نظرية معاداة الاسلام في الهند

د.سمير ناجي الجنابي

 الأسباب والآثار تكمن جذور هذا العنف في تاريخ الهند النابع من الاستياء المستمر من الهيمنة الإسلامية على الهند خلال العصور الوسطى، والسياسات التي وضعها المستعمرون البريطانيون في البلاد، والتقسيم العنيف للهند إلى باكستان الإسلامية، والهند مع أقلية كبيرة -ولكنها تبقى أقلية- مسلمة.

قصة الإسلام في شبه القارة الهندية مختلفة عن غيرها من الدول التي دخلها دين الله تعالى، ففي الوقت الذي تداعى الناس للدخول في دين الله أفواجاً في معظم البلدان التي فتحها المسلمون، نجد أنهم أبطأ بهم السير لفعل نفس الشيء في الهند.

وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال عن السبب، رغم أن المسلمين حكموا أجزاء كبيرة من شبه القارة الهندية لنحو ثمانية قرون.

بمطالعة سريعة للتاريخ نجد أن التَّماسّ الأول بين الإسلام وشبه القارة الهندية كان مع بداية الفتوحات وانتشار الإسلام عن طريق التجار المسلمين الذي دخلوا أجزاء في ولاية كيرلا جنوباً خلال فترة الخلفاء الراشدين.

ثم اتخذ الحراك الإسلامي تجاه الهند طبيعة الفتح خلال حكم الأمويين، الذين أرسلوا محمد بن القاسم مع نهاية القرن الهجري الأول، الذي تَمكَّن من فتح السند، ثم توالت الفتوحات في العصر العباسي، وتَشكَّل بعض الإمارات الإسلامية هناك، مثل إمارة السند والمنصورة والملتان.

بعد ذلك جاء الغزنويون مع بداية القرن الحادي عشر الميلادي، وتبلور للمسلمين خلال هذه الفترة حكم معرّف في كثير من الولايات والمناطق، وانتشر بشكل أكبر خلال حكم الغوريين ثم الخلجيين ومن بعدهم آل تغلق وغيرهم، وأخيراً المغول المسلمين، لنجد أن “حكم المسلمين” للهند أو لأجزاء كبيرة منها استمرّ حتى بداية الاستعمار الإنجليزي للبلاد منتصف القرن التاسع عشر.

في الوقت الحالي، وفي نظرة إلى ديموغرافيا شبه القارة الهندية المكوَّنة من دول الهند وباكستان وبنغلاديش، نجد أن تعداد السكان فيها يتجاوز 1.7 مليار وفق آخر إحصاءات ويكيبيديا (بنغلاديش 160 مليوناً، وباكستان 220 مليوناً، والهند 1.35 مليار)، يشكّل عدد المسلمين في الدول الثلاث مجتمعة أكثر من الثلث بقليل.

وهنا يثار السؤال الكبير: لماذا لم يدخل الناس في الإسلام أفواجاً في شبه القارة الهندية كما في معظم الدول التي فتحها المسلمون؟

تَعدَّدَت الآراء التي حاولت أن تقدم إجابة عن هذا السؤال، سأسعى هنا لتقديمها بشكل مُجمَل، يتيح للقارئ تشكيل صورة واضحة عن هذه القضية التي تشغل الكثيرين.

دُويلات وإمارات

على مرّ سنوات وجود المسلمين في الهند وقبل ذلك، لم تكن البلاد على شكلها الحالي دولة واحدة تحت راية واحدة، فمع اتساع البلاد ووجود كتل سكانية كثيفة في كل جزء منها، تشكلت ممالك ودويلات وإمارات لا ينظمها عقد حكم واحد.

فكان القول أن الإسلام انتشر بشكل طبيعي في المناطق التي حكمها المسلمون، فيما استعصى ذلك على المناطق التي استحكم فيها حكم الهندوس.

ويظهر ذلك جليّاً في التجمعات الهائلة للمسلمين في باكستان وبنغلاديش وكشمير وشمال الهند وحيدر آباد وبعض المدن في الجنوب، وهذا تفسير مقبول بالنظر إلى كثافة وجود المسلمين في هذه المناطق.

طبقية مستحكمة

لكن يقول رأي آخر إن النظام الطبقي المستحكم في الهند الذي أنتجته الثقافة الهندوسية على مدار قرون، تسبب في حرمان الملايين من الدخول في الإسلام.

فقد قسم هذا النظام المجتمع الهندوسي إلى أربع مراتب أساسية، يحتلّ فيها “البراهما”، وهم رجال الدين، الدرجة الأعلى، ثم يأتي بعدهم “الكشاتريا”، وهم الحكام والمحاربون، ثم التجار والحرفيون “الفايشيا”، وأخيراً “السودرا”، وهم الخدم والعمال.

