اشارات السيد محمد حسين فضل الله قدس سره عن الحج والقرآن الكريم (ح 3)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في اجوبة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره حول فريضة الحج: سؤال: رجلٌ مقتدر مادياً، يريد أن يرسل زوجته إلى الحج هذه السنة على أن يحج هو في السنة التي تليها. فهل يمكن له ذلك؟ ج: إذا كان مستطيعاً، فيجب عليه أن يحجّ هو، “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ” (ال عمران 97). لذلك، يجب عليه أن يحج هو أولاَ، ثم يرسل زوجته إلى الحجّ، أو تحج معه في السنة نفسها إذا كان قادراً مادياً على ذلك. سؤال: ما هو ثواب من حجّ البيت الحرام نيابة عن والده المتوفى أو العاجز، وهل تحسب له حجّة إلى بيت الله الحرام أم أن عليه إعادة الحج عن نفسه في العام القادم؟ ج: إذا كان مستطيعاً للحج الآن فلا يجوز له أن يحجّ عن والده سواء أكان متوفياً أم عاجزاً “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا” (ال عمران 97). نعم إذا كان قد حجّ سابقاً وناب عن والده فقد ورد في بعض الأحاديث أن له تسعاً من عشر من الثواب. ولا يكون حجّاً عن نفسه لأن الحجّ الواجب لا يكون إلا عن شخص واحد. س: هل تقبل العمرة من شخصٍ تارك للصلاة؟ ج: : إذا كانت عمرته واجدةً للشرائط، فتصحُّ منه، ولكن ورد: (الصلاة عمود الدين إذا قُبلَت قبل ما سواها وإن رُدَّت رُدَّ ما سواها)، وأيضاً: “إنّما يتقبّل الله من المتقين” (المائدة 27).

عن كتاب فقه الحج للسيد محمد حسن فضل الله قدس سره: قال تعالى: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّه شَاكِرٌ عَلِيمٌ” (البقرة 158). الصَّفا: في الأصل الحجر الأملس، مأخوذٌ من الصفو، واحده صفاة. والمروة: في الأصل الحجارة الصلبة الليّنة، وقيل: الحصاة الصغيرة. وقد صارا عَلَمين لجبلين صغيرين في مكة يفصل بينهما 430 متراً تقريباً. وقد كان ارتفاع الصفا خمسة عشر متراً، والمروة ثمانية أمتار. وفي زبدة البيان: (هما كانا جبلين بمكّة قريبين من المسجد الحرام، وهما الآن دكّتان معروفتان هناك). والدكّة من الدكاء، وهي الأرض المنبسطة. شعائر جمع: شعيرة، وهي العلامة، وشعائر اللّه العلامات التي تذكّر الإنسان باللّه وتوحي إليه بالمشاعر الروحية، وجاء في مجمع البيان: (والشعائر: المعالم للأعمال، وشعائر اللّه: معالمه التي جعلها مواطن للعبادة، وكلّ معلم لعبادةٍ من دعاء أو صلاة أو غيرهما فهو مشعر لتلك العبادة). وسوف يأتي منّا بيان ما هو المقصود من شعائر الله في آخر الأبحاث القرآنية، فانتظر. حَجَّ: والحجّ القصد على وجه التكرار. وفي الشريعة عبارة عن قصد البيت بالعمل المشروع من الإحرام، والطواف والسعي، والوقوف بالموقفين، وغير ذلك. اعْتَمَرَ: العمرة الزيارة، أُخذ من العمارة، لأنَّ الزائر يعمّر المكان بزيارته. وهي في الشرع زيارة البيت بالعمل المشروع.

