عندما يعجز المثقف من إقناع الناس

عندما يعجز المثقف من إقناع الناس
بقلم ( كامل سلمان )
الثقافة العاجزة عن اقناع الناس ليست ثقافة او ان فيها عيب كبير غير ظاهر للعيان ، الثقافة إذا لم تكون مقرونة بأساليب ابداعية للإقناع فهي ثقافة كسيحة ، كيف استطاع غاندي اقناع مئات الملايين من الهنود بأفكاره مع العلم ان الشعب الهندي كان حينها شعب جاهل ؟ وتفسير ذلك انه ابتدع اساليب تدخل عقول الناس بسلاسة وجعل من عقولهم قادرة على هضم افكاره . نعم هذه هي المشكلة التي يعاني منها المثقف في المجتمعات المتخلفة ، انه اي المثقف لا يدرك بإن عقول الناس ناشفة ومعتادة على نمط ثابت وهي قبول الوصفات الجاهزة المتداولة من الاباء الى الابناء والممزوجة بالخوف والعاطفة ، حتى وان كان باطنها الخداع والذلة ، فالناس تتمتع بالخطابات الرنانة وتتمتع بالاستماع الى الوجهاء واصحاب المال واصحاب الشهادات واصحاب القوة ، هذه هي طبيعة المجتمعات البائسة ، ثم يأتي المثقف المسكين ليطرح مواضيع عميقة ومحررة للعقل فلم يجد من يعير له الاهتمام فيصبح هو الطرف الذي يعاني فيقوم بالسب والشتيمة للمجتمع وتسميتهم بالجهلة والقطيع وغيرها من التسميات دفاعا عن نفسه وعن افكاره متناسيا عجزه في الوصول الى عقول الناس ، لأن الذي يستطيع الوصول الى عقول الناس اما ان يكون مخادع ماهر يستغل بناء المجتمع السلبي ليزيد من تلويث عقولهم او مثقف من العيار الثقيل اي من عيار مفكر ، لذلك نجد مفكروا المجتمعات لهم ثقل كبير عند مجتمعاتهم بسبب ما أستطاعوا تقديمه لمجتمعاتهم من قدرة تغيرية وبأساليب فريدة ، ليس كل رياضي مبدع ولا كل فنان مبدع ولا كل طبيب ولا غيرهم ، كذلك الثقافة فهي شحيحة جدا بالمبدعين ، وهي أكثر جوانب الحياة بحاجة الى الابداع بل قد تكون الثقافة عديمة القيمة بلا ابداع وقدرة إقناعية . المفكرون يرمون بأفكارهم مثل الكرة الثلجية كلما تدحرجت كبر حجمها في مسامع الناس وفي ضمائرهم وعقولهم ، فهي تكبر مع الزمن ، لهذا السبب هم خالدون مع مرور السنين وغيرهم يمحى أثرهم بسرعة كبيرة . المفكر بأفكاره وثقافته يجبرك على التغيير مهما كانت الموانع كبيرة وغيره لن يغير فيك الا قليلا ، فهو يشتري العقول ويصنع منها مصانع للمعرفة . ما أجمل العبارات التي قالها اصحابها قبل مئات او الاف السنين ومازالت ترددها الالسن ، فالجميل جميل وبه تنال الحياة صفة الجمال .
عندما يعجز المثقف من إقناع الناس فلا يلومن الا نفسه فهو يمتلك الافكار الحية الصحيحة ولا غبار في ذلك ولا شك ولكن الاصعب من ذلك هو الذي لا يمتلكه وهي قدرة إقناع الاخرين و نزولهم عند افكاره ، أنت تمتلك السيف القوي الجميل ولكنك لا تعرف فنون القتال فما الفائدة من السيف الذي تحمله فالثقافة كالسيف جاهز للاستخدام واليد ذات القبضة القوية موجودة ولكن فنون القتال بالسيف هي الحلقة المفقودة التي تحسم المعركة غير موجودة او وجودها ضعيف ، فالثقافة تعجز ان تصل لعقول الناس لوحدها هذه هي مشكلة مثقفينا وهم كثيرون ولكن عاجزون ، يدورون في فلك ثابت ، عشرات السنين مرت ولم نرى او نسمع دور واضح للمثقف في التغيير ، وكأن بائعوا الجهل أكثر قدرة على نشر وايصال افكارهم الى الناس والمجتمع …. المثقف المتواضع بثقافته تنتهي به الامور الى الاعتزال والتنحي جانبا او اعادة نفسه الى الساحة بقوة ولباس جديد ، مثلما فعلها لينين قائد الثورة البلشفية عندما هرب الى فنلندا واعتزل العمل الثوري التغييري وعند جلوسه قرب الشجرة لاحظ نملة تحمل رزقا وتحاول تسلق جذع الشجرة فكانت في كل مرة تفشل وتسقط ولكن بعد عشرات المحاولات نجحت في تسلق الشجرة فعرف ان تكرار المحاولة وعدم اليأس هو الشيء الذي يجب ان نتعلمه من تجارب الحياة وهذا ما يحتاج إليه معظم المثقفين …. الثقافة ليست مهنة بل هي موهبة تصقلها الظروف العصيبة ، الظروف الشخصية او الظروف المجتمعية ، هي احساس بالناس ومعايشة احوالهم ، هي مسؤولية تتجمع في عقول نقية ، هي ثورة في الوجدان .
مهما زادت حاجتنا للطبيب والميكانيكي والحداد والنجار وغيرهم فإننا يمكن الاستغناء عنهم في لحظة ما ، اما حاجتنا للمثقف وللثقافة فلا يمكن الاستغناء عنها لأن الثقافة هي مشاعل نور للظلمات التي تحيط بالإنسان أينما كان ، لذلك كانت نهضة الشعوب بمثقفيها قبل علماءها وقبل فنانيها وقبل جيوشها ، وحتى الكتابات والمقالات التي نقرأها هنا وهناك إذا لم تكن مشبعة بالثقافة تصبح مملة رتيبة لا تروي ، فالثقافة تصطحب الجمال معها ، جمال الكلمة وجمال الهدف وجمال الفكرة ، كلنا نرفع القبعة لمن يكتب ويتمتع الاخرون من فيض افكاره وجمالية اراءه فإن صوته وكلماته لا تقف عند حدود قارئيها و سامعيها بل تنتقل الى المجالس والبيوت وعطرها يدوم .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here