إستخدام العقوبات الاقتصادية الأمريكية كأداة للضغط السياسي

إستخدام العقوبات الاقتصادية الأمريكية كأداة للضغط السياسي
د.ماجد احمد الزاملي
على مدار العقود الثلاثة الماضية، إزدادت أهمية الحكم الاقتصادي الجيّد بسبب العولمة. وهذا الترابط المتزايد يسمح للدول بالاستفادة من الفرص حول العالم؛ وفي ذات الوقت، تصبح أكثر عُرضة للمخاطر الناجمة عن قرارات تُتخذ على الطرف الآخر. وهذا الترابط يوفِّر لصنّاع السياسات -وبخاصة أولئك الذين ينتمون لدولة بالنفوذ الاقتصادي كما هي الولايات المتحدة الاميركية – مصدرا مهما للنفوذ- وبفضل العولمة، ستمتثِل المصارف والشركات الأجنبية للعقوبات الأميركية؛ ليس لأن حكوماتهم تطلب ذلك، وإنّما لرغبتهم في الحفاظ على إمكانية الوصول إلى السوق الأميركي والدولار الأميركي والنظام المالي، بما يزيد بشكل كبير من قوّة وأثر تلك العقوبات.على الرغم من أنّ العقوبات وغيرها من أشكال القمع الاقتصادي الأخرى كانت دوما أدوات السياسات الخارجية الأميركية، فإنّ استخدامها قد توسّع بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والذي سمح سقوطه للولايات المتحدة بامتلاك قوة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة. وقد عملت الولايات المتحدة في بعض الحالات -ومنها العقوبات الأميركية ضد العراق عامَي 1990-1991 وضد يوغوسلافيا عام 1990 وضد رواندا عام 1994- مع دول أخرى في مجلس الأمن من أجل إضفاء الشرعية على تلك الإجراءات. ولكن إذا لم تكن الضغوطُ الدولية المنسّقة قابلة للتحقيق أو إذا فشلت في إقناع دولة ما بتغيير سلوكها، فإنّ واشنطن لم تتردّد في اللجوء إلى إجراءات حازمة أحادية الجانب. الحصار الدولي الذي فُرض على السودان(مثلا) والعراق من 1990-2003، ترك آثاراً سلبية على القطاع المصرفي البلدين ، بينها: توقف التمويل والضمانات المصرفية، وتعثّر التحويلات المصرفية، وتعقيد إجراءات الودائع، وتوقف الإعتمادات وغيرها, و الإجراءات المطلوبة لتجاوز الآثار السلبية للعقوبات هي: أن يُصبح إتحاد المصارف العربية القائد الذي يُحرك كافة المؤسسات النظيرة على النطاق العالمي والعربي والقطري، بغية تعويض السودان والعالم العربي والأفريقي ما فقده من مصالح وحقوق ولا سيما حيال كيفية تمكين السودان من الإستفادة من الحقوق في المنظمات العالمية والإقليمية والمتخصصة، وتسهيل تدفق التمويل وإنسياب المساعدات المالية والضمانات وكافة التسهيلات المالية. و الاقتصاد العراقي بعد الاحتلال عام 2003حاول المحتل بعد انهيار المنظومات السياسية والاقتصادية والمالية والإدارية والأمنية إعادة بناء تلك المنظومات، وقد أصدر عدة تشريعات شكلت الأساس الذي بنيت عليه منظومات ما بعد 2003، واعتمد المحتل في بناءه على قوانين أصدرها وشرعها هو نفسه مثل قانون إدارة الدولة وقانون الإدارة المالية، وتجاهل إرث الدولة العراقية لثمانية عقود من الزمن، مما خلق التباينات بين فئات المجتمع، وهمشت فئات وغابت المساواة وأثيرت النزعات الدينية والطائفية والعرقية وغاب مفهوم الوطن.