فقه الاختلاف

السيد محمد علي الحسيني

 الاختلاف ليس أمرا من صنع أو ابتداع البشر کما يتبادر لدى البعض، بل هو سنة وإرادة إلهية لامناص منها، وإن الله تعالى قد أشار إلى هذا الموضوع بوضوح کما نرى في الآية الکريمة من سورة الروم:” ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين”، والأهم من ذلك أن الله عزوجل قد شدد على الاختلاف عندما قال في الآية الکريمة من سورة هود:” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين”، ولاريب من أن الحکمة الإلهية التي فرضت الاختلاف على البشرية، قد کانت من أجل البشرية ذاتها.

 الاختلاف سنة إلهية الهدف منها تحقيق التقدم وتفعيل التواصل وبلوغ التكامل

 إن أهمية الاختلاف بين البشر، يکمن بالدرجة الأولى في التواصل مع الآخر، وخصوصا من أجل اکتشاف الآخر وما عنده من تنوع وغنى، وبالدرجة الثانية؛ هو وسيلة لبلوغ التکامل، وإنه عزوجل قد خلقنا مختلفين لکي نتعارف لا أن نتصادم، ويأخذ كل واحد من الآخر لا أن نقصيه ونبيده ونسد الأبواب بوجهه، وبالدرجة الثالثة؛ هو تحقيق للتقدم والرقي، ذلك أن الإنسان إذا ماسار بطريق التکامل فإنه في طريق الرقي والتقدم.

الحديث عن ثقافة الاختلاف، هو حديث يطول ويأخذ في بعض الأحيان سياقا واتجاها أشبه بالجدل البيزنطي، ولاسيما وأن الذي يبعث على الحسرة والألم أننا مازلنا کعرب ومسلمين، أبعد مانکون عن فقه الاختلاف، إذ أننا وفي الوقت الذي نردد فيه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن الاختلاف، ونرکز عليها في الأمور والمسائل الظاهرية ونتجاهل عن قصد أو دون قصد المسائل الضمنية، حيث أننا في مجتمعاتنا لازلنا نعيش إشکالية النأي بأنفسنا عن الآخر والتوجس ريبة من الانفتاح عليه والتعامل معه، والإشکالية ليست قائمة في التعامل مع معتنقي الأديان الأخرى أو مع الأعراق المختلفة في بلداننا، بل هي قائمة حتى بين المذاهب الإسلامية ذاتها وهو الأمر الذي يعتبر بمثابة مصيبة ويشكل حالة خلل في المجتمع. 

 مراجعة نظرتنا لقضية الاختلاف ضرورة حتمية

 عدم فهمنا الکامل لفقه الاختلاف کما يدعونا إليه ديننا الإسلامي، ولاسيما ونحن نطالع بين الفترة والأخرى الآية الکريمة من سورة الحجرات:” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا  إن أكرمكم عند الله أتقاكم “، هو ناتج لعدم فتح سبل المعرفة والتدبر في آيات الذكر الحكيم، فبدلا من تفهم واستيعاب المعاني السامية للآية وسحبها على أنفسنا، نجد كثيرين يعملون على عکس ذلك عندما يعتبرون اختلافهم عن الآخر يمنحهم الأفضلية، وهنا من المفيد أن نستشهد بقول لابن قيم الجوزية من کتابه(إعلام الموقعين) إذ قال: “وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لابد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانهم”.

نحن بحاجة ماسة لمراجعة نظرتنا وتعاملنا مع قضية الاختلاف وضرورة تصحيحها ويکفي أن نشير إلى بلدان مثل فرنسا وسويسرا، حيث تتعايش أعراق وأديان ومذاهب مختلفة مع بعضها البعض بکل سلام واطمئنان.

امين عام المجلس الإسلامي العربي

صحيفة مكة

https://makkahnewspaper.com/article/1565952/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D9%81%D9%82%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%81

 

للتواصل والرد عبر
البريد الالكتروني
واتساب مكتب لبنان 0096170659565
السعودية     00966566975705
 
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here