات وتزعزع الجسور وخطورة انهيارها ، و الطرق والشوارع ذات برك و حفر و باتت بمثابة كمائن قاتلة حيث لا يمر يوم دون حدوث حوادث مرورية مخلفة عددا من ضحايا يوما بعد يوم ..
دون أن نضيف مظاهر الجفاف و التصحر الزاحفة من كل حدب و صوب ،ناهيك عن عملية التعطيل المتعمدة لقطاعي الزراعة والصناعة بهدف فتح أسواق العراق الكبيرة أمام بضائع الجارة “أرجنتين و غيرها ..
ولكن الأخطر من كل ذلك هو الانحدار بالمستوى التعليمي إلى أسوأ وأردأ مستوى كارثية على الإطلاق ، و الطامة الكبرى أن تشمل عملية الرداءة و السوء هذه بعضا من مدارس وجامعات أهلية أيضا ، و التي يدفع طلبتها أقساطا سنوية كبيرة من النقود بهدف الدراسة والتأهيل المهني وأن كانوا في النهاية يحصلون على شهادات” جامعية ” ولكن بدون أي تأهيل مهني او اختصاصي ذات فائدة تُذكر ..
حيث بعضهم لا يستطيع التمييز بين المرفوع والمنصوب وهو خريج قسم اللغة العربية !!..
غير إن الوضع الصحي المتدهور أكثر كارثية من أي شيء آخر ، إذ إن بعض المستشفيات الحكومية تكاد أن تكون بمثابة طعنة رحمة موجهة إلى المريض الذي يذهب إلى هناك من أجل علاج جيد و وشفاء منشود ومأمول ولكنه يخرج من هناك أما نصف محتضر أو ميتا بسبب عدم تشخيص أمراض المريض تشخيصا جيدا وفي الوقت المناسب أولا ، و إعطاء دواء أو علاج أما فقد صلاحيته أو لم يعد فعّالا بالمرة ، علما أن المريض في أغلب الأحايين يشتري الدواء من ماله الخاص ليتضح فيما بعد أنه دواء ليس بنافع أو مفيد صحيا بل ولا مناسبا قطعا ، فيمضي الوقت و يتفاقم المرض إلى حد يؤدي إلى وفاة المريض في نهاية المطاف ، ولأن المواطن العراقي فقد ثقته بمستشفيات الدولة فأنه يأخذ مريضه إلى المستشفيات الأهلية التي هي ليست بأفضل أحوال في كثير من الأحيان من مستشفيات الدولة فيبدأ الأطباء بكتابة أدوية عديدة له ويرسلونه إلى الصيدلي المتواطئ معهم ولكن بلا جدوى فأن حالة المريض لا تتحسن بل تتدهور نحو أسوأ فيذهبون به إلى طبيب آخر الذي يقول أن الأدوية التي أوصى بها الطبيب السابق ليست جيدة أو مناسبة لعلاج المرض فعليهم أن يشتروا أدوية جديدة من الصيدلية الفلانية التي من المحتمل جيدا مقابل إن يتقاسم معه بعضا من المال !من جراء شراء الأدوية تلك !..
هكذا إلى ما لا نهاية إلى أن يفوت الأوان و يتوفى المريض و كأن شيئا لم يكن ..
فما أقوله هنا ليس قصة خيالية أو عن سمع أنما عن تجربة و ذات صلة مباشرة ، إذ لقد ماتت ابنة شقيقي ــوهي شابة بعد ــ بعدما تأخروا في تشخيص مرضها ، كذلك الأمر تماما لشقيقتي و كذلك زوج شقيقتي الثانية حيث توفيا بسبب التأخر في تشخيص مرضهما وكذلك بسبب عدم العلاج الجيد والمناسب الفعّال ..
اضمحلال الدولة في بوتقة المليشيات والعشائر :
قد لا نبالغ إذا قلنا أنه لم يعد للدولة العراقية وجودا قويا كمؤسسة رسمية و قانونية و قوة معتبرة و ضاربة لفرض القانون والسيادة، إلا شكليا فحسب ، فقد أخذت الدولة العراقية تضمحل وتتلاشى بين سنداني المليشيات و الطغيان العشائري ذات النزعة الهستيرية و العنجهية المنفلتة و التي أخذت تفرض سطوتها المليشياوية أو قانونها العشائري هي بالذات ، لذلك فيخاف شرطي المرور ـ مثلا ـ من محاسبة المتجاوز للأنظمة المرورية ، ونفس شيء يمكن أن يُقال عن المعلم أو الموظف أو غير ذلك ..
مظاهر اليأس وأحلام الهجرة :
لأول مرة لحظتُ مظاهر اليأس والقنوط مخيمة على نفوس عدد ليس قليل من عراقيين من حدوث أي تغيير إيجابي ، فالأشخاص الذين كانوا يرفضون سابقا مغادرة العراق ويأمنون بتغيير حتمي، يعبرون الآن عن ندمهم لأنهم بقوا ولم يغادروا حتى الآن ، علما أن بعضا منهم وضعه الاقتصادي لا بأس به ..
و هكذا نجد أن الأحزاب الإسلامية ــ بشقيها الشيعي و السني ــ قد نجحت في تجذير حالات اليأس والإحباط والقنوط عند غالبية المجتمع العراقي ـ علما أن مظاهرات التشرينيين قد أعطت قبسا من الأمل في احتمالات التغيير و الإصلاح الإيجابيين نحو الأفضل و الأحسن ولكن سرعان ما أجهزوا على ذلك الأمل بين عمليات قتل واغتيال و تغييب و إغراء بمناصب و تعيينات .
وها هو العراق يكاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة محتضرا بين ضغوط إطار مزنجر ومثقوب بخيانة و فساد و بين عربة صدئة و متخلخلة يقودها رجال جوف وحمقى لا يقلون فسادا عن هؤلاء !..
وهؤلاء و أولئك هم أنفسهم الذين قادوا العراق منذ 18عاما إلى هذا المصير المُزري و المفجع بتعاون وتأييد متحمسين من قواعد شعبية تصويتية واسعة التي صوّتت لهم لأسباب دينية و مذهبية أو حتى عشائرية أيضا ..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here