عبد الكريم قاسم جدل بين مؤيد ومعارض

Qasim in uniform.png

بنى العراