سأموت واقفا : قصة قصيرة

سأموت واقفا : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

شعرتُ فجأة بأنني أوشكت على الاختناق بل أكاد أن الفظ آخر أنفاسي المتقطعة بحكم ضغطة ضارية و رهيبة على رقبتي من قبل كائن مجهول و عملاق يجثم على صدري بثقله الباهظ و الساحق ، كان ثقيلا جدا ، كما لو كان عبارة عن عامود سميك وطويل من كونكريت مسلح ، بحيث كنتُ عاجزا ليس فقط عن حركة إنما حتى عن تزحزح بسيط تحت ذلك الثقل الجاثم و الرهيب ، فكلما حاولت التحرك أو حتى مجرد مقاومة للإفلات و الخلاص من وضعي الفظيع و شبه اليائس فكان شعوري بالعجز و الشلل المطلقين يزداد ضراوة و فداحة ، حتى بدا لي كأنني لستُ اكثر من صخرة جامدة وملتصقة في مكانها الثابت و الراسخ منذ مئات سنين !..
غير إن بقايا قوة شغفي بالحياة و غريزة البقاء العنيدة لم تغادرني نهائيا ، إنما كانت تشّحن بطارية أملي بطاقة زاخرة ووثّابة من تصميم و عزيمة وروح تحدِ عجيب !، قد أذهلتني بروعة روح المقاومة الكامنة ، و توهجت لهيبا عاليا في أولمبياد روحي ، و أخذت تمنحني شعلة قوية من إرادة صلدة وروح انتفاضة جبارة للمقاومة حتى أخر نفس ، لذا فما كان مني إلا أن تزحزحتُ بكل بكل ما جمعتُ من قوة واهنة و خائرة من جراء ضغطة اختناق فظيعة ، ودفعتُ ذلك الكائن الأسطوري و العملاق دفعة قوية بعيدا عني ، بل و قمتُ مضطربا ، متعثرا ، لأهيم بمطاردته من أركان البيت كله ، عسى ولعله كان مختفيا ، قلتُ مع نفسي ، ولكنه ربما كان قد اختفى نهائيا ، ليغيب في سديم الظلام المحيط في الخارج .. ولكنني كنت لا زلتُ أشعر أو اتخيل بطيف وجوده العائم كالهواء المشحون و حتى بأنفاسه اللاهبة والحارقة حولي ، ربما متلصصا ومترصدا لاقتناص أقرب فرصة متوالية للانقضاض علي َّمجددا ..
فصحتُ في أعقابه و بروح تحد عالية و ثقة مطلقة بالنفس ، و كمن متأكد من حقيقة وضعه المظفر والمنتصر و الفالت من قبضة تدميره الساحق :
ـــ أنت يا من هناك !..مهما تلصصتُ علي .. و مهما ترصدت إياي مغتنّما فرصا للانقضاض .. فلن تتمكن مني قطعا .. فأنا قررت ان اموت واقفا في ميادين أوقات غير محددة و خالية من ظلك الشرير و القاتل ..
فشيئا فشيئا أخذتُ أسترد أنفاسي كاملة و بنشاط و حيوية ، ربما بفضل نسمة نقية اخذت تتسرب عبر النافذة المفتوحة إلى أركان الغرفة على شكل دفعات منعشة و عذبة !..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here