بمناسبة فتوى الدفاع الكفائي في العراق: الدفاع في القرآن الكريم (ح 2)

الدكتور فاضل حسن شريف

عن كلمة عدو ومشتقاتها اضافة لما ذكرنا من ايات في الحلقة السابقة قال الله تبارك وتعالى “أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ” ﴿الكهف 50﴾، و “فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي” ﴿طه 39﴾، “فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ” ﴿طه 117﴾، و “قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ” ﴿طه 123﴾، و “فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ” ﴿الشعراء 77﴾، و “قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ” ﴿القصص 15﴾، و “فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ” ﴿القصص 19﴾، و “إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا” ﴿فاطر 6﴾، و “إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا” ﴿فاطر 6﴾، و “أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ” ﴿يس 60﴾، و “وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ” ﴿الزخرف 62).

جاء عن الكاتب محمد سعيد المخزومي في شبكة النبأ المعلوماتية: الجهاد الكفائي هو الجهاد الذي لو قام به العدد اللازم لسقط التكليف عن الآخرين فيكون وجوبا على الجميع حتى يبلغ الأمر كفايته، اما الجهاد العيني فهو الجهاد الذي يجب على الجميع القيام به ولا يسقط عن أحد بوجه من الوجوه ما لم يكن عاجزا أو معذورا لعذر شرعي. لفتوى الجهاد الكفائي طاقة تعبوية هائلة تلزم الجميع أن يهبّوا دفعا لخطر مُحدِق بالامة والوطن والشعب وعن مصالحه وكرامته وحيثياته. ولأنها طاقة تعبوية كبيرة لا يدرك ابعادها من تخلف عن ركب الحياة وعاش على الهامش فيها وإن سمّى نفسه ما سمّى. فتحرير العراق من الغزو البريطاني عام 1920 لم يكن إلاّ بفتوى الجهاد الكفائي، التي اصدرها آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الشيرازي وقال فيها: (مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسّل بالقوّة الدفاعية إذا امتنع الإنجليز عن قبول مطالبهم). وبهذه الفتوى هرع الشعب العراقي بما في يديه من سلاح فردي بسيط مواجها أكبر دولة عظمى بجيوشها الجرارة وأسلحتها الفتاكة وطائراتها العملاقة آنذاك، حتى طردها من العراق. أما بالنسبة إلى رأي آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني فقد كان صريحا ان الشعب العراقي ( يجب ان يساعد الجيش امام اعتداءات الارهابيين) فكان هذا صريحا في بيان وجوب الدفاع إلى جنب الجيش العراقي في محاربة اعتداءات الارهابيين على العراق والعراقيين. فكان هذا الوجوب كفائيا وليس عينيا.

وامر الله مقاتلة الذين يقاتلونكم وعدم الاعتداء على الذين لم يقاتلونكم “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (البقرة 190) ولهذه الاية رد على الظالم او الظالمين الذين يعتدون على اخرين لم يقاتلوهم، وقد يتصور الظالم ان هنالك اعتداء في مخيلته كما قال الله تبارك وتعالى (الكهف 29). ويكره في الجهاد قطع الأشجار، ورمي النار، وتسليط المياه، وإلقاء السم، وقتل الحيوان.

قال السيد مصطفى الكاظمي: مرت بلادنا الحبيبة في مثل هذه الأيام بظروف بالغة الصعوبة، وضعت العراق أمام تحدٍ وجودي خطير، ولولا العناية الإلهية بهذا الوطن المقدس وما صدر من المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، من فتوى وتوجيهات أوقفت وحشاً كان قد أرعب العالم كله، وقد أدت الفتوى الى القضاء على هذا التنظيم خلال مدة لم يكن يتصورها العالم كله. الفتوى جاءت من منطلق وطني خاطب الهوية العراقية الشاملة، كما هو المنهج المتعارف الدائم في مواقف المرجعية الرشيدة التي أبت أن تخاطب أي عراقي سوى بهويته العراقية، تاركة العناوين الطائفية والعرقية بعيدة تماماً من خطابها السياسي. أن العراقيين لبّوا النداء بكل فئاتهم وأطيافهم والدعوة الشاملة لجميع المتطوعين للالتحاق بالقوات الأمنية الرسمية.

وعن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا بعث أميراً على سرية أمره بتقوى الله عز وجل في خاصة نفسه ثم في أصحابه عامة ثم يقول اغزوا بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً ولا مبتتلاً في شاهق ولا تحرقوا النخل ولا تغرقوه بالماء ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تحرقوا زرعاً لأنكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلا ما لابد لكم من أكله وإذا لقيتم عدواً للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث فإن أجابوكم إليها فاقبلوا منهم وكفوا عنهم ادعوهم إلى الإسلام فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم وكفوا عنهم وادعوهم إلى الهجرة بعد الإسلام فإن فعلوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم وإن أبوا أن يهاجروا واختاروا ديارهم وأبو أن يدخلوا في دار الهجرة كانوا بمنزلة أعراض المؤمنين يجري عليهم ما يجري على أعراض المؤمنين ولا يجرى لهم في الفيء ولا في القسمة شيئاً إلا أن يهاجروا في سبيل الله فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون فإن أعطوا الجزية فاقبل منهم وكف عنهم وإن أبوا فاستعن بالله عز وجل عليهم وجاهدهم في الله حق جهاده والرواية صريحة في أن الجهاد والقتال إنما يكون آخر الحلول وليس أولها.

يقول الشيخ فاضل الصفار حول القوة والجهاد: ولعل من حكم عدم تشريع وجود إنشاء جيش محترف هو عدم تمكين الدولة من أداة سلطوية قاهرة كالجيش تتضخم ويتسع بها سلطته القمعية على الأمة في نفس الوقت ترهق كاهلها بالمزيد من الدوائر والمصارف المالية فضلاً عن حرمان الطاقات الفاعلة من الإبداع والمساهمة في التنمية والبناء كما هو الملحوظ اليوم في الجيوش التي تؤسسها الدول وتضرها غالباً ولا تنفعها. وعليه فإن الظاهر أن قانون الجندية الإجبارية أمر غير مشروع في الإسلام لأنه إكراه وإجبار ومنافٍ لقانون السلطنة، نعم يجوز للدولة أن تجعل جيشاً اختيارياً للتطوع الاختياري إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك، ولكن ينبغي أن تكتفي فيه بمقدار الضرورة لا أكثر على حسب قانون الضرورات التي تقدر بقدرها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here