بيني موريس في كتابه “من دير ياسين الى كامب ديفيد” يصبح أكثر تطرفا: كان علينا طرد جميع الفلسطينيين في عام 48

بيني موريس في كتابه “من دير ياسين الى كامب ديفيد” يصبح أكثر تطرفا:

كان علينا طرد جميع الفلسطينيين في عام48

نبيل عودة

* قال بمقابلة صحفية: موضوع الضمير لا يشغلني، هذا ليس ما يتوقع ان يقوم به مؤرخ * الصهيونية دفعت رشاوى لمندوبي دول أعضاء في الأمم المتحدة للتصويت إلى جانب قرار التقسيم *

يحاول المؤرخ اليهودي بيني موريس فيما كتبه عن “حرب 1948- تاريخ الحرب العربية الإسرائيلية الأولى” وكتاب “من دير ياسين الى كامب ديفيد” الى إعادة كتابة تاريخ هذه الحرب من منظور جديد، وذلك من خلال بحث أجراه، وصفه بأنه واسع النطاق، وانه عثر على وثائق هامة، نشرها في كتابيه المذكورين. ويسمي تلك الحرب بانها “حرب بلا خيار”.

تؤكد الوثائق التي يتحدث عنها بيني موريس أن مندوبين في الأمم المتحدة حصلوا على رشاوي من الحركة الصهيونية، من أجل التصويت إلى جانب قرار التقسيم في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 1947. ويشرح انه كان خوفا من فشل الحصول على ثلثي الأصوات في الأمم المتحدة مما يعني فشل مشروع اقامة دولة اسرائيل. وقد خصصت الحركة الصهيونية مليون دولار لتقديم الرشاوي، عدا الابتزاز السياسي. وذلك في مواجهة ضغط الدول العربية وتهديدها “بفرض حظر” على تصدير النفط !!

ويدعي موريس “أن الحرب في عام النكبة (1948) لم تكن صراعا على الأرض، وإنما تدخل في إطار الجهاد الأول، وهي حرب لا تزال مستمرة حتى اليوم، وأنه من غير المؤكد أن إسرائيل ستنتصر فيها”. بحسب موريس.

بالعودة إلى الأجواء التي سبقت التصويت على قرار تقسيم فلسطين، فإن توترا انتاب قادة الحركة الصهيونية، من جهة أن التصويت إلى جانب القرار يعني قيام دولة إسرائيل، وأن عدم التصويت سيشكل ضربة قاصمة للصهيونية، الأمر الذي دفع قادة الحركة الصهيونية إلى عدّ الرؤوس، وتبين أن نتائج التصويت لن تكون جيدة.

في هذه النقطة قرر أحدهم أن الدبلوماسية النظيفة لا تكفي، ولأن الغاية تبرر الوسيلة، يجب الانتقال إلى وسائل ظلامية، بما في ذلك الرشوة وممارسة الضغوط. ويكتب موريس في هذا السياق أن الاعتبارات المالية كان لها تأثير على تصويت مندوبي دول أمريكا الجنوبية. بعثة من جنوب أمريكا حصلت على 75 ألف دولار مقابل التصويت على قرار التصويت. كوستاريكا صوتت إلى جانب القرار رغم أنها لم تأخذ مبلغ 45 ألف دولار عرض عليها. مندوب غواتيمالا أبدى حماسا زائدا في تأييده للصهيونية ووثائق بريطانية تؤكد أنه تلقى أموالا من منظمات يهودية أمريكية، كما تشير تقارير لدبلوماسيين أمريكيين أنه “كان على علاقة بفتاة يهودية”، ومن الممكن أن تكون هناك حالات أخرى ولكن لا يوجد وثائق تؤكد ذلك.

ورغم أن موريس لا يعتبر الوثيقة جيدة، إلا أن رسائل ومذكرات موظفين ومسؤولين بريطانيين تشير إلى وجود هذه القضايا بشأن عدد من الدول في أمريكا الجنوبية، والتي تم إقناع مندوبيها بواسطة الأموال بالتصويت إلى جانب قرار التقسيم.

