ثقافة الاذلال

ثقافة الاذلال، نعيم الهاشمي الخفاجي

أبدعت البشرية عبر تاريخها القديم والحديث في اتباع ابشع الطرق وأنكاها في إبادة الإثنيات الدينية والقومية من خلال شن الحروب، أسوأ وأقبح الصراعات التي عصفت في البشرية منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا هي قضية إلغاء الآخر الشريك بالوطن والإنسانية واظهاره بمظهر المجرم والشرير والعاصي والكافر بالله عز وجل في محاولة دنيئة إلى إقصاؤه، واستئصاله من الوجود، العقلية الإقصائية متجذرة في أصحاب المذاهب الدينية السماوية والوضعية وهذه العقلية الشريرة من أخطر الأمراض الفتاكة التي تعرف في المجتمعات المتعددة قوميا ومذهبيا، العقلية الاقصائية تصدر من الحاكم وأشرار المكون الديني والقومي الذي ينتمي إليه، بحيث يهيء الأرضية الخصبة إلى خرق المجتمع من قبل القوى الكبرى التي تريد أن تعبث في وضع البلد المستهدف واحتلال أرضه وسرقة ثرواتها، العقلية الاقصائية تكون أكثر عدوانية عند الحاكم المتطرف دينيا وقوميا وإن كان لايصلي ولايصوم، بحقبة حكم صدام الجرذ كان يدعي العلمانية لكنه مارس أقبح التمييز القومي والمذهبي بحق الشيعة العرب والكورد الفيليون، نقل لي صديق كوردي فيلي كان معتقل لكونه بالحزب الشيوعي العراقي يقول عندما كان يعذبني ضابط الأمن في مديرية الأمن العامة ببغداد يقول لي هم انت شيعي وشيوعي وكوردي كل هذه التي أنت تحملها كافية ان نعذبك ونذلك ونعدمك، لذلك وجود عقلية حاكمة اقصائية تهدد المجتمع وتكون أشد فتكا من الخطر الخارجي. الثقافة الإقصائية متجذرة في التفكير الشخصي الذي يتم من خلاله تشويه صورة الآخر والغاية إقصائه وتهميشه، ذكر لي صديق يعيش في الدنمارك منذ بداية سبعينيات القرن الماضي كان يذهب للعراق في زيارات إلى أهله ومعه صديقه سني عربي عراقي جبوري أيضا يعيش بالدنمارك في بعض الأحيان تصادف الصدف يذهبون للعراق مع بعض، يقول كنا في بغداد في عام ١٩٩٥ في مقهى وصديقه السني الذي يقيم معه بالدنمارك كان معه بالعراق يقول كنا نتحدث في أمور عادية وإذا بصديقه السني يقول لو كان الأمر بيدي اذبح كل شيعي عراقي، يقول التفت إليه قلت له للظاهر لديك حقد طائفي الآن أعلنت عنه بصراحة، تصوروا يعيش في دولة الدنمارك الديمقراطية وكان بوقتها لايصلي ولايصوم ولديه حقد ونزعة عدوانية مستعد لذبح كل مواطن عراقي لشيعيته بدون اي ذنب، لذلك صاحب العقلية الاقصائية يحاول التقليل من شأن أبناء الوطن من المذاهب الأخرى او اي مواطن لديه أراء ومواقف تختلف مع آرائه ومواقفه.

ثقافة الاقصاء والتهميش لم تكن غريبة على المجتمعات العربية والاسلامية، معاوية بن أبي سفيان اتبع ابشع الطرق في قتل كل من هو شيعي يوالي ال بيت رسول الله ص بل أعلن معاوية من خلال بيان رسمي قرأ من خلال منابر ثمانين ألف مسجد في لعن الإمام علي ع والبراءة منه وتصويره مجرم وقاتل حتى عندما وصل خبر استشهاد الإمام علي ع في محراب صلاة جامع الكوفة أهل الشام تعجبوا حسب ماذكر ذلك ابن هشام في تاريخه حيث قال اهل الشام أعلي يصلي، معاوية عليه لعنة الله أعلنها بصراحة برئة الذمة بكل من يوالي ابو تراب ( علي بن أبي طالب).

بظل طبيعة الاختلافات المذهبية والدينية والقومية نجد كل انسان يرى أنه على حق من وجهة نظره، هذه النظرة ليست معيبة ابدا لكن بشرط أن يؤمن بحق الآخرين في الاختلاف معه واحترام وجهات نظرهم، العراق يتسع للسني والشيعي والعربي والكوردي والصابئي والمسيحي والايزيدي و الكاكائي الاختلاف بالشكل واللون والقومية والديانة والمذهب هو من طبيعة البشر.