مهلاً، هناك طبقة خامسة لا تنتسب أصلاً إلى هذا الترتيب، وهي طبقة “الداليت” أو المنبوذين، فجبلّتهم تنحدر بهم إلى مرتبة دون العبيد والحيوانات، وإلى حدّ أن كان الناس لا يلمسونهم، وكانوا يُمنَعون من المشي في ظل أحد من طبقة أعلى منهم.

أنّى لهذا الظلام المسيطر أن يسمح لدين جديد أساسه تكريم الإنسان والعدل بين الناس بالوصول إلى هؤلاء؟ لقد حال هذا النظام الموغل في امتهان الإنسانية دون وصول الإسلام إلى هؤلاء بصورته الحقيقة، وهذا سبب أول.

أما السبب الآخر، فيكمن في أن الداليت أنفسهم رأوا في الإسلام ديناً خاصاً بالطبقات الأعلى، لا تستطيع أنفسهم المجبولة على الشعور بالدونية والامتهان الانتساب إليه، بل إن من الخطورة حتى التفكير بالانتماء إليه، والتحرر من ربقة الامتهان.

وفي المقابل، تأثر كثير من الحكام المسلمين بهذا النظام، واعتبروا -إما لجهل وإما عن قصد- أن هذه الطبقة لا يجدر بها أن تدخل الإسلام، وكان لجهل هؤلاء الحكام باللغة العربية وأحكام الدين أثر سيئ في انتشار الدين بين هذه الطبقات.

سياسة ودين

ويقودنا هذا إلى محور آخر يتعلق بالحكام المسلمين، الذي تداولوا على حكم البلاد، فهناك من يقول إن الهند حُكمت بالمسلمين لا بالإسلام، فكثير من الحكام كانوا حديثي عهد بالإسلام، وغابت عنهم حقيقته ولم يطبّقوا شريعته.

فسارع كثير منهم إلى عقد تحالفات مع النخبة الهندوسية للحفاظ على ملكه، وأعطوا هذه النخب مطلق الحرية في دينهم وإقامة طقوسهم وشعائرهم، ولم يعيروا اهتماماً لدعوة الطبقات الأقلّ شأناً ونشر الدين بينهم، وشكّل الفهم الخاطئ لـ”عدم الإكراه” وسيلة للتخلص من أعباء الدعوة إلى الإسلام.

أما من دخل في الإسلام من السكان، فكان ذلك بفضل العلماء والمشايخ الذين قاموا بدور كبير في الدعوة إلى الله تعالى ونشر الإسلام، وبجهد فردي دون دعم حقيقي أو اهتمام من الطبقة الحاكمة.

وتروي كتب التاريخ أن أكبر شاه -وهو واحد من أعظم حكام المغول في الهند- حاول إيجاد “عقيدة مشتركة” و”دين جديد” يجمع الثقافات الهندوسية والبوذية والزرادشتية مع الإسلام، سعياً منه لكسب ودّ أتباع هذه الثقافات، لتثبيت سلطانه في البلاد، لكن من أتى بعده من الحكام رفض ما جاء به، وتمكن الحاكم أورنغزيب من إبطال ما ابتدعه أكبر شاه، وسعى لنشر الإسلام وتدوين العلوم والفقه.

اضطهاد طبقي

وهناك قول إن الغالبية العظمى من مسلمي الهند وباكستان وبنغلاديش -من غير المسلمين الفاتحين وطبقة الحكام- أسلموا هرباً من الاضطهاد الطبقي من قبل النخبة الهندوسية، أي إن الإسلام شكّل طوق نجاة لهم، وفرُّوا إليه لحماية أنفسهم.

نقطة أخرى تضاف إلى ما سبق، هي أنه على الرغم من الاختلافات الكبيرة والتناقضات الكثيرة في الثقافة الهندوسية، فإن وجود الهندوس تحت سلطة دينية واحدة تمثلت في رجال الدين في المعابد المنتشرة بشكل لافت في كل مكان، أسهم إلى حد كبير في السيطرة على الأتباع والعامة، ومنعهم من التحول عن دينهم، وفي المقابل تَشتَّت المسلمون بين مذاهب وطوائف وفرق مختلفة، دون وجود سلطة دينية موحدة، إضافة إلى غياب سلطة الحاكم المسلم، مما حال إلى حد كبير دون دخول الناس في الإسلام.