كما يشير إلى حالات ابتزاز، حيث قامت جهات صهيونية بممارسة الضغوط وتهديد مندوب ليبيريا بعدم شراء المطاط. وتمت أيضا ممارسة ضغوط اقتصادية شديدة، وخاصة الدول التي رفضت تلقي الرشاوى مثل كوستاريكا، وصوتت في نهاية المطاف مع التقسيم. ويشير ان الضغوط كانت من رجال الأعمال اليهود، مثل صامويل زموراي رئيس شركة الفواكه الموحدة وهي نقابة أمريكية كبيرة ذات نفوذ واسع وخاصة في دول الكاريبي.

وتلفت الصحيفة إلى أن هذه الحقائق لم تكن مفاجئة نظرا لوجود ما يشير إلى ذلك. كما سبق وأن أتى المؤرخ ميخائيل كوهين على ذكر ذلك، وذكر توم سيغيف ذلك بما كتبه عن تخصيص ميزانية مليون دولار لـ “عمليات خاصة”.

وموريس بتصريحاته يعتبر هذه الوسائل مشروعة، انطلاقا من أن قيام دولة إسرائيل كان على جدول الأعمال والغاية تبرر الوسيلة، إضافة إلى ادعائه بأن الرشوة أفضل من الحرب العالمية الثالثة التي “هدد” بها العرب في حال قيام الدولة.

ينحو موريس إلى تصوير الصراع العربي – الإسرائيلي كصراع ديني. اذ يدعي أن ما اعتبر حتى الآن أنه صراع جغرافي وسياسي وعسكري بين مجموعتين قوميتين هو صراع يجب أن ينظر إليه على أنه حرب جهاد.

ويجيب موريس في مقابلة صحفية أن حرب 1948 كانت ذات طابع ديني، بالنسبة للعرب على الأقل، وأن العنصر المركزي فيها هو دافع الجهاد، إلى جانب دوافع أخرى سياسية وغيرها.

ويستند موريس في ادعائه هذا إلى وثيقة بريطانية بشأن فتوى لعلماء الأزهر، والتي تتضمن كما يقول دعوة إلى الجهاد العالمي موجهة لكل مسلم، بالتجنيد إلى الحرب المقدسة، وإعادة فلسطين إلى حضن الإسلام وإبادة الصهيونية.

ويقول موريس أيضا، إنه يجد صعوبة في عدم انتباه المؤرخين لذلك. وفي الوقت نفسه يفترض أنه ربما يكون قد أولى هذه الوثيقة أهمية أكبر مما تستحق، خاصة وأننا نعيش في عصر يوجد فيه الجهاد على الطاولة. هذا صراع بين عالم ظلامي إٍسلامي وعالم متنور، وفي العام 48 كانت جولة الجهاد الأولى في العصر الحديث.

واستنادا إلى نظريته تلك، يصل موريس إلى نتيجة مفادها أن الحديث هو عن أمور مطلقة، بمعنى أنها لا تحتمل الصلح. ويضيف على سبيل المثال، أنه لن يكون هناك صلح بين حماس وإسرائيل. قد تحصل تسويات تكتيكية، ولكنها ليست أساسية. فهم لن يتقبلوننا، لأن الأرض بالنسبة لهم إٍسلامية، وأن الله أمرهم بتدميرنا، وهذا ما يتوجب عليهم فعله.

ويتابع أنه في العام 48 كان الفهم الإسرائيلي التلقائي بأن جميع العرب قرويون سذج لا يفقهون شيئا، وهذا غباء. مثلما حصل في العام 2006 عندما صوتوا لحركة حماس. عندها قال الإسرائيليون إن السبب يعود إلى قيام حماس بتوزيع الهدايا والحليب مجانا، ولكن هذا خطأ أيضا، فهم يعرفون لمن هم يصوتون، مثلما كان يعرف العرب في العام 48. الدين بالنسبة لهم مهم جدا، وإبادة الصهيونية مهمة جدا.

ولا يغفل موريس التأكيد على أن ما يسميه بـ حرب الاستقلال هي حرب وجود ودفاع عادلة.

