يترحمون على عهدهم الأسود

الخليل علاء الطائي

يواجه المُتابع في هذا الزمن أسماء كُتاب تشبه اللاّفتات المزيفة تُخفي مضامينها الحقيقية مثل (بيع العطور) وفي الداخل بيع المخدرات.

تلك الأسماء المُركبَّة بعناية لإيهام القارئ بملائمة الوضع القائم والظرف الآني مثل تعظيم الإسم بالشهادة العليا ( بروفسور ثم دكتور؟) إذن هو عالم ومُفسر أحلام ومُتنبئ جوَّى وعالم بمصائر البشر. بعد الشهادة يأتي الإسم ولكي تكتمل وظيفة الإسم لابد من إضفاء الصبغة الشيعية؛ سامي من السمو و(سيِّد) و(عكلة) إسم شيعي و(موسوي), إذن القالب يستدعي التوقف وقراءة ما يقوله هذا السيِّد العالِم. لايستغرب القارئ أن يقرأ لبعثي يُكرر مقولات عفا عليها الزمن.

عنوان مقال البروفسور ومقدمته الترحُّم على نظام حزب وشخص دكتاتور تسلَّط على حكم العراق في فترةٍ من أشّد فترات التأريخ ظلاماً, خصوصاً في العقود الثلاثة التي سيطر فيها صدّام على الحزب والسلطة والجيش وبدأ فيها التراجع والإنتكاسات وزج العراق في حروب عبثية وما تمخَّض عنها من دمار في الحياة الإجتماعية والإقتصادية وأوقفت التطوُّر في الحياة المادية والمعنوية. كانت الحريات السياسية مؤممة للقرار الفردي, أما الكيان الكارتوني المسمى حزب البعث فكان مؤدلج على التبعية وفقدان حق الكلام والكرامة, حتى الكرامة الشخصية كانت تُصادر لمجرد إجبار الإنسان على الإنتماء إلى حزب البعث أو مواجهة مصير مظلم. عندما نقرأ الهوَس الإنفعالي لهذا البعثي أقول إنتصرنا وسقطوا فعلاً هم وطاغيتهم. سقطوا بحكم الشعب وكانت محاكمة عادلة وعلنيَّة ومنقولة على الهواء مباشرةً. هل كان النظام البعثي يمنح هكذا محاكمات لمعارضية, حتى البعثيين منهم, قصة قاعة الخلد معروفة. آلاف الجرائم إرتُكبت في عهدهم كشفتها المقابر الجماعية. بعد ذلك يأتي خلط الأوراق بالعاطفة الشعارية أيام الضجيج والتغطية على الأزمات بنشيد – مدَّ على الأفق جناحا – فحتى كاتب هذا النشيد أُقصي من الحزب ومات منبوذاً. يرى البروفسور أن أنظمة التعليم والصحة والزراعة والصناعة كانت في أعلى مراحل تطورها.. وكان الدينار العراقي يساوي ثلاثة دولارات. نعم كان ذلك قبل سيطرة صدّام على الحزب والسلطة والجيش وما ملكت أيمانه ليبدأ التراجع والهبوط وتوقف التنمية وتدهور الإقتصاد وتفكك القيم الإجتماعية. وبدأ مسلسل الحروب العبثية وما رافقها وأعقبها من فقر وجوع وأمراض وفساد في هياكل الدولة والحزب والجيش. هل يتذكر البروفسور سيِّد عكلة أيام كان الأستاذ الجامعي يبيع السجائر- المفرد- والطبيب عامل مطعم وآلاف الموظفين وأصحاب الشهادات يبيعون السكراب في بسطيات سوق الجمعة, كانت سنوات الذل البعثية. أمّا عن الحريات فحدِّث ولا حرج؛ الخطف والإغتيال وتهديم البيوت وترحيل الناس وإمتلاء السجون والإعدامات؛ تلك كانت صفة الحياة اليومية للعراقيين. يقول أن قيمة الدينار العراقي كان يساوي ثلاثة دولارات كان ذلك في مطلع العقد السبعيني لكن مرحلة الهبوط التي أشرنا إليها كانت في عهد صدّام حيث وصلت قيمة المائة دولار تساوي 250000-300000دينار عراقي. كان البلد يحترق شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً حتى إنفجرت الأوضاع بإنتفاضة شعبية شاملة حررت أربعة عشر محافظة وأثبتت وقائعها تلاشي منظمات الحزب في ساعات قليلة. وكشفت تلك الهزائم مسلسل التلفيقات التي إختصّ بها برنامج فيصل الياسري بعد قمع الإنتفاضة بمساعدة الجيش الأمريكي لإعادة النظام البعثي.

سقط النظام البعثي في حوادث مُتكررة, سقطت محافظة البصرة في ظرف ساعتين عام 1999في الليلة التي عرض فيها تلفزيون بغداد إعترافات ما يُزعم أنهم طلاب الحوزة النجفية المتهمين بإغتيال المرجع السيِّد محمد محمد صادق الصدر, في محاولة غبية أراد بها النظام البعثي إبعاد مؤوليته في الجريمة. كان الحزب كياناً ورقياً لمراقبة الناس ونهب الدوائر الرسمية ونشر الفساد والرذيلة.

لاأحد يترحم على ذلك النظام ما عدا أولئك الذين إرتبطت حياتهم ببقاء النظام ولانستغرب أن يطرح هذا الكاتب أمل العودة ولكن بصيغة اليائس, المُحبط, لأن رأس النظام غادر الدنيا.

يندرج المقال الخبيث, ضمن أصوات بعثية هنا وهناك, في وقت يستذكر فيه العراقيون جريمة سقوط الموصل, ودور البعثيين في تنفيذ الجريمة, وما رافقها من جرائم إبادة جماعية ضد الشيعة مثل جريمة سبايكر وسجن بادوش, ومع الإستذكار تنهض الإرادة بإستذكار الفتوى الجهادية التي حولت الهزيمة إلى نصر وأسست ركائز المقاومة متمثلةً بالحشد الشعبي وفصائل المقاومة الجهادية الأخرى فأسقطت رهانات البعثيين ودول الخليج وإسرائيل وأمريكا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here