جُنَاحَ: الجناح: الميل عن الحقّ. يُقال: جنح إليه جنوحاً إذا مال. أَن يَطَّوَّفَ: الطواف الدوران حول الشيء، وفي الشرع: الدوران حول البيت. والمقصود به هنا ـ كما عن الأردبيلي السعي بينهما. تَطَوَّعَ: التطوّع: التبرّع بالنافلة خاصةً. والطاعة والتطوّع أصلهما من الطوع الذي هو الانقياد. ولعلّه المقصود بالكلمة هنا. وقد فرض اللّه تعالى على حجّاج البيت الذين يقصدون أداء فريضة الحجّ، وعلى المعتمرين الذين يقصدون أداء العمرة التي يُراد بها زيارة البيت ضمن مناسك مخصوصة، أن يسعوا بين الصفا والمروة. وقد روى في الكافي في سبب نزول الآية، أنّه قد سئل أبو عبدالله عليه السلام عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أم سنّة؟ فقال: فريضة، قلت: أوَ ليس قال اللّه عزّ وجلّ: “فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا” (البقرة 158) قال: كان ذلك في عمرة القضاء، إنَّ رسول اللّه صلى الله عليه واله وسلم شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة، فتشاغل رجل وترك السعي حتى انقضت الأيّام وأُعيدت الأصنام، فجاؤوا إليه فقالوا: يا رسول الله، إنّ فلاناً لم يسع بين الصفا والمروة، وقد أُعيدت الأصنام، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: “فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا” (البقرة 158) أي: وعليهما الأصنام. وفي حديث حجّ النبيّ صلى الله عليه واله وسلم الذي رواه في الكافي أيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام: إنَّ المسلمين كانوا يظنّون أنَّ السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون، فأنزل اللّه عزَّ وجلّ: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ” (البقرة 158).

عن كتاب فقه الحج للسيد محمد حسن فضل الله قدس سره: قوله تعالى: “وَأَتِمُّوا الحجّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (البقرة 196). حكى الشيخ الطوسي رضي الله عنه في تفسيره عن جماعةٍ إنكار وجوب العمرة، بدعوى أنّ الله تعالى أمر بإتمام الحجّ والعمرة، ووجوب إتمام شيء لا يدلّ على أنّه واجبٌ قبل ذلك، فالحجّ المتطوّع به يجب إتمامه وإن لم يجب الدخول فيه. وبرّروا وجوب الحجّ استناداً إلى آية أخرى هي قوله تعالى: “َلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ” (ال عمران 97). وردّهم الشيخ رضي الله عنه، بأنّا قد بيّنا أنّ معنى أتمّوا الحج ّوالعمرة أقيموهما، وهو المرويّ عن عليّ عليه السلام، وعن عليّ بن الحسين عليه السلام. وها هنا ملاحظة في كلام الشيخ، وهي أنّه قد عرض في بداية المسألة أربعة أقوال في معنى إتمام الحجّ والعمرة: الأوَّل: أنّه يجب أن يبلغ آخر أعمالهما بعد الدخول فيهما؛ الثاني: أنّ معناه إقامتهما إلى آخر ما فيهما لأنّهما واجبان. ثم بعد أن أتمّ عرض الأقوال قال: وأصحّ الأقوال الأوَّل. وهذا ينافي ما اختاره لاحقاً ونقلناه عنه في ردّه على من أنكر وجوب العمرة. فتأمّل. وعلى كلِّ حال، فالذي يبدو لنا من سياق الآية، أنَّ المعنى الأول للإتمام هو الأظهر، فإنَّ المقصود الأساسي في الآية هو بيان كيفية الخروج من الإحرام سواء في حالة الإحصار أو في حالة الأمان، وليس الهدف فيها بيان تشريع الحجّ والعمرة. هذا أولاً. وثانياً: لم يظهر لنا من اللغة ما يبرّر إرادة الإقامة من الإتمام. وثالثاً: الملاحظ أنَّ الذين ذهبوا إلى المعنى الثاني اعتمدوا على الروايات التي تفسّر الآية بذلك، ومن الواضح أنَّ كلامنا هو في ما تدلّ عليه الآية في نفسها، مضافاً إلى أنَّ عالم الروايات التفسيرية هو عالم التطبيق للآيات على موارد خاصة، لا عالم بيان مدلولها اللفظي ومرادها الجدّي. وقد اعترف المقدّس الأردبيلي بظهور الآية في المعنى الأوَّل، قال: (ولكن ظاهر الآية، مع قطع النظر عن التفاسير التي تقدّمت وجوب إتمامهما بعد الشروع، فتفيد وجوب إتمام كلّ منهما بعد الشروع فيهما ندباً أو مع الإفساد، وحينئذ لا تدلّ على وجوبهما أصالةً وقبل الشروع). ومعنى الإحصار هو أن يعرض للحاج ما يمنعه من إكمال أعماله من خوف أو عدوّ أو مرض، وحينئذ يعذر من الإكمال، وعليه أن يتحلّل بذبح هدي أقلّه شاة. ولا يجوز له التحلّل والحلق إلاّ بعد أن يصل الهدي إلى المكان الذي يجب ذبحه فيه، وهو عدّة أماكن؛ فإن كان قد أحصر من قبل العدوّ كما حصل لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم في الحديبية، فعليه أن يذبحه في مكانه، سواء كان في إحرام الحجّ أو العمرة، وإن كان قد أحصر بغير ذلك وهو في إحرام الحجّ، فمحلّه منى يوم العيد، وإن كان في إحرام العمرة فمحلّه مكّة. وسوف يأتي في محلّه من البحث الفقهي، أنّه يكفي في جواز التحلّل مجرّد بلوغ الهدي محلّه، ولا يشترط فيه حصول الذبح أيضاً. ويستثنى من عدم جواز الحلق قبل ذلك، المعذور لمرض والمضطر، وحينئذ تلزمه الفدية، وهي – كما ورد في الروايات الشريفة صيـام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة.

