“المطيّة الاتحادية” في العراق

“المطيّة الاتحادية” في العراق

ساهر عريبي

لا يليق بشأن المحكمة الاتحادية في العراق من تسمية سوى ” المطيّة الاتحادية” بعد أن أصبحت ومنذ العام 2010 مطيّة بيد الفاسدين والفاشلين والعملاء. لعبت هذه المحكمة دورا خطيرا تخريبيا مهّد لكل ما شهده العراق من كوارث منذ ذلك العام بعد أن قدّمت تفسيرا مشوّها وشاذا للمادة الدستورية المتعلقة بمن يحق له تشكيل الحكومة عقب الانتخابات.

لم يكن تفسيرها شاذا فحسب بل غبيا يثير السخرية والاستهزاء, لأنه خالف بديهية لا نقاش فيها وهي منح الفائز بالانتخابات حق تشكيل الحكومة! فحجر الزاوية في الانتخابات هو تحديد من يمتلك الأغلبية الشعبية التي تؤهله لإدارة البلد. ولا تشذ ديمقراطية واحدة في العالم عن هذه القاعدة وحتى في الدول التي ليس لها دستور مثل المملكة المتحدة.

إذا يكلّف الفائز بتشكيل الحكومة فإن كانت لديه أغلبية برلمانية لوحده فيمضي قدما في مهمته, وإن لم تكن له أغلبية فيعطى فرصة لعقد تحالفات برلمانية تمكنه من الفوز بأغلبية برلمانية فإن نجح ضمن المهلة المحددة دستوريا فنعم به وإن لم ينجح فيكّلف الفائز الثاني من بعده وهكذا وإلا فتعاد الانتخابات. ولم يحدث أن كلف خاسر بالمهمة قبل أن يأخذ الفائز فرصته. وفي بعض الدول التي تضع مصالح الشعب والبلاد في المقام الأول ولا تنظر أحزابها للحكومة على أنها مغنم مثل السويد, فلا يشترط تحقيق الفائز أغلبية برلمانية. فهناك اليوم حكومة أقلية شكلها الحزب الاشتراكي الحاكم الذي فاز بأقل من ثلث مقاعد البرلمان فقط وليس لديه مع حلفائه أغلبية برلمانية لكن أحزاب المعارضة سمحت له بقيادة الحكومة رغم عدم حصولها على أي منصب وزاري.

قد يدّعي البعض أن هذه دول لديها تجربة ديمقراطية عريقة ونحن حديثو عهد بها, وهي حجة مقبولة فيما لو صدرت من أحزاب تدعي أن لديها منظومة أخلاقية وسياسية هي بديل المنظومتين الشرقية والغربية وتدعى أن منظومتها عريقة وهي الأفضل للبشرية, في حين أن سيرتها في الحكم أثبتت مدى بؤسها و ضحالتها وسقوطها أخلاقيا وسياسيا. وبالعودة إلى ذلك العام الذي خسر في رئيس الوزراء حينها نوري المالكي الانتخابات لصالح منافسه علاوي, فحينها اتهم خصومه أولا بتزوير الانتخابات وكلف الدولة العراقية المنهوبة ملايين الدولارات على إعادة عمليات العد والفرز التي ثبتت النتائج.

وحينها وبعد شهور من التعطيل لجأ إلى المحكمة الاتحادية التي أعطته ذلك التفسير الشاذ ومفاده أن من يشكل الحكومة ليس الفائز وإنما من يشكل أكبر تحالف برلماني!!!!! أي أنها حرمت الفائز من حق التكليف بتشكيل الحكومة وحولت الأمر للخاسر المالكي الذي أطلقت المحكمة الاتحادية يده فكانت النتيجة سقوط ثلث العراق بيد داعش ونهب نحو 1000 مليار دولار وخاصة في العام الأخير من ولايته التي بلغت فيه الموازن 147 مليار دولار في أكبر موازنة في تاريخ العراق حتى فاقت موازنة هارون الرشيد.

ثم دارت الدوائر عليه فأزيح في العام 2014 من الحكم رغم فوزه بالانتخابات فقد ذبح حكمه بذات السيف الذي وهبته إياه المطّية الاتحادية لعام 2010. لم تتحدث المحكمة عنها عن أغلبية الثلثين اللازمة لحضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية, فرغم أنني لست مختصا بالقانون فإن قانوني أكدوا بأن المادة الدستورية تعني أن ينال المرشح للرئاسة أغلبية ثلثي الأصوات في الجولة الأولى فإن تعذر فالأغلبية المطلقة, ولم تشترط حضور النواب لتحقيق الأغلبية التي إن تعذرت بغيابهم فيلجأ للخيار الثاني.

جاء اللجوء بعد فشل سياسات الترهيب التي مارسها الإطار التنسيقي وبعد أن فشلت محاولاته لإثبات التزوير وتورط دول خارجية فيه, فهل هناك دولة في العالم تتآمر على مثل هذه الطبقة الفاسدة والفاشلة؟ أم أن العكس هو الصحيح فالفاسدون الفاشلون هم المطلوبون للقيادة حتى يبقوا الأوطان متخلفة تعتمد على الخارج؟ دس قادة الإطار رؤوسهم في الرمال ظنا منهم بأن عاصفة الشعب العراقي ضد فسادهم وظلمهم وفشلهم تمر بسلام. وعندما أسقط في أيديهم لجأوا مرة أخرى إلى مطيّتهم الاتحادية التي قدمت تفسيرا شاذا آخر للمواد الدستورية.

لقد ظهر جليا وبما لايدع مجالا للشك أن هذه المحكمة شكلها الفاسدون والفاشلون يستعملونها كأداة عند الحاجة حالما تتهدد مصالحهم وسلطاتهم وحال شعورهم بأن موعد محاسبتهم قد اقترب. تعبث هذه المحاكمة بأمن العراق ومستقبله وهي شريكة للفاسدين في جرائمهم وفشلهم عبر توفيرها غطاء يديم سلطتهم ويحفظ مصالحهم على حساب العراق وشعبه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here