إن تطبيق قرارات الأمم المتحدة ووضع العراق تحت طائلة الفصل السابع بكل مواده التي تشمل العديد من الجوانب، ومنها تشكيل التحالفات ضد العراق بوصفه يشكل تهديدا للسلم العالمي وقطع العلاقات الاقتصادية، من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية وغيرها من الجوانب، إلا أن ما ينبغي التركيز عليه يتمثل في الجوانب الاقتصادية والمالية والنقدية والتي سببها القرار بتعطيل منظومة المدفوعات العراقية مع العالم الخارجي والتي على إثرها انعزل العراق عن المنظومة الدولية للمدفوعات، مما عطّل التجارة الخارجية والمالية والدولية والاستثمار الدولي، وعطّل الأنشطة التي تندرج تحت هذه النشاطات، فبات العراق طيلة المدة 1990 ولغاية 2017 يعمل بمعزل عن العالم، وكان من سماتها تنامي منظومة غير دولية غير رسمية وغير قانونية لبيع العراق جزء من نفطه عبر عمليات التهريب بسلسلة من أطراف أشبه بالشبكات يقودها أفراد لتوفير المواد ولاسيما الغذائية، والبدء بتأسيس المصارف الخاصة داخل العراق وعبر أغطية شتى عائلية وشركات مساهمة داخلية، وقد ساهمت في بناء منظومات غير رسمية مع عدد من المصارف العربية، وتزايد التعامل بالنقد وبدء العراق الطبع النقدي للعملة ( الدينار العراقي ) والانخفاض المستمر بقيمته. وتُعـد المؤسسـات احـد أهـم المكونـات الاساسـیة فـي العـراق بصـورة خاصـة والعــالم بصــورة عامـة، حیـث ان قـوة هـذه المؤسسات او ضعفها یؤثر بشكل كبیر في عملیة الاستثمار بشكل عام والاسـتثمار فـي البنیـة التحتیـة بشـكل خـاص، بــل یــؤثر بشــكل فاعــل فــي هیاكــل الدولــة ومنشــاتها الحیویــة كافــة بوصــفها احــد المرتكــزات الاساســیة لعملیــة النمــو الاقتصادي. سعى مشروع العراق إلى بناء بیئة تمكینیة للحوار بین القطاعین العام والخاص في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالمشروع. وقد أدى إشراك أصحاب المصالح العراقیین من غیر المنتمین إلى القطاع العام إلى تحسین النتائج حیث فتح المجال لمنظورات جدیدة وأكثر اتساعا لمناقشة السیاسات في الاجتماعات. كما دعا المسؤلون على الإستثمار بشكل منتظم ممثلي الشركات الأجنبیة المستثمرة في العراق إلى المشاركة في الفعالیات التي نظمھا من أجل تبادل وجھات النظر، ومناقشة القیود المفروضة على الاستثمار في العراق وآفاقه.
وبما أن الدولار أصبح سيّد العملات، فقد نجحت واشنطن في تحقيق سيطرتها عن طريق الاستثمارات وشراء المشروعات القائمة في أغلب البلدان، مقابل وعود بالتسديد بالدولار، ومقابل إعطاء الدائنين شهادات بتلك الوعود، فكانت “برامج الإعمار” العملاقة التي جعلت أوروبا واليابان، بمصانعها وشركاتها وأسواقها، بلداناً تابعة يقتسم الاحتكاريون الأميركيون منافعها وأرباحها. غير أن المخصصات الأميركية لم تكن تكفي لإعادة الإعمار، بل هي كانت حقاً الجزء الأصغر من التكاليف، أما الجزء الأكبر فقد وقع على عاتق الشعوب في أوروبا واليابان، وحتى الجزء الأميركي الصغير لم يأت من خزائن الاحتكاريين الأميركيين، بل من مدّخرات المودعين والمساهمين الأميركيين الصغار، ومن دافعي الضرائب، ومن بعض المصارف الأميركية، فهم بالإجمال لم يوظفوا من جيوبهم ما يستحق الذكر، وجنوا الفوائد الضخمة والأرباح الطائلة التي عزّزت مواقعهم في النظام الاقتصادى الدولي.و تعاني اقتصاديات الدول خاصة الرأسمالية من مشكلة ضيق الأسواق وصعوبة تصريف منتوجاتها، فتلجا إلى التكامل لتصبح أسواقها أوسع تشمل جميع الدول الأعضاء ويترتب عن ذلك زيادة إنتاج المشروعات لمقابلة الزيادة في الطلب على منتوجاتها، وبالتالي تشغيل الطاقات المعطلة وغير المستغلة كما يؤدي إلى تحقيق توفر الحجم الكبير.