اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر عن القرآن الكريم من سورة النساء (ح 42)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب الاسرة في الاسلام للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره : صداق الزوجة: وقد تصدى الإسلام لتحديد الحد الأعلى للمهر بخمسمائة درهم، والدرهم مثقال من الفضة الخالصة، ومع عدم وجوده يعطي ما يساويه من العملة في أي بلد. وسمي هذا المهر بمهر السنة. وندب إلى جعله الأساس لعقد الزواج، وكره الزيادة عليه، وأستحب للزوجة التنازل عن الزيادة، إن كانت. والإسلام يرى انه ليس المقصود الأساسي من الحياة الزوجية، هو مفاخرة الآخرين بكثرة الأثاث والرياش، لكي يكون هذا سبيلاً إلى اقتراح زيادة المهر. وإنما المقصود الأساسي من الحياة الزوجية، مضافاً إلى الانتفاع الجنسي، هو الاجتماع على طاعة الله تعالى، والجهاد في تطبيق الزوجين تعاليمه العادلة على أنفسهما وذريتهما، والابتعاد عن النظرة المادية الضعيفة للكون والحياة. وعلى هذا الأساس نرى من المنطقي جداً أن يكون المهر المسمى في عقد تزويج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بفاطمة الزهراء عليها السلام، وهما على ما هما عليه من الجلال والكمال والقرب الإلهي، أن يكون المهر بينهما لا يزيد على درع حطمية تساوي ثلاثين درهما وفي رواية أخرى (كان فراشهما إهاب كبش يجعلان الصوف إذا اضطجعا تحت جنوبهما). وهذا المهر مما زوج به رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته عليه، وقد جرى عقد الزواج بين يديه وتحت إشرافه صلى الله عليه وآله. وإذا كانت هذه هي النظرة العامة، وذلك هو السلوك الذي يتمسك به إمامنا أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا هو المثل الإسلامي الأعلى الذي يقترحه رسول الله صلى الله عليه وآله، فما احرانا باتباعه والسير على هدى نوره ورفض النظرة الضيقة للحياة والمجتمع، والأخذ بالميزان الإسلامي الأوفى بالنظر إلى الأمور وفي فهم الحوادث والنتائج وفي صياغة السلوك، لكي تحظى بخير الدنيا وخير الآخرة.

ولن يكون أي فرد منا أولى من ذينك الزوجين الكريمين عند الله عزوجل، في أسلوب المعاش ولا في كثرة الأثاث والرياش، ولا في زيادة المهور. والإسلام بعد اشتراط وجود المهر في عقد الزوجية، جعله ملكا للزوجة ولها الحق المطلق في مطالبة زوجها به. فان دفعها إليها كان قد قام بواجبه، وإلا بقي ديناً في ذمته يستحق الأداء. ويحرم عليه بأي حال من الأحوال أن يأكل على زوجته مهرها ويعزم على عدم دفعه إليها. قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً” (النساء 4) . وقال: “فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً” (النساء 20). وروي عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال: من أمهر مهراً ثم لا ينوي قضاءه كان بمنزلة السارق. وعنه أيضاً: من تزوج امرأة ولا يجعل على نفسه أن يعطيها مهرها فهو زنا. غاية الأمر إن لم يكن الزوج متمكنا فعلاً من الدفع وجب على زوجته إمهاله إلى حين التمكن. إلا أن الإسلام في عين الوقت الذي أوجب على الزوج ذلك، حث الزوجة حثاً مؤكدا على تنازلها عن مهرها وتصدقها على زوجها وعدم تكليفه بدفعه أصلاً، ووعدها على ذلك أجراً كبيراً وثواباً عظيماً. روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: أيما امرأة وهبت مهرها لبعلها، فلها بكل مثقال ذهب كأجر عتق رقبة. وإذا امتثلت الزوجة هذا الأمر، وتنازلت عن صداقها أو عن قسم منه على الأقل، جاز للزوج التصرف فيه وعدم دفعه إليها. باعتبار إن دفع المهر يعتبر حقاً للزوجة وواجبا على الزوج، والواجب يبقى ما دام الحق باقياً في قبالة، فإذا تنازلت الزوجة عن حقها، سقط الواجب عن ذمة الزوج لا محالة.

جاء في كتاب الاسرة في الاسلام للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره : الرجل بصفته زوجا: يجب أن يكون الزوج رحيماً بأهله، خلوقاً مع زوجته عطوفاً عليها، لا فظّاً غليظاً معها، يغتنم ضعفها أمامه وحاجتها إليه فيكيل لها أنواعاً من سيئ القول والفعل. بل يحرم عليه ضربها من دون مبرر شرعي. وينبغي أن يغفر لها هفوتها وتعديها عليه. فعن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما حق المرأة على زوجها، الذي إذا فعله كان محسنا؟ قال: يشبعها ويكسوها، وان جهلت غفر لها، يعني إذا اعتدت عليه سمح لها وعفا عنها. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. وفي رواية: خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي. ولا يستثنى من ذلك إلا الزوجة التي يخاف الرجل نشوزها، فانه من المعلوم إن الإسلام حينما جعل على الزوج هذه الواجبات، وجعل من حق الزوجة عليه القيام بها، لم يجعله على أساس تحرر الزوجة من المسؤوليات وتهاونها في حق زوجها، بل جعل له بإزاء ذلك على زوجته واجبات مماثلة يجب أن تبادله إياها، تضحية بتضحية وعطف بعطف. فإذا أصبحت الزوجة فضة الأخلاق كريهة السلوك لا يسرها مسامحة زوجها معها وعفوه عن سيئاتها وقيامه بواجباتها، فغمطت حقوقه وأهملت واجباتها تجاهه. ففي مثل ذلك يأمر الإسلام في القرآن الكريم بتدارك حال مثل هذه الزوجة، بالوعظ أولا، بمعنى تذكيرها بالتعاليم الإسلامية وتخويفها من غضب الله عزوجل، فان حركت الموعظة أوتار قلبها وعقلها وإعادتها إلى شدها، فهو المقصود. وإلا هجرها زوجها في المضجع، ولم يتصل بها من الناحية الجنسية، لتشعر بالألم وتأنيب الضمير عقاباً لها ولتمردها. فان أفاد هذا السلوك معها فهو المقصود، وإلا جاز له ضربها توصلا إلى تقويمها والحصول على حسن سلوكها. قال الله عزوجل: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيرا” (النساء 34).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here