اللاجئون ثروة أكبر من الثروات الطبيعية

اللاجئون ثروة أكبر من الثروات الطبيعية :
بقلم كامل سلمان
كنت دائمًا أتساءل باستغراب ، لماذا تسعى الدول الغربية الى تشجيع اللجوء والهجرة الى بلدانها ؟ ولماذا تفعل ذلك فقط دول الغرب الرأسمالي دون الدول الاخرى في العالم ؟ ولماذا مهاجرين ولاجئين من بلدان متعبة ايدولوجيا وتركيبيا ، ولماذا تؤسس تلك الدول المنظمات الإنسانية لخدمة اللاجئين؟ هذه الاسئلة وأسألة اخرى لم اجد لها اجابات صريحة . فمن ناحية نرى هذه البلدان تعاني من صعوبات اقتصادية ومعيشية جمة ومن ناحية اخرى تخصص ميزانية كبيرة للتشجيع على الهجرة واللجوء الى بلدانها وتقديم امتيازات يحلم بها اللاجىء في بلده الام .
وتحرص هذه البلدان على التشديد والدقة لنوعية اللاجىء بغض النظر عن اللون او العرق او التحصيل العلمي . وطالما نجد حرص كبير من هذه الدول على قبول التنوع العرقي والديني للاجئين .
الانظمة الغربية الرأسمالية الديمقراطية حاليا وفي هذا العصر هي الدول الاكثر تطورا في العالم وهي بنفس الوقت الاقوى اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا ، والانظمة الديمقراطية هي الوحيدة تكون قادرة على استيعاب هذا التنوع العرقي والديني وهضمها وتحويلها الى قوة مضافة الى مصادر قوتها الكامنة ، ثقتهم المطلقة بقوة انظمتهم تجعلهم قادرين على إذابة كل المخلفات السيئة التي يحملها اللاجىء وبالنتيجة النهائية يصبح طاقة اضافية من نوع وشكل وحجم وتفكير وبذرة مختلفة بالنسبة لشعوب البلدان الغربية ، البلدان الغربية بحكم تجاربها الاستعمارية السابقة عرفت بأن لكل نوع بشري في كوكب الارض مزايا وتركيبة عقلية ونفسية وبيئية مختلفة ، فأذا استطاع احدهم ان يجمع هذا التنوع المختلف ذات الطاقات الهائلة في مجتمع واحد يستطيعون التعايش فيما بينهم بعيدين عن الميول الدينية والعرقية فإنهم سيتحولون الى قوة مبدعة خلاقة متنافسة تصنع المعجزات ، وهذا ما نراه على ارض الواقع ، مع كل ابداع علمي او تكنلوجي او فني او رياضي او ادبي في هذه الدول نجد وراءه نوع بشري معين من سكان القارات السبعة او حتى الجزر النائية وقسم من سكان هذه الجزر الى الامس القريب كانوا يعيشون الحياة البدائية ، حتى ان تطور هذه البلدان اي بلدان العالم الغربي ، اصبح بوتيرة سريعة جدا بحيث كل يوم نشعر بإن الفارق الزمني اصبح كبير جدا مع بقية دول العالم التي ترفض او لا تتقبل الديمقراطية التعددية شكلا وكيانا وعرقا وثقافة ، او تتقبل الديمقراطية بمستوى محدد استجابة للضغوط التي تواجهها ……
في مجتمع مثل المجتمع العراقي تجد التنوع موجود في طبيعة وتركيبة سكان هذا البلد ويكاد يكون هذا التنوع الاغرب في مساحة ليست شاسعة مترامية الاطراف وغرابتها تأتي من حيث عدد الاديان والمذاهب والعرق والثقافة والتركيبة عاشت لمئات السنين قريبة من بعضها البعض وهذه صفة قلما نجدها في بلد أخر غير العراق ، ولكن للأسف الشديد بسبب تسلط الانظمة ذات العرق او الدين او المذهب الواحد على شؤون البلاد فقد تحول التنوع الى نقمة وجحيم وسفك للدماء بالرغم من ان افراد الشعب يحاولون جاهدين ان يتعايشون بألفة ومحبة وتقارب لكن للعقيدة والانتماء كلمة الفصل .
ثقافة التعدد وثقافة قبول الرأي الاخر وثقافة ان الارض للجميع هي وحدها تبني الامم وتنهي التعصب والكراهية .