التطور في مجال الاتصالات بالثورة المعلوماتية الذي شهدته البشرية، الثورة المعلوماتية الهائلة منذ العقد الاخير من القرن والعشرين وبداية الألفية الحالية شهد العالم تطور غير مسبوق في وسائل الإعلام في مختلف المجالات، هذا التطور جعل العالم اشبه بقرية صغيرة ورأينا عمليات القتل والتفخيخ والسبي في العراق وسوريا واليمن وافغانستان واعدامات الاقليات الشيعية في السعودية وعمليات جرائم التيارات الوهابية التكفيرية في أفريقيا والعالم كشفت لكل المتابعين ثقافة الإقصاء والتهميش والسبي والتي تعني استئصال الأخر والقضاء عليه، وعدم اعتباره بشر او مسلم وبغض النظر يتم قتل الضحايا من الشيعة وهم داخل المساجد يصلون صلاة الجمعة بل يروحون لأكاذيب ان الشيعة لايصلون ولايصمون والغاية ابادتهم وتشويه سمعتهم، الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية تمارس دور نشر ثقافة التكفير والكراهية والاستئصال وفق منطلق ديني ويعتبرون ثقافة القتل والسبي من أفضل الأعمال التعبدية الاخلاقية التي ترضي الله عز وجل، مايتعرض له شيعة العراق من هجمات حتى من شركاء الوطن ومنهم أشخاص اكراد يعملون في المؤسسات الرسمية الكوردية يكتبون مقالات طائفية تستهدف تكفير الشيعة بل وصل الأمر ان بعض الكتاب الأكراد يغازلون السعودية من خلال اتهام الشيعة وتخوينهم بهدف إرضاء السعودية لحسابات تتعلق في حصول الأكراد على دولة مستقلة، ثقافة الاقصاء والكذب والتكفير يمارسها ومارسها بالعراق غالبية ساسة وقادة فلول البعث وهابي والغاية تشويه سمعة الشيعة بين عامة الناس وبشتى الوسائل وفي مختلف الطرق القبيحة والنتنة، المجتمعات العربية تعاني من خلافات قومية مذهبية منذ أن رسمت دول الاستعمار حدود هذه الدول العربية ونثبت عليهم حكام يعملون لصالح الاستعنار، لذلك المجتمعات العربية تعاني من صراعات قومية مذهبية وهي ارض خصبة تحتضن ثقافة الاقصاء والتهميش بحق الآخر، وذلك بسبب الصراع القومي والمذهبي وعدم وجود وعي ثقافي وانتشار ظاهرة تدهور الاخلاق وانحدار القيم إلى الحضيض.

العقلية الإقصائية أحادية التفكير، تنظر إلى العالم بمنظور اما اسود او ابيض، وأما معي أو ضدي ويعتقدون دائما انهم على صواب وهم الفرقة الناجية والآخرين على خطأ، وإما ان تكون معي خادم مطيع ذليل وإذا طالبت بحقك تصبح فارسي مجوسي كافر ….الخ

معالجة العقليات الاقصائية بالعراق لايمكن أن يكلل لها النجاح إلا في إيجاد نظام حكم يجمع كل مكونات الشعب بطريقة حكم تضمن حقوق الجميع في المشاركة وتجارب النظام الفدرالي مثل تجربة امارات دولة الإمارات العربية المتحدة هو أفضل وانجح الطرق لجلب الأمن والاستقرار للعراق لكن بيئتنا وخاصة البيئة الشيعية تعرضت لاضطهاد قرون من الزمان وتعرضوا إلى المسخ والعبودية انتجت لنا طبقات سياسية وثقافية لا تميز بين الصديق والعدو ومابين الناصح وال…..، متى ماتم إيجاد حلول لأسباب الصراع القومي والمذهبي بالعراق عندها تكون قد أسست أرضية صلبة لبناء دولة مستقرة، عندها يمكن العمل على إصلاح المؤسسات التعليمية، وتنقية مناهج التعليم من كل ما يثير الفرقة بين مكونات المجتمع، وتهميش الآخر والنظر إليه بدونية.

الثقافة الشيعية ورغم الاضطهاد والقتل لكنها ثقافة مبنية على قبول الاختلاف في الرأي والفكر والدين والمعتقد، من الأمور الإيجابية لدى الشيعة انهم يقبلون العيش من الأطراف الأخرى بدون تكفير وسبي وابادة والنظر إليهم بدونية، الأحاديث المروية على أئمة آل البيت عليهم السلام مادة تدريسية يتحدث بها الخطباء من خلال المنابر خلال مناسبات عاشوراء ومواليد ووفيات أئمة آل البيت عليهم السلام.