بقي أن نشير إلى دور الاستعمار الإنجليزي الذي عمل على اضطهاد المسلمين، وتقريب الهندوس وتمكينهم، مما كان له أثر كبير في انحسار المدّ الإسلامي في البلاد، وتقويض أركانه، وأوصل المسلمين في الهند إلى ما هم عليه الآن، خصوصاً بعد تقسيم شبه القارة الهندية وانتقال أعداد كبيرة من المسلمين في الهند إلى مشروع دولة الإسلام الجديدة في باكستان وشِقّها الشرقي بنغلاديش.

في اجتماع ديني سري، وجه الكاهن الهندوسي القومي المتطرف ياتي نارسينغاناند تحذيرًا للهندوس في الهند البالغ عددهم مليار نسمة، يطالبهم فيه بإنجاب المزيد من الأطفال أو الاستعداد للعيش في دولة إسلامية.

فقد قال في هذا الاجتماع بعد خروجه من السجن بكفالة بتهمة خطاب الكراهية: “الطريقة التي تزداد بها أعداد السكان المسلمين تقول إن رئيس الوزراء في 2029 سيكون مسلمًا، وبمجرد حدوث ذلك فإن 50% من الهندوس سيُجبرون على تغيير دينهم وسيُقتل 40% منهم“.

في بداية هذا الشهر، كشفت بيانات المسح الحكومي عن كذبه الصارخ، فرغم أن 14% فقط من سكان البلاد مسلمون، فإن دعوة نارسينغاناند تكرر ما قاله المتطرفون الهندوس لأجيال لإثارة القلق بشأن احتمالية سيادة المسلمين في الهند التي يتبع 80% من سكانها الديانة الهندوسية، والخرافة الوحيدة التي يستشهدون بها كثيرًا تقول: ارتفاع معدل الخصوبة بين المسلمين مقارنة بالمجتمعات الأخرى في الهند.

والآن تثير حوادث إطلاق النار الجماعية في بافلو ونيويورك فحصًا حديثًا لنظرية اليمين المتطرف الأمريكي “الاستبدال العظيم”، وتكشف البيانات الجديدة عن نسختها الهندية، إذ يزعم الهندوس أنهم ضحايا النمو الديموغرافي السريع للمسلمين.

أظهر المسح الوطني الحديث لصحة الأسرة في الهند انخفاض معدل خصوبة المسلمين لتصبح الأقل بين كل المجتمعات الهندية في الفترتين بين 2015-2016 و2019-2020، والآن أصبحت 2.36 أي نصف النسبة التي وصلت 4.4 قبل 3 عقود.

ورغم أنها الآن النسبة الأعلى بين الأديان الأخرى في الهند، فإن الفجوة بينها وبين معدل خصوبة الهندوس – 1.94 – تقلصت، تؤكد ذلك نتائج الإحصاءات الحديثة لمركز أبحاث بيو في سبتمبر/أيلول الماضي.

يقول رئيس مفوضية الانتخابات الهندية السابق إس واي قريشي الذي يتحدى كتابه “أسطورة السكان” هذه الفكرة: “الأمر واضح كضوء الشمس: فالفكرة التي تقول إن المسلمين سيصبحون أكبر مجتمع في الهند خادعة تمامًا“.

يقول النقاد إن تعليقات نارسينغاناند كذلك في أبريل/نيسان ألمحت إلى ذعر آخر وهو جزء من أدوات القومية الهندوسية الذي يقول إن التحولات الدينية القسرية تستنزف سكان المجتمع.

أثبتت ستيفاني كرامر – خبيرة ديموغرافية دينية قادت دراسة مركز بيو العام الماضي – أن عدد الأشخاص الذين يتحولون إلى الهندوسية مساو لعدد الأشخاص الذين يتركونها، ووفقًا لدراسة مركز بيو، فإن 0.7% من الهنود الذين وُلدوا على الديانة الهندوسية يتبعون دينًا آخر الآن، بينما تحول 0.8% ممن وُلدوا على ديانات أخرى إلى الهندوسية.

الوضع نفسه بالنسبة للمسلمين، عدا أن أعداد المسلمين تقل بطريقة أخرى، تقول كرامر: “يفقد المسلمون نفس عدد الأشخاص نتيجة تغيير الدين، إضافة إلى هجرة الكثير من المسلمين خارج الهند“.

ما دام هناك دعم مؤسسي لنظرية “الاستبدال العظيم” فإنها لن تختفي

يقول قريشي إن الخوف من هذا التهديد المفترض للأغلبية الهندوسية تزايد خلال الثماني سنوات الأخيرة، يتزامن ذلك مع حكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه الهندوسي القومي “بهاراتيا جاناتا“.