حرية الإنسان وحقوق الإنسان وحقوق المراة وحقوق الطفل وحقوق المعاق وحقوق الحيوان وحقوق البيئة كلها عوامل اساسية ساعدت على تقبل الاخر ثقافيا واخلاقيا واجتماعيا فأصبح الناس كأسنان المشط مع كل الاختلافات بينهم اي لم يعد فقط المؤمنون كأسنان المشط ، وهذه ميزة جعلت هذا الكائن الذي اسمه بشر ان يتفرغ لمقارعة الطبيعة ومقارعة الكوارث والاوبئة والتفرغ الى اكتشاف العوالم الاخرى من عالم الحيوان الى عالم النبات الى عالم الحجر الى عوالم الكواكب ، ثم يأتيك من هو لا يعرف معنى ثقافة التعايش السلمي ليعيب هذه المجتمعات وينتقص من وجودها وهذا ليس بشيء غريب على من تشبع بالحقد على كل ما هو إنساني ولكن الغريب ان تجد افواج من الناس يصدقونه .
لقد اثبتت التجارب ان الدول الغربية ذات الانظمة الديمقراطية تمكنت من تطوير نفسها اضعاف مضاعفة من خلال اللاجئين والمهاجرين ومن ناحية ثانية انتعشت الصناعة والتجارة والايدي العاملة بالاضافة الى وجود اللاجئين كعامل تنافسي علميا ورياضيا وفنيا وتغطية لكل الثغرات التي سببتها الثورة الصناعية الكبرى في القرون الماضية ومنها نقص المواليد والانعزال الاجتماعي للفرد الاوربي والامريكي او الكندي او حتى الاسترالي وتباطؤا عجلة التطور وغيرها من الثغرات التي كادت ان تشل المجتمعات الغربية ولكن بفضل فتح باب الهجرة واللجوء تغيرت المعادلة واصبح كل شيءٍ ضار اصبح نافع وبشكل مذهل . وقد اثبتت التجارب ان كل الكائنات الحية على الارض ومن ضمنها حتى الحشرات قادرة على التعايش السلمي بعضها مع بعض وان الارض تسع لأضعاف مضاعفة من البشر عند تقبل الناس بعضهم لبعض .
لايمكن للإنسان تقبل الرأي الاخر والتعايش مع النقيض مالم يؤمن بمبادئ وقيم الديمقراطية الحقة ومالم يؤمن بحرية الإنسان ومالم يؤمن بإن مساحة حريته ومعتقده لا تتجاوز حقوق وحرية ومعتقد الاخرين ، والا فالصراعات الدموية تكون السبيل الوحيد والتعايش مستحيل . وهذا يعني بأن الإنسان في المجتمعات المعاصرة سيكون مجبرا لا مخيرا ان يختار الطريق الصحيح للعيش ولا يكلف نفسه ومجتمعه واجياله عناء الصراعات والقتل والتنكيل والسماح للأطراف الشريرة بالتدخل لزيادة الالام والجروح وهذا الطريق هو قبول الاخر مهما كان شكله او معتقده او كيانه والفاصل بينهما قوانين الدولة ، ولكن للأسف البعض ممن يجد في نفسه القوة والجهل سوف لا ينحني الى ما هو خير له ولأبنائه ظنا منه بأن الحياة عبارة عن ثأر وانتقام ولا فرصة للتصحيح او التغير رغم ان تجارب الشعوب ماثلة امامنا ، التجارب الشريرة والتجارب الخيرة . المهاجرون واللاجئون المتعبون في بلدانهم وغير القادرين على بناء ذواتهم يتحولون الى كائنات مبدعة متفوقة في بلدان المهجر ، وهذا الفارق يجعلهم مصدر عطاء للبلدان التي استضافتهم وكرمتهم فلكل فعل ردة فعل وهذا هو طبع البشر عطاء ومحبة وابداع . الضمانة الوحيدة لحقوق اللاجئين والمهاجرين وتعاملهم بمساواة مع باقي افراد المجتمع وابناء الارض الاصليين هو وجود دستور واضح وصريح ووجود قوانين غير قابلة للتأويل بذلك تصبح المواطنة التزام وتأدية واجب بعد ان كانت مفردات عاطفية نتغنى بها ، فهل سيأتي اليوم الذي ستدرك فيها شعوب الارض وحكامها هذه الحقائق ام ستبقى العقلية القبلية هي التي تحكم ؟ وهل من حقنا ان نحلم بوجود مهاجرين من بقاع الارض يقصدون بلداننا بحثا عن حياة افضل ؟ ام اننا ارتضينا ما رضي به الاولون .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here