عالم التكتلات والاحلاف قادم

* عالم التكتلات والاحلاف قادم .

* عبد الجليل الزبيدي

نقترب من نهاية الاحادية القطبية بعد انكشاف عجز العالم الغربي الاوروبي – الاميركي امام التوغل الروسي في اوكرانيا .
وتراجع الهيمنة الاميركية لم يكن مفاجئا ، وليس نتاج عوامل داخلية اميركية، وانما هو نتيجة طبيعية لتعاظم الدور الروسي واتساع نطاق الهيمنة الاقتصادية الصينية ، والحاجة العالمية للصناعات التحويلية والتكميلية للهند ، هذا بالاضافة الى تأثيرات الازمة الاقتصادية العالمية والصراع المحتدم حول الغذاء ومصادر الخامات الداخلة في الصناعات الدقيقة .
ومنذ عام 2018 انتبهت اوروبا الى انها بحاجة الى مظلة امان بعد ان اوضح الرئيس دونالد ترامب فكرته بان اميركا للاميركيين وان العلاقة مع اي حليف تتوقف عند مقدار ما تستفيد منه الولايات المتحدة .
وكرر ترامب مرات عدة بان على اوروبا ان تدفع مقابل الأمن ، والحالة كذلك مع اليابان وكوريا الجنوبية ودول الخليج .
الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية السابقة ناقشا مسالة استقلال اوروبا امنيا واقتصاديا .
اقتصاديا ، طرح للنقاش : ماذا لو واجه الاقتصاد الأميركي هزات كبيرة وهو المتوقع عام 2040 ؟
وهنا يجري البحث عن بدائل للاقتصاد الاوروبي .
وصحيح ان حجم التبادل الاقتصادي والاستثماري بين اوروبا والولايات المتحدة يتعدى 16 ترليون دولار ،الا ان هذه البحبوحة ليست مستقرة وفق القراءات المستقبلية .
امنيا ، لا مناص من اعادة تطوير واحياء حلف الناتو امام تحديات ليس اقلها التغول الروسي في الشرق .
وفي هذا السياق ، فان المطروح اليوم هو اقامة حلف ناتو جديد وفق برنامج يشمل :

– زيادة عديد افراد القوة العسكرية الضاربة في الحلف من 49 الف جندي الى 300 الفا مع طموح لرفع العدد الى 700 الف جندي .
– زيادة ميزانية الحلف من 2/5 مليار الى 30 مليار دولار .
– تعديل النظام الداخلي للحلف واضافة بند ينص على ان ( الحلف مسؤول عن حماية وضمان سيادة الدول الاعضاء ووحدة اراضيها ) ! . بمعنى ان سورية اذا طالبت بمنطقة الاسكندرونه سيتم ضربها . والمغرب اذا طالب بسبتة ومليلة سيتم ضربه .
– توسيع نطاق تحركات ومسؤوليات الحلف لتشمل القطب الشمالي وشمال المحيط الاطلسي والاراضي الكندية .
– جنوبا ، تعزيز تواجد الحلف في حوض البحر المتوسط مع ايجاد مراسي ومنصات في دول الساحل الجنوبي الافريقي .
ويلاحظ مما سبق هو غياب التعويل على الولايات المتحدة وذلك في سياق ايديلوجي اوسع يهدف الى التوجه نحو تأطير ( هوية الأمة الاوربية ) كما صرح شولتز اكثر من مرة .
هذا اوروپيا . اما الولايات المتحدة المجنونة بفعل تاثير الكوابيس الصينية. فهي تشتغل بجد حاليا على تشكيل ( ناتو ) اخر في اقصى الشرق ويضم كوريا الجنوبية واليابان والفلبين وسنغافورة وتايلند وذلك استعدادا للمنازلة الكبرى مع الصين .
ويسمح هذا الحلف بتامين تواجد اميركي في وسط وشمال المحيط الهادئ لكي يكون مكملا لحلف انشئ ابان الحرب الباردة جنوب المحيط الهادئ وسمي بحلف الانزوس ويضم اميركا واستراليا ونيوزيلاندا وغوام وبريطانيا .
هذا الهوس الاميركي بتخوم الصين وجنوب شرق اسيا ، يعبر بوضوح عن استراتيجية اميركية جديدة ، تعتمد فرضية ان جمهورية الصين الشعبية تريد محو دور الولايات المتحدة في العالم وتقويضها اقتصاديا.
اقليميا ، يبدو ان ( مزحة ) تشكيل ناتو عربي في طريقها للتحقق بالفعل . وفكرة الناتو العربي المصغر واسرائيل تتأتى من توجه اميركي لمغادرة منطقة الخليج ، وان اسرائيل باتت قادرة على حماية المصالح الاميركية في هذه المنطقة وايضا حماية نفسها، بالاضافة الى قدرتها على تأمين وادارة الترتيبات الامنية في المشرق العربي وهذا بالطبع يحتاج الى اقامة تحالف عسكري وامني، يؤمن الغطاء لشبكة واسعة من التعاون الاقتصادي والتكنلوجي .
وبينما تتجه مجموعة دول بريكس نحو تأطير نفسها في اطار حلف اقتصادي سياسي . وفي حين اخذت منظمة شنغهاي بالتوسع في شمال اسيا .. يبدو ان العالم يتجه بسرعه نحو الانقسام الى تكتلات واحلاف لحماية الدول الاعضاء ولحماية مصالح المجموعة المتحالفة وذلك تمهيدا لصراعات قاسية في السنوات المقبلة حول خامات الحديد والقصدير والبلاستك والقمح وفول الصويا .
وتشير الاحصاءات الى ان العالم ينتج حاليا 3,220,000 طنا من الحديد فيما الحاجة سوف تزداد في العقدين القادمين الى نحو 7 ملايين طن . اما الحاجة الى معدن القصدير سترتفع الى مليون طن من 310 الف طن حاليا وذلك بحكم تزايد الاعتماد على صناعات الاجهزة الدقيقة المصغرة .
وفي هذا السياق ، سيتضاعف الطلب على البلاستك البترولي و البلاستك الحيوي الى نحو مليار طن من 540 مليونا حاليا .
اما الصراع حول الغذاء ، سيكون المحور الاساسي لتوجهات التكتلات الاقتصادية . فالعالم اليوم ينتج نحو 750 مليون طن من القمح ، بينما سترتفع الحاجة الى مليار و250 مليون طن سنويا بحدود عام 2030 .
فالصين تخطط لاحتكار انتاج الحبوب عبر تحويل وتكييف المناطق الجليدية في كندا وسيبيريا والصحراوية والحارة في وسط وشرق افريقيا بمساحة تقدر ب10 مليون ميل مربع الى حقول لانتاج الذرة وفول الصويا .
وازاء هذا التنافس والصراع على مصادر الغذاء والاقتصاد والصناعة ، ماهو مصير الدول الغنية بالاراضي الخصبة ووفرة المياه ولديها مخزونات هائلة من خامات المعادن ، ولكنها اليوم دول كسولة وفاشلة ولاسيما بعض الدول النفطية مثل نيجيريا والعراق وفنزويلا ؟ !
اعتقد ان التعامل مستقبلا مع هذه الانظمة وغيرها سيكون على اساس انها مجنون ثري يكتنز الاموال ، ولذا يتعين فرض الحجر عليه ومصادرة امواله لانه يسئ التصرف ويعبث بالثروة .وذلك لحماية الاحتياجات والمصالح العليا للبشرية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here