ربما لا يصدق البعض إن أسعار العقارات ( دور ، شقق ، أراضي ) وصلت لمستويات لم تكن بمخيلة الكثير حتى وان كانوا من خبراء الاقتصاد ، فقيمتها السوقية وصلت لمستويات لا يتحملها العقل ، فسعر المتر المربع الواحد وصل في بعض المناطق لأكثر من 7000 دولار( 10 ملايين دينار) ، وهذا الغلو جعل الكثير يفقد الأمل في الحصول على سكن ملائم يمكن أن يوفره من رزقه الحلال مما دفع بالكثير للشراء خارج البلاد نظرا لفارق الأسعار الكبير ، والارتفاع الذي نتحدث عنه ليس في مناطق محددة فحسب ولكن في كل المناطق بلا استثناء ، ولعل من المفارقات إن أسعار العقارات المتجاوز عليها او ( الحواسم ) او ضمن الصنف ( الزراعي ) هي الأخرى شملتها عدوى الارتفاع فزادت لضعفين او لأكثر مما كانت عليه قبل سنتين او ثلاث سنوات رغم إن إشغال أكثرها سكنيا يخالف بعض التعليمات والقوانين ، وهذه الارتفاعات في الأسعار دفعت الكثير لبيع ما يملكونه من عقارات ليستفيدوا من هذا التضخم ليتحولوا إلى أغنياء وبالذات من باع ورث أهله ليتحول من بيت مترف لأخر بمواصفات اقل ليستفاد من فارق في الحصول على المال ، وهذا التوجه احدث مشكلات اجتماعية كبيرة وفكك الأواصر الأسرية و الاجتماعية طمعا بالمال فبعضهم سادتهم الخلافات لتقاسم ارث العقار الذي كان يجمعهم أمام إغراءات الملايين والمليارات ، ومن غرائب الأمور فعلا إن اغلب العقارات باتت تباع بأسرع من كل التوقعات لان الطلب أعلى من العرض بمجرد العرض للبيع عند الدلالين او الإعلان عن البيع بوسائل التواصل الاجتماعي ، يتم الاتفاق على أسعار خيالية أمام دهشة الكثير عن مصدر هذه الأموال في وقت ينتشر فيه الفقر المدقع في البلاد ، والأكثر غرابة أن الكثير من المشترين لا تظهر عليهم هيبة الغنى بمليارات الدنانير ، والبعض ممن ادخر مالا لشراء أي سقف ينقذه من مذلة الإيجار يقف اليوم عاجزا عن تحقيق ما كان يحلم به لان كل شيء اسمه عقار ارتفع بشكل رهيب وراح يتسابق لشرائه طبقة من الناس باتوا يمتلكون أموالا لشراء أي عقار وبأي سعر كان .
واغلب أسباب ارتفاعات أسعار العقارات تتحمل مسؤوليتها الدولة بشكل كامل ، وفي مقدمتها الحكومة التي أصدرت قرارا بعد عام 2003 يسمح بتملك العقارات بغض النظر عن مسقط الرأس ففي بغداد مثلا كان لا يسمح بشراء وتسجيل العقار إلا لمن يملك ( جنسية من إلاحصاء السكاني 1957 ) ، وبرفع هذا الشرط زاد التزاحم للسكن في العاصمة بحيث يبلغ تعداد سكانها 8 ملايين والساكنين والعاملين فيها أكثر من 10 ملايين ، نظرا لوجود نزوح واسع للحصول على فرص العمل او الدراسة او الاستقرار فيها او اتخاذها مقرا ثانيا بعد المحافظات وبشكل يزاحم ويضايق أهل بغداد الأصليين الذين لم يعودوا يشكلون أكثر من 20 % من عدد المتواجدين فيها اليوم ، كما إن الحكومات المتعاقبة لم تتبنى مشاريع فعلية وجادة لحل أزمة السكن الموروثة منذ عقود رغم توفر كل مستلزمات البناء من البشر والمواد والمال ، ولم يخرج عنها غير مشروع ( بسماية ) الذي واجه الكثير من الملاحظات وخضع فبما بعد للمضاربات وشبهات التلكوء والفساد ، وكان لتغيير سعر صرف الدولار أثرا في إحداث الضربة المهمة في ارتفاع الأسعار فقد تضخمت التكاليف لان الكثير من فقرات البناء تتم عبر الاستيراد ، والضربة الأخرى جاءت بعد تعرض الدول ألتي تهرب إليها وتستثمر بها أموال السراق والأغنياء لتسو نامي انخفاض قيمة العملة في دول الجوار والملذات ، كما أسهمت الحرب في أوكرانيا بصب الزيت على نار الأسعار ، وكان للتخوف من التلويح بالرقابة على التحويلات ومصادر الثروات سببا اخرا في الارتفاع ، فكثيرا من الأموال احتبست بالدخل ولضعف الثقة بالعمل المصرفي المحلي ( الحكومي والأهلي ) او التخوف من كشف الحسابات المصرفية دفع هؤلاء بتحويل الأموال إلى عقارات كونه استثمار مضمون ومستور ويغطي على مصادر امتلاكهم للمال ، سواء بأسمائهم او بأسماء من يثقون بهم في ظل غياب واضح لتطبيق من أين لك هذا ، وأمام مشاهد غلاء العقارات تقف الدولة متفرجة ( كحالها دائما ) ومبادرات السكن لم تعالج شيئا من الازمات ، كما إن مشاريع الاستثمار في السكن تعرض سكنا بأسعار أكثر من منطق العقل والمستطاع لتتحول إلى نقمة وليست نعمة لعامة الناس نظرا لارتفاع أسعارها وصعوبة شروط الدفع وضمانات التنفيذ فيما يعلن من آجال ، وقروض السكن التي يعلن عنها تزيد الأمر إحباطا لأنها تضع شروطا صعبة المنال ، أما مبادرات السكن فهي ابر للتخدير ، فما فائدة أن تحصل على ارض ( إن حصل فعلا ) ليس فيها خدمات والفقير لا يستطيع توفير نفقات البناء او دفع المبالغ العالية لإقساط وفوائد القروض .
باسل عباس خضير
Read our Privacy Policy by clicking here