عن كتاب فقه الحج للسيد محمد حسن فضل الله قدس سره: قوله تعالى: “الحجّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحجّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الحجّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ” (البقرة 197). وقد اختلفوا في تحديد هذه الأشهر على قولين: الأوَّل: أنّها شوال وذو القعدة وذو الحجّة، ويدلّ عليه جملةٌ من الروايات، منها رواية عبدالرحمن ابن الحجّاج الماضية. الثاني: أنّها شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجّة. ويدلّ عليه ما نسبه الشيخ في تفسيره إلى الباقر عليه السلام، وما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم. وأيّد أصحاب الرأي الأول ما ذهبوا إليه، بأنَّ جميع ذي الحجّة يصحّ أن يقع فيه شيء من أفعال الحجّ، مثل صوم الثلاثة أيام التي مرّ الحديث عنها، ومثل وقوع الذبح فيه. ومعنى كون هذه الأشهر هي أشهر الحجّ، عدم جواز الإحرام للحجّ، وكذا لعمرة التمتّع إلاّ فيها. والمقصود بالفرض في الآية، إلزام النفس بواسطة الإحرام من خلال التلبية أو الإشعار أو التقليد. وقد فسّر الرفث فيها بالجماع، كما في قوله تعالى: “أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ” (البقرة 187). وتوسّع بعضهم في معناه فقال: الرفث بالفرج: الجماع، وباللسان: المواعدة للجماع، وبالعين: الغمز للجماع. وفسّره آخرون بالفحش من القول مع النساء. وسياق الآية يساعد عليه؛ فإنَّ الفسوق والجدال من أفعال اللسان، ولكن الروايات واضحة في تفسيره بالجماع. وقد اختلفوا في معنى الفسوق أيضاً، قال في المدارك: (واختلف كلام الأصحاب في تفسير الفسوق، فقال الشيخ وابنا بابويه والمصنف وجماعة: إنه الكذب. وخصّه ابن البرّاج بالكذب على الله تعالى وعلى رسوله والأئمة عليهم السلام. وقال المرتضى وابن الجنيد وجمع من الأصحاب: إنّه الكذب والسُّباب. وقال ابن أبي عقيل: إنّه كلُّ لفظ قبيح، وقد وقع التصريح في صحيحة معاوية بأنَّ الفسوق الكذب والسباب، وفي صحيحة علي بن جعفر بأنّه الكذب والمفاخرة، والجمع بينهما يقتضي المصير إلى أنَّ الفسوق هو الكذب خاصة، لاقتضاء الأولى نفي المفاخرة، والثانية نفي السباب. لكن قال في المختلف: إنَّ المفاخرة لا تنفكُّ عن السباب، إذ المفاخرة إنّما تتمّ بذكر فضائل له وسلبها عن خصمه، أو سلب رذائل عنه وإثباتها لخصمه، وهذا معنى السباب. ولا بأس به. وكيف كان، فلا ريب في تحريم الجميع).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here