إلى ذلك، يتضمن الكتاب تطرقا إلى ممارسات الجنود الإسرائيليين خلال الحرب، فيشير إلى 12 حالة اغتصاب قام بها جنود إسرائيليون. من بينها قيام 3 جنود باغتصاب فتاة فلسطينية من مدينة عكا، بعد قتل والدها أمام ناظريها، ثم قاموا بقتلها، وحكم عليهم بالسجن لمدة 3 سنوات فقط. كما تتضمن حالة اغتصاب فتاة من مدينة يافا لم يتجاوز عمرها 12 عاما. في المقابل يشير إلى حالة واحدة جرت فيها محاولة لاغتصاب مجندة إسرائيلية من قبل جنود في الجيش العربي إلا أن الضابط المسؤول أطلق عليهما النار، وأنقذ المجندة.

وبحسبه فإن الجرائم التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون عام 48 تفوق تلك التي ارتكبت في حروب أخرى. ويقول كان هناك كثيرون ممن تركوا غرائزهم تتحكم بهم، بعضهم جاء من معسكرات الإبادة في أوروبا مصابين بعدواها، وسعوا للانتقام من “الأغيار”(أي غير اليهود: الفلسطينيين في حالتنا) بعضهم حارب سنة كاملة لأن العرب أجبروهم على القتال. بعضهم أراد الانتقام لمقتل أصدقاء لهم. لكل شعب هناك نقاط سوداء في تاريخه، والأعمال الظلامية التي وقعت في هذه الحرب هي نقطة سوداء في تاريخنا يجب استخلاص العبر منها.

مجزرة دير ياسين كانت المسرّع لهروب العرب من البلاد

وردا على سؤال بشأن تخصيص جزء واسع من الكتاب لمجزرة دير ياسين، يكشف موريس إنه بالنسبة لليهود فإن أهم نتائج ما حصل في دير ياسين، أنها كانت المسرّع لهروب العرب من البلاد. ويضيف أن العرب تحدثوا عن دير ياسين في البث الإذاعي وضخموا تفاصيل المجزرة، ما دفع سكان حيفا ويافا إلى الاعتقاد بأن الإيتسيل قادمون لارتكاب مجزرة مماثلة. طبعا يتجاهل بيني موريس وغيره ان المواطنين العرب في حيفا واجهوا مجزرة باطلاق النار الكثيف على منطقة السوق وهي مكتظة بالمواطنين مما دفعهم للهرب نحو الميناء، حيث كان الجنود الانكليز الذين لم يوفرا أي حماية للمواطنين، من الميناء صعدوا للقوارب التي هجرتهم الى لبنان وآخرين هربوا لمناطق أخرى. ومن 70.000 فلسطيني حيفاوي بقي 3566 مواطنا فقط!!

مجازر أخرى لا تقل بشاعة ونشوء قضية اللاجئين

يعترف موريس أن مجزرة دير ياسين لم تكن المجزرة الوحيدة، فقد وقعت أعمال قتل كثيرة، مثل مجزرة اللد التي قتل فيها 250 شخصا غالبيتهم لم يكونوا مقاتلين، وقتل أسرى في داخل المسجد. ويكشف موريس في كتابه وقوع مجزرة أخرى في يافا. فبعد سيطرة الهاغانا على يافا تم العثور على 12 جثة، عثر في ثياب أصحابها على بطاقات هوية شخصية إسرائيلية، الأمر الذي يؤكد أن المجزرة وقعت بعد سيطرة الهاغانا على المدينة وتوزيع البطاقات الزرقاء على من تبقى من السكان.

وبحسب موريس فإن هروب العرب هو الشكل العام، متجاهلا ان المجازر في عدد غير قليل من البلدات العربية ارتكبت لإثارة الرعب الذي دفع الفلسطينيين للهرب، وبعد ذلك جرى تدمير قراهم ولم يسمحوا لهم بالعودة، ويقول: أما عمليات الطرد الحقيقية فقد حصلت في مواقع معدودة فقط، متجاهلا تدميرحوالي 500 بلدة عربية وعشرات المجازر واعمال العنف والاغتصاب كما حدث مثلا في قرية الصفصاف التي تقع على خاصرة جبل الجرمق !!

