الجابي!!

الجابي!!
الجابي ذلك الشخص الذي يرتدي البدلة الرمادية , ويحمل الحقيبة الجلدية , ويقطع تذاكر الصعود إلى باص المصلحة الأحمر اللون ذو الطابق أو الطابقين.
وكنا نحفظ أرقام الباصات , ونعرف إلى أين تذهب بنا , ونتمتع بركوبها , خصوصا في الطابق الثاني .
وأجيال النصف الثاني من القرن العشرين لها ذكريات مع الجابي , وباصات المصلحة التي كانت ترفل بها بغداد.
تواردت الذكريات وأنا أراقب تلك الباصات الحمراء تجوب شوارع لندن , وكم تمتعتُ بركوبها.
قبل سنوات كان فيها “الجابي” , أما اليوم فعاصرت التحولات الإليكترونية , وما عاد للجابي عمل إلا ما ندر.
قلت لصديقي: نتحدث عن التقاليد والقيم ونحسبها أقوالا , وأبسط مثال عليها المحافظة على وسائط النقل التي كانت عندنا , وهي باقية في لندن , وتسير في شوارعها , على مدى القرن العشرين وستتواصل في القرن الحادي والعشرين , إنه تقليد ثابت ومتفاعل مع مكانه وزمانه.
فأين ذهبت تقاليدنا؟
قال: إنها كلام وحسب.
لو سألت أحدهم عن التقاليد لأوجع رأسك بما لا يجدي نفعا من الكلام الغثيث , وعندما تريد أن ترى تقليدا فاعلا في حياتنا فستجد الخواء!!
باصات المصلحة التي كانت تجوب شوارع بغداد , وتميزها عن عواصم الدول الأخرى في المنطقة , تقليد مدينة لم نحافظ عليه , فتحولت إلى موجود بلا ملامح ومميزات , وكلٌّ يرى عليها أن تكون وفقا لأهوائه ومنطلقات رؤيته الظلامية السوداء.
فهل سنعيد للمدن تقاليدها , التي ميزتها ومنحتها القوة والقدرة على الحياة , وبث روح الألفة والجمال؟
رحم الله باصات المصلحة في مدينة السلام , التي أطلقت العقول وأثرت الوعي الإنساني بالمعارف والعلوم , والأفكار ذات الإمتدادات الحضارية السامقة.
فإلى متى نبقى نلوك الكلمات , ولا نجيد مهارات الفعل المنير والعمل القدير؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close