وعرف صندوق النقد الدولي في تقريره الأفاق الاقتصاد العالمي سنة 1995″ العولمة الاقتصادية بأنها تزايد الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين دول العالم، عن طريق زيادة حجم وتنوع معاملات السلع والخدمات عبر الحدود والتدفقات الرأسمالية الدولية وكذلك سرعة ومدى انتشار التكنولوجيا”.وتنطوي العولمة الاقتصادية على ثلاثة نظم رئيسية هي النظام النقدي الدولي والنظام المالي الدولي والنظام التجاري الدولي، ويقوم على إدارة هذه الأنظمة ثلاث منظمات اقتصادية دولية هي على الترتيب صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة، كل هذه تلعب دورا رائدا في ترسيخ هذه العولمة، فتدويل الإنتاج وعولمة التفاعلات المالية والاستثمارية على الخصوص وسقوط الاستقلالية الذاتية الاقتصادية على العموم، كلها عوامل تساعد على انتشار الظاهرة العالمية التي من أول ضحاياها سقوط مفهوم السيادة الاقتصادية، أي أن الحدود السابقة تسقط أمام الشركات العملاقة التي تستطيع أن تنقل أمكنة صناعة منتجاتها إلى بلاد العمالة الرخيصة وتعيد بيعها في بقية اسواق العالم بأسعار تنافسية.
تعتمد الدول في مساعيها للالتفاف على العقوبات على شبكة من الشركات الوهمية والوسطاء في الخارج، والتنكر، واستخدام أسماء جهات أخرى، واستغلال الثغرات، وفتح حسابات مصرفية مجهولة أو مزيفة للوصول إلى الأسواق الدولية. فضلًا عن شراء وكلاء للبضائع المطلوبة، ثم نقلها للدولة دون علم المراقبين الدوليين. وتعمل الدول على إخفاء المعاملات غير المشروعة والتي تحظرها العقوبات داخل المعاملات المشروعة. كما تعتمد الكيانات المعاقَبة على تشكيل شبكات من الشركات الوهمية والشركاء والوسطاء والميسرين لإخفاء طبيعة نشاطهم وغسل أموالهم. وتستغرق هذه الممارسات وقتًا أطول للتحقيق فيها، وهو ما دعا إلى بروز “عقوبات الشبكة” في مواجهة “شبكات الالتفاف على العقوبات”. فمن المهم التنسيق مع الشركاء الدوليين والبنوك والمؤسسات المالية الأخرى والقطاع الخاص في تنفيذ العقوبات، من خلال تزويدهم بالمعلومات الحيوية التي يحتاجونها لتتبع النشاط غير المشروع وتعطيله والإبلاغ عنه، وتنبيههم إلى الطرق توظف عبرها النظم المعاقَبة “الشركات الواجهة” والوثائق المزورة وغيرها من الممارسات الخادعة للالتفاف على العقوبات. تعمل العقوبات الاقتصادية على التسبب في قدر من الضرر الاقتصادي الكافي لإحداث “التفكك السياسي” في الدولة المستهدفة، مما يُجبرها على الامتثال للمطالب. إذ تراهن الدولة فارضة العقوبة على حدوث انقسام في قيادة الدولة الأخرى، أو انقسام بين القيادة والشعب حول ما يجب فعله حيال العقوبات والأزمة الناتجة عنها، أو إجبار احتجاجات شعبية – تحت ضغط العقوبات – للحكومة على تغيير سياستها. وكلما زادت حدة الضغط الاقتصادي، كان التفكك السياسي أسرع وأكبر، ومن ثم استجابت الدولة للمطالب. إلا أن ذلك كله قد يصطدم بتكامل سياسي قومي مضاد يحشد المواطنين والقيادة، وتعزيز الشعور الوطني ضد “ضغوط العدو”. إذ لا تستسلم معظم الدول لمطالب العقوبات بسبب الكبرياء والكرامة الوطنية واعتبار الاستجابة للعقوبات تهديدًا للاستقلال الوطني. ولذلك فشرط نجاح العقوبات هنا هو قدرتها على إلحاق ضرر اقتصادي شديد – بدرجات استثنائية أحيانًا – ينجح في تحقيق التفكك السياسي، في مواجهة محاولات استغلال العقوبات لتحقيق تكامل سياسي.