في نفس اليوم الذي أطلق فيه نارسينغاناند تصريحاته، طالبت سادفي ريثامبارا، الزعيمة بمنظمة “Vishwa Hindu Parishad” (VHP) اليمينة الهندوسية المرتبطة بالحزب الحاكم، الأزواج الهندوس بإنجاب 4 أطفال.

إذا كان أعضاء الكونغرس والشخصيات الإعلامية البارزة في الولايات المتحدة قد ساهموا في تضخيم نظرية “الاستبدال العظيم” فإن أعضاء البرلمان في الهند والقنوات التليفزيونية روجوا لكذبة التهديد الديموغرافي بين الهندوس.

ورغم أن مودي نادرًا ما يشترك هذه الأيام بشكل مباشر في تلك التعليقات الجدلية، فإنه غذى مخاوف الانفجار السكاني المسلم في الماضي، ففي 2002، بعد أعمال الشغب المناهضة للمسلمين في ولاية غوجارات حيث كان رئيسًا للوزراء هناك، سخر مودي من مخيمات الإغاثة واصفًا إياها بمصانع لإنتاج الأطفال، فقد قال: “نحن 5 ولدينا 25″، على غرار شعار تنظيم الأسرة الهندي “نحن اثنان ولدينا اثنان“.

غالبًا ما ترفض حكومة مودي أي بيانات مزعجة من باحثين أجانب أو منظمات دولية، فقد رفضت القبول بتقديرات منظمة الصحة العالمية التي قالت إن أكثر من 4 ملايين هندي – 8 أضعاف الرقم الرسمي – ماتوا بسبب كوفيد-19.

يصبح أتباع هذا المنهج أكثر صعوبة عند ملاحقة البيانات التي تأتي من الحكومة نفسها كما هو الحال في الإحصاءات الجديدة لمعدلات الخصوبة.

عند سؤاله عن الأرقام الجديدة، كان ألوك كومار – الرئيس الدولي لمنظمة “VHP” – أكثر حرصًا من زميلته ريثامبارا، إذ قال: “بدلًا من مجرد النظر إلى الفجوة بين معدل الخصوبة، يجب أن ننظر إلى الرقم المطلق، الذي هو أعلى لدى المسلمين، هذا أمر يجب أن يفكر المسلمون فيه“.

في الواقع، يقول مارغوبور رحمن – الباحث في المعهد الدولي للدراسات السكانية ومقره مومباي الذي قاد مسح الحكومة الهندية الحديث -: “ازدادت نسبة استخدام المسلمين لوسائل منع الحمل الحديثة بشكل كبير، من 22% عام 1992-1993 إلى ما يقرب من 66% في 2019-2020“.

رغم تلك الحقائق الواضحة، فإن قريشي ما زال متشككًا في أن يتخلى اليمين الهندوسي المتطرف عن روايته المتطرفة، حيث يقول: “ما دام هناك دعم مؤسسي لتلك النظرية فإنها لن تختفي، لكن ذلك لا يغير من مسؤوليتنا، فسنستمر في مواجهة الأكاذيب بالحقائق“.

نشرت صحيفة “الغارديان ” تقريرا، أشارت فيه إلى “نظرية الاستبدال العظيم” التي يطلقها المتطرفون الهندوس ضد المسلمين في الهند.

وأوضحت الصحيفة أن الكاهن الهندوسي المتطرف ياتي نارسينغاناند كان قد وجه تحذيرا صارخا لمليار هندوسي في الهند، دعا فيه إلى إنجاب المزيد من الأطفال، وإلا فإنهم سيجبرون على العيش في دولة إسلامية.

وأعلن الكاهن الهندوسي المتطرف في اجتماع ديني الشهر الماضي، وكان قد خرج بكفالة بعد اعتقاله في وقت سابق من هذا العام بتهم خطاب الكراهية: “بهذه الطريقة التي تتزايد بها أعدادهم [المسلمين]، سيكون هناك رئيس وزراء مسلم في عام 2029.. بمجرد حدوث ذلك، سيضطر 50% [من] الهندوس للتحول الديني، وسيُقتل 40%”.

في وقت سابق من هذا الشهر، كشفت بيانات ناتجة عن مسح حكومي عن كذبه الصارخ. على الرغم من أن 14% فقط من البلاد يتبعون الإسلام، فإن دعوة نارسينغاناند تكرر الخط الذي استخدمه العنصريون الهندوس لأجيال للتحريض على القلق بشأن احتمالية وجود أغلبية مسلمة في الهند في دولة 80% من سكانها هندوس. الأسطورة الوحيدة التي يتم الاستشهاد بها بشكل متكرر: معدل الخصوبة أعلى بشكل ملحوظ بين المسلمين مقارنة بالمجتمعات الأخرى في الهند.

 

https://youtu.be/6sfbOHL19JM

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here