رحم الله الفيلسوف الشيعي الفارابي لديه قول، لا دولة فاضلة دون مواطن فاضل، وايضا يوجد قول لشاعر، لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها، ولكن أخلاق الرجال تضيق.

في بداية شبابي عشت بالعراق والسعودية ووجدت ثقافة الإقصاء لدى الفكر البعثي ولدى الفكر الوهابي لديهم سند يسيرون عليه نابع من العقائد والأفكار التي يؤمنون بها، يقصون ويقتلون الشيعي والايزيدي والمسيحي من منطلق عقاىدي وفكري نابع باسم الدين والمذهب يبيحون قتل خصومهم وهناك من الشيوخ وعاظ وحريم السلطان يبررون ذلك ويعابرونه جهاد في سبيل الله، وباسم الوطن والحفاظ عليه ، شيوخ السوء يستمدّون التكفير والتخوين من خلال تغير سلوكهم بحيث يقنعون انفسهم أن اعمالهم القبيحة بها رضا إلى الله عز وجل ليجدون مبررا لسلوكهم المنحرفة والضالة، يلجأ أصحاب العقليات الاقصائية إلى أسلوب التخوين وتضخيم الأحداث مثل مقال صاحبنا الكاكه الذي حاول تشويه سمعة الشيعة والافتراء عليهم والغاية لتبرير جرائم جماعات التكفيرالبعثية الوهابية من خلال القول لهم ان الشيعة ليسوا مسلمين او مثل قول هذا الأخ الكاكه والله شيعي مايسمى أبنائهم في اسم عايشة وابي بكر وعمر، الغاية من ذلك هو لتبرير تخوين وتكفير الشيعة لخلق بيئة كوردية معادية للمواطن الشيعي فيبدأ الصدام عقائدياً ليصبح سياسياً بل ودموياً في نهاية الأمر، ثقافة الإقصاء هذه لا تنطلق بالضرورة من نوايا سيئة بل انا متأكد ان الأخ الكاكه يعتبر ذلك عمل ديني الغاية منه رضا الله عز وجل ورضا الرسول محمد ص ورضا الأمام علي ع من خلال تكفير وقتل شيعتهم، نعم ان هذا الأخ الكاكه كتب من منطلق مذهبي متطرف ولديه ضيق في الفكر، وقصر في النظر، ونقص في الخبرة، وقصور في الفهم، بحيث هذا الضحية الكوردي يستغله أعدائه من رؤوس البعثيين قتلة الشعب الكوردي ومنفذوا جرائم الانفال التي سبيت به نساء الأكراد وبعيت فتياتهم في دول الخليج وغيرها على شكل جواري.

أسلوب الإقصاء والتهميش والإذلال بلا شك يترك آثار سلبية، لننظر للحالة الشيعية العراقية المزرية، بسبب اضطهاد طال لقرون عديدة انتج لنا هذا الاضطهاد طبقات سياسية وثقافية تصدرت المشهد السياسي خلال ال ١٩ سنة الماضية جلبت للمكون الشيعي العراقي القتل والذبح والإذلال، الساسة والطبقة الثقافية المتصدرة للمشهد السياسي تعاني من عقدة العبودية والذل والهوان، شيعة العراق ليس بالطرف الضعيف بل يملكون كل مقومات ونقاط القوة والسطوة، لكن عندما يكون غالبية الساسة من طبقة العبيد الأذلاء أكيد تكون النتائج كارثية، كان ولازال في إمكان ساسة وشيوخ قبائل الشيعة العراقيين وقف الإرهاب وقطع دابر التدخلات بشؤونهم من خلال تبني مشروع جامع لهم، ومطالبة كل شيوخ المكونات وبالذات المكون العربي والتركماني السني في مقاضاتهم وفق السنن العشائرية في دفع ديات لكل ضحية يقتل من خلال العناصر الإرهابية في تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف المواطنين العراقيين الشيعة، قبل عدة ايام حكمت محكمة ببغداد بالإعدام على ثلاثة إرهابيين فجروا مفخخة في حي شيعي عام ٢٠١٦ ببغداد تسببوا بسقوط خمسمائة شهيد، الإرهابيين الثلاثة أحدهم زوبعي والبقية لقبهم الدليمي.

حتى المجتمعات الغربية للأسف تعاملت مع اللاجئين العرب والمسلمين والأفارقة بعنصرية لو قارنا كيف الغرب استقبل ملايين الاوكران وتم منحهم إقامات وحقوق ودعم لا محدود وخلال ايام.

نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي

كاتب وصحفي عراقي مستقل.

2/6/2022

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here