يقول موريس إن الحرب سببت نشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين متجاهلا ان المجازر هي السبب المباشر لهرب الفلسطينيين من بلداتهم، واغلاق طرق العودة امامهم بالعنف الدموي أيضا. ويدعي انه بنفس الدرجة أدت الحرب إلى دفع اليهود إلى الهرب من الدول العربية، بعد أن تم نهب ممتلكاتهم. لكنه لا يقدم أي دليل عملي، بل من المعروف ان الحركة الصهيونية نظمت حالات صدام مع المواطنين في العالم العربي (العرق مثلا) لدفع اليهود للقدوم الى اسرائيل. ويدعي في هذا السياق أيضا أن الأرقام كانت مماثلة (“!!!”) ويذكر موريس في هذا السياق قول موشي شاريت عام 49 (وزير خارجية في بداية اقامة اسرائيل) بأن ما حصل هو “تبادل سكان”!!. ويعقب موريس بأنه يوجد منطق في ذلك، وأن الاختلاف هو أن اللاجئين اليهود تم استيعابهم في إسرائيل، في حين أن العرب لم يقوموا باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين وظلت قضيتهم قائمة.

تشكيك بوجود شعب فلسطيني

وإضافة إلى ذلك، يشكك موريس بمدى صحة حقيقة وجود شعب فلسطيني في العام 1948، بادعاء أن الوعي السياسي القومي كان ضعيفا في وسط الفلسطينيين، وعدم قدرتهم على إقامة جيش قطري بدلا من مجرد عدد من المقاتلين في كل مدينة وقرية.

ويختتم الكتاب بقوله: هناك انتصار في العام 48، ولكن ذلك لا يضمن بقاء دولة إسرائيل. ان قيام الدولة في العام 48 أثار ردود فعل رافضة في وسط العرب وغريزة شديدة للانتقام. العالم العربي يرفض قبول وجودنا. وحتى لو وقعت “اتفاقيات سلام”، فإن رجل الشارع والمثقف والجندي يرفضون الاعتراف بإسرائيل. وإذا لم يكن هناك حل سلمي بين الشعبين، فإن النهاية ستكون مأساوية لواحد منهما.

ويخلص في احدى المقابلات الصحفية إلى القول بأنه من الصعب أن يكون لديه أسباب للتفاؤل بشأن احتمالات إسرائيل، حيث أن العالم العربي، وبمساندة العالم الإسلامي، يزداد قوة ومن الممكن أن يكون لديهم سلاح نووي. كما أنه لا يوجد في الأفق ما يشير إلى احتمال التوصل إلى تسوية في السنوات الخمسين القادمة، وحتى يحصل ذلك يجب إضعاف العالم العربي، الأمر الذي لن يحصل إلا بعد نضوب النفط، والذي لن يكون قبل 50 -100 عام.

بيني موريس في كتابه “من دير ياسين إلى كامب ديفيد” يكشف عن عنصريته: كان علينا طرد جميع الفلسطينيين في عام48

عبر موريس عن رأيه بعد صدور كتابه ” من دير ياسين الى كامب ديفيد” بان إسرائيل أخطأت في العام 1948، لأنّها لم تطرد جميع العرب من إسرائيل إلى الأردن خلال حرب 48، وقال: “لو أنّه تمّ تطبيق الخطّة، لكانت قامت دولة فلسطينيّة في الأردن، وفي إسرائيل دولة يهوديّة، وهذا الحلّ كان سيحّل المشاكل للجميع ويُخفّف العنف”.

ووصف موريس إسرائيل هي “فيللا داخل الغابة العربيّة”. وهاجم موريس العقليّة العربيّة، قائلاً إنّها تؤمن بالعنف والدماء، وبالتالي فإنّ مبدأ “الفيللا بالغابة” الاعتماد على السلاح للمُحافظة على وجودها، وزعمً أنّ العقليّة العربيّة لن تتغيّر، كما حدث في دولٍ أخرى، مثل ألمانيا واليابان بعد الحرب العالميّة الثانيّة.

وعن المجتمع الإسرائيليّ قال: ان إسرائيل كانت وما زالت ديمقراطيًة، على الرغم من أنّ الحكومة التي يقودها نتنياهو تعمل على المسّ بمبادئ الديمقراطيّة.

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here