ويشمل انعدام الأمن الاقتصادي أبعادًا مختلفة مثل: الدخل غير الكافي والوظائف غير المضمونة والتشرد وظروف العمل والفقر. يعني الأمن الغذائي أن جميع الناس لديهم الإمكانية الاقتصادية والمادية للوصول إلى الغذاء في جميع الأوقات وهذا لا يتطلب غذاءً كافياً فحسب ، بل يتطلب أيضاً حصول الناس على الغذاء. يشمل انعدام الأمن في مجال الصحة وجود الأمراض المعدية وعدم الحصول على الأدوية والمياه الملوثة والبيئة غير الصحية ونمط الحياة والأمراض الحديثة وما إلى ذلك. ينتج انعدام الأمن البيئي عن نضوب موارد المياه والكوارث الطبيعية مثل الفيضانات وإزالة الغابات وتحويل الأراضي الخصبة إلى صحاري وتلوث الهواء. يشمل الأمن الاقتصادي عناصر مثل الدخل الكافي والتوظيف الآمن وامتلاك السكن الملائم والثروة وهي عناصر تعرضت لتحديات خطيرة في إيران مثلاً على مدى السنوات القليلة الماضية. وقد تأثر جزء من ذلك بشكل خطير بارتفاع معدلات التضخم كواحد من أهم المؤشرات وتأثيرها على الأمن الاقتصادي للناس في السنوات الأخيرة ، خاصة مع خروج دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران. عرّضت العقوبات الاقتصادية الأمريكية الأمن البشري للخطر في إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي، مما أثر على مستويات الاقتصاد الكلي. ، يرتبط الأمن البشري بنوعية حياة الأفراد ويغطي أيضًا مجالات مختلفة. بالإضافة إلى هذه القيود ، أدت العواقب الاقتصادية للعقوبات على ايران ، مثل انخفاض قيمة العملة الوطنية والتضخم ، إلى انخفاض القدرة الشرائية للناس ونتيجة لذلك انتشر الفقر في المجتمع. ومع ذلك ، تجدر الإشارة أيضًا إلى دور جائحة فيروس كورونا والذي لعب خلال هذه الفترة دورًا رئيسيًا في خفض مستوى ونوعية حياة الناس؛ على سبيل المثال ، أدى فيروس كورونا أيضًا إلى زيادة تكاليف الإنتاج على المستوى العالمي ونتيجة لذلك تسبب في ارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية بشكل كبير في جميع أنحاء العالم. بشكل عام ، يبدو أن العقوبات الأمريكية الأحادية لعبت دورًا كبيرًا في تعريض حياة الناس للخطر. على الرغم من أن معظم التركيز ينصب على متغيرات الاقتصاد الكلي ، فقد كان للعقوبات تأثير عميق على مختلف جوانب الحياة البشرية، من مستويات الدخل إلى الأدوية والأوضاع الغذائية، ويجب على المجتمع الدولي أن يستجيب بشكل جماعي للتأثير البشري لهذه العقوبات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here