بلينكن: خطر الصين متزايد ولا نبحث عن حرب باردة معها

وزير الخارجية الأميركي يرسم خريطة طريق لعلاقة معقدة مع بكين
بلينكن متحدثاً عن سياسة بلاده حول الصين في جامعة جورج واشنطن بواشنطن أمس (أ.ب)
واشنطن: هبة القدسي

شدد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، على أن الولايات المتحدة ترى في الصين أخطر تحدٍ طويل الأمد للنظام الدولي، وأنها تحاول إعادة تشكيل النظام الدولي بما تمتلكه من قوة اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية وتكنولوجية للقيام بذلك. كما اتهم «الحزب الشيوعي الصيني» الحاكم بممارسة القمع في الداخل والعدوانية في الخارج. وإذ وصف العلاقة بين البلدين بأنها معقدة، أقر في المقابل بضرورة التعاون بين واشنطن وبكين في مواجهة التحديات؛ من أزمة المناخ، إلى الطاقة، و«كوفيد19»، والأسلحة النووية.
وأعلن بلينكن، في خطاب بجامعة جورج واشنطن ظهر أمس الخميس، أن الولايات المتحدة لا تبحث عن صراع أو حرب باردة جديدة مع الصين، وأنها لا تسعى إلى تغيير السلطة أو منع الصين من تنمية اقتصادها أو النهوض بمصالح شعبها، مشدداً على أن دور الولايات المتحدة هو تعزيز القانون الدولي والاتفاقيات والمبادئ التي تحافظ على الأمن والسلام وتحمي حقوق الأفراد والدول.
ورأى كبير الدبلوماسيين الأميركيين أن الولايات المتحدة والصين «سيكون لهما دور محوري في الاقتصاد العالمي، ولو أن العلاقة بينهما هي أكثر العلاقات التاريخية تعقيداً». وقال: «لدينا خلافات عميقة مع (الحزب الشيوعي الصيني) والحكومة الصينية، لكنها اختلافات بين الحكومات والأنظمة وليست بين شعبينا»، مشيراً إلى أن الصين «أصبحت مختلفة عما كانت عليه قبل 50 عاماً حينما كانت معزولة وتكافح الفقر والجوع». وأضاف: «أصبحت الصين اليوم قوة عالمية ذات نفوذ وتأثير وطموح، وأصبحت موطناً لكبرى شركات التكنولوجيا، وتسعى إلى السيطرة على تقنيات وصناعات المستقبل وتحديث جيشها لتصبح قوة قتالية من الدرجة الأولى ذات امتداد عالمي ولها طموحات في المحيطين الهندي والهادي».
ولخص استراتيجية بلاده تجاه الصين بأنها «تعتمد على 3 عناصر: الاستثمار، والاصطفاف، والتنافس». وقال: «سوف نستثمر في أسس قوتنا في الداخل، وهي قدرتنا التنافسية والابتكار والديمقراطية، وسنعمل؛ بتنسيق جهودنا مع شبكة من الحلفاء والشركاء وتسخير هذين العنصرين، للتنافس مع الصين، والدفاع عن مصالحنا ورؤيتنا للمستقبل».
وأشار إلى التوجهات الاستثمارية في البحث والابتكار والتكنولوجيا وتوفير الاستثمارات للبنية التحتية وتعزيز سلاسل التوريد، وإلى الاتفاقات الاقتصادية التي أبرمها الرئيس الأميركي جو بايدن خلال رحلته الآسيوية ومع الشركاء الأوروبيين. وقال: «نريد التجارة والاستثمار بشكل عادل بما لا يعرض أمننا القومي للخطر، وسنعمل على الحفاظ على العلاقات الاقتصادية التي تربط بين الولايات المتحدة والصين. وإذا اتخذت الصين إجراءات ملموسة لمعالجة مخاوفنا؛ فسنستجيب بشكل إيجابي؛ لأن المنافسة لا يجب أن تؤدي إلى الصراع».
وتطرق إلى الخلاف حول تايوان، مكرراً تصريحات المسؤولين بأن سياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان لم تتغير، وأنها لا تزال ملتزمة بسياسة «صين واحدة» وقانون العلاقات مع تايوان. وقال: «نهجنا ثابت عبر العقود والإدارات، ونحن نعارض أي تغييرات أحادية الجانب للوضع الراهن، ولا نؤيد استقلال تايوان، ونتوقع حل الخلافات بالوسائل السلمية».
وعبر عن مخاوفه العميقة بشأن ممارسات حقوق الإنسان في الصين وما تعدّها إدارة بايدن حملة إبادة جماعية ضد المسلمين الأويغور والأقليات العرقية الأخرى، وما تعدّها جرائم ضد الإنسانية في مقاطعة شينجيانغ غرب الصين. واتهم الصين بالترويح لمطالب بحرية غير قانونية في بحر الصين الجنوبي، وتقويض حرية الملاحة، وخرق قواعد التجارة، والإضرار بالعمال والشركات في الولايات المتحدة.
ولمح إلى التعاون الصيني – الروسي قائلاً: «كيف تدعي الصين الدفاع عن السيادة وسلامة الأراضي، وتقف مع حكومات تنتهك بوقاحة هذه المبادئ…؟ إن دفاع بكين عن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يجب أن يدق ناقوس الخطر لنا جميعاً في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وهذه لحظة مشحونة للعالم، والدبلوماسية أمر حيوي لأنها الطريقة التي نعبر بها عن مخاوفنا العميقة ونقدم وجهة نظرنا ولمن لديه شكوك في النوايا». وأكد استعداد بلاده لزيادة الاتصالات مع بكين، ملوحاً بأن الولايات المتحدة لديها أقوى جيش وأقوى اقتصاد في العالم، وأنها ستظل تواجه التهديدات الاقتصادية والعسكرية التي تشكلها الصين رغم تحديات روسيا والخصوم الآخرين.
وبرر تحركات إدارة بايدن لتعزيز التحالفات الأميركية – الآسيوية بالقول: «لا يمكننا الاعتماد على بكين لتغيير مسارها، لذلك فسنشكل الاستراتيجية حول بكين لتعزيز رؤيتنا لنظام دولي مفتوح وشامل. ويعتقد الرئيس بايدن أن العقد الحالي سيكون حاسماً، وستحدد الإجراءات التي نتخذها في الداخل ومع الدول في جميع أنحاء العالم رؤيتنا للمستقبل، واستراتيجية بايدن هي الاستثمار والمحاذاة والتنافس».
ولم يكشف خطاب بلينكن عن سياسات جديدة أو تحركات جديدة بشأن مواجهة الصين، لكن الخطاب شكل محاولة جادة لتوضيح استراتيجية إدارة بايدن حول كيفية التعامل مع بكين.
وأشار المحللون إلى أن الخطاب سعى لتهدئة المخاوف حول توجهات إدارة بايدن تجاه تايوان، بعد جدل واسع حول تصريحات بايدن بشأن الدفاع عنها عسكرياً إذا أقدمت الصين على غزوها، وما يتعلق بموقف إدارته من «سياسة الصين الواحدة»، والتحركات التي تقوم بها إدارة بايدن لتعزيز التحالفات في مواجهة طموحات الصين الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
وواجهت الصين بغضب كبير تصريحات بايدن، وحذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بأن بكين ستتخذ إجراءات صارمة لحماية سيادتها ومصالحها الأمنية.
وكان من المقرر أن يلقي بلينكن خطابه قبل رحلة بايدن إلى آسيا الأسبوع الماضي، لكن الخطاب أُجّل بعد إصابة وزير الخارجية بفيروس «كورونا».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here