سياسيو العراق على فوهةِ بُركانٍ خامد

سياسيو العراق على فوهةِ بُركانٍ خامد

بـقلم: حيدر عصام

بأثر التداعيات السياسية في الوقت الراهن ينقسم الشارع العراقي بين مُتفائل وغير مهتم وآخرون ساعون الى التدني من دفة الحكم مع خشية التفكّر في العواقب، فالمتفائل منهم اسعده بالأمس ما صرّح بهِ النائب السابق (فايق الشيخ علي) عن التغيير الذي سيطرأ على الطبقة الحاكمة في العراق عام 2024 بعد اكتساحها من قبل (قوة دولية) على حد تعبيره، والجزء الاخر من الشعب وهم غير المهتمون بأي خبرٍ سار أو مُحزن ذريعة أن الوضع السياسي في العراق لن يتغير بوجود الطبقة الحاكمة الحالية، وإن حصل تغييرٍ ما فأنه لن يكون إلا بأستبدال الشخص الفاسد بظلهِ، ويستثنى من هذه الفئة اولئك المتباكين على النظام البائد والذي بفضل من جاء للحكم من بعده جعل الغالب يرى الحِسن بوجههِ البغيض الذميم، أما عن الجزء المتبقي فهم الحالمون بالهرولة صوب منافعهم الشخصية ونشوة تحزبهم انجذاباً مع محاولة سياسيهم المنهمكين منذُ انسحاب الكتلة الصدرية بالاجتماعات التفاوضية لتشكيل كُتلةٍ هُلامية يدعون بأنها (الكتلة الاكبر).

قد نُلاحظ وجود تغيير في الوضع السياسي في العراق، فمنذ متى والقوى الحاكمة تلتجأ للمحكمة الاتحادية لبيان دستورية الاجراءات البرلمانية دون التأثير على الشارع بمليشياتهم وناطقيهم المُحترفين بالتصعيد الامني عبر التفوه بالكلمات الطائفية والعنصرية والحزبية، كذلك انسحاب الفائز بأغلبية المقاعد البرلمانية دون التفاوض من اجل المقابل كما حدث مع القائمة (العراقية) بزعامة (اياد علاوي) حينما فازت باغلبية المقاعد في انتخابات 2010، فقد يُعاب على انسحاب الكتلة الصدرية والإبقاء على شخوص يجمع على كرهها غالب الشعب بأنها قد تخلت عن مشروع الاصلاح خاصتها، الكتلة الصدرية التي لم تزل لها قطعة من كعكة المناصب الحكومية في السلطة التنفيذية وإن انسحابها من السلطة التشريعية (البرلمان) لا يعني شيئاً وهذا ما يعوّل عليه الفئة غير المهتمة او غير المؤمنة بالتغيير المُزمع، أما عن المتفائل بشأن هذا التغيير فلعله لا يعلم عن (اتفاقية لوزان) أو البركان الخامد الذي لن يبقى خامداً مع حِدة تصريحات الرئيس التركي في الآونة الاخيرة، فهذه الاتفاقية تُعَد الغِصة في حُنجرة كل رئيس حَكمَ وسيحكم تركيا وقتما يدلي بتصريحاتهِ حول الحلم الضائع أو الدولة العثمانية، لاسيما وأنها تقرّ ببنودٍ دولية بين الحلفاء المنتصرون بعد الحرب العالمية الاولى والدولة العثمانية لترسيم الحدود، لا بل لترسيم سياسة المنطقة التي خضعت تحت حكم الدولة العثمانية ومجاوراتها (1)، أما فيما يخص الشان العراقي فقد نص البند الثاني من المادة الثالثة من معاهدة لوزان على: “تُرسم الحدود بين تركيا والعراق وفق ترتيبات ودية يتم إبرامها بين تركيا وبريطانيا في غضون تسعة أشهر، في حالة عدم التوصل إلى اتفاق بين الحكومتين خلال الوقت المذكور يحال النزاع إلى مجلس عصبة الأمم، تتعهد الحكومتان التركية والبريطانية بشكل متبادل بأنه ريثما يتم التوصل إلى قرار بشأن موضوع الحدود لن تحدث أي تحركات عسكرية أو تحركات أخرى قد تُعدل بأي شكل من الأشكال الحالية للأراضي التي سيعتمد مصيرها النهائي على هذا القرار”، ونجد هنا أن مَن مَثلّ العراق في هذه الاتفاقية هي دولة بريطانيا مُنتدبةً عن العراق، اي ان العراق لم يكْ طرفاً في المعاهدة، مما يعني إن انتهاء مدة الانتداب البريطاني للعراق لا يعني انتهاء الالتزام الدولي لبريطانيا ما إن أخلّت تركيا بالتزامها أزاء الحدود المُرسمة بينها وبين العراق ولاسيما مدينة الموصل (2)، مع الاشارة الى ان تصريحات الرئيس التركي باتت تُشير الى انقضاء مئة عام من المعاهدة مما يعني نفادها وهذا ما لا نجده ضمن بنود المعاهدة، حيث ان كل معاهدة تظل نافذة ما لن تنص على خِلاف ذلك (3)، وتلك المعاهدة لم تشر الى تاريخ انتهاء نفاذيتها، فلعل الرئيس التركي يود الاحتفال بمئوية الجمهورية التركية بشُرب نَخب وَهم إنقضاء اتفاقية لوزان (4).

قد يضع المستقرأ للوضع السياسي العراقي بدلالة اتفاقية لوزان عدة احتمالات، ابرزها هو بدء تدخل القوات التركية بعد احتفاءها بانقضاء مدة الاتفاقية مما يعني تدخل القوات البريطانية لردع هذا التدخل والاحتكام الى منظمة الامم المتحدة بمباركة امريكية صينية بأثر العقود المبرمة لانتاج وبيع النفط العراقي مقابل الاعمار المُزمع وصمت روسي وفرنسي قد يكون من علامات الرِضا، لأنهم بالاجماع الدول الدائمة العضوية في (مجلس الامن) المَعني بفرض السِلم والامن الدوليين والسماح بأي عمل عسكري (5)، ولأن معاهدة الانتداب البريطاني على العراق المبرمة في الثلاثين من حزيران عام 1930 كانت مرفقة طي طلب انضمام العراق لمنظمة الامم المتحدة في الثالث من تشرين الاول عام 1932 (6)، فقد ينتج عن ذلك فرض سلطتها على العراق تحت مُسمى غير مُسمى (حُكم الانتداب) بدلالة ترحيب الوسط الدولي للقِمة المُنعقدة بين العراق والاردن ومصر مع ترحيب السعودية ودول الخليج وامتعاض كل من تركيا وإيران الذي نتج عنه قطع المياه العراقية من قبل تركيا وقطع منتوج الغاز من قبل إيران، وبدلالة ايضاً عجز الكتلة الصدرية وقادة الاطار التنسيقي على حدٍ سواء لتشكيل الحكومة مقارنة بالاعوام (2006 – 2019) وعدم انصياع الكتلة الصدرية للتوجهات الايرانية بشكلٍ غير مسبوق، وأضمحلال التسلط الايراني والتركي والسعودي على القرار العراقي رغم اجتماع البعض في طهران وآخرون في انقرة ابان ظهور نتائج الانتخابات الاخيرة وترنح المستقلون وما تبقى ما بَين خائفٍ وحائر.

لستُ مُرحباً بعودة الانتداب البريطاني على العراق وغير مُبالٍ بما صرّح بهِ (فائق الشيخ علي)، ولست مؤيداً لفرض الهيمنة الايرانية او التركية او السعودية على القرار العراقي، ولست مؤيداً لنتائج الانتخابات السابقة ولا اللاحقة لأننا شعبٌ امامهُ الكثير ليجيد استخدام صناديق الاقتراع، لست مؤيداً للحكومة الحالية رغم افضليتها عمّن سبقها، أنا مع عراقٍ بحكومةٍ ليبرالية قوية يمتاز برفاه العيش مثل الدول المجاورة له، حتى وإن تلحّف مثلهم بوشاح عَلم إحدى الدول العُظمى.

(1)انظر: النصّ الكامل لاتفاقية لوزان عام 1923 باللغة العربية، المعهد المصري للدراسات، القاهرة، ترجمة: عادل رفيق، منشور عبر موقع المعهد.

(2) انظر: المادة 42 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969.

(3)انظر: الفقرة 1 من المادة 24 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969.

(4) (لغط حول معاهدة لوزان فما حقيقتها؟)، تقرير نشرته وكالة اناضول للانباء عبر موقعها الالكتروني بتاريخ 2 / 9 /2020.

(5)راجع صلاحية مجلس الامن التابع للأمم المتحدة عبر المقال المنشور على موقع ويكيبيديا.

(6)وثائق انضمام العراق الى عصبة الامم في 3/10/1932، منشورة عبر موقع الممثلية الدائمة لجمهورية العراق للدى الامم المتحدة في جنييف، بتاريخ 1/ 10 /2021 انظر الرابط: https://www.mofa.gov.iq/geneva/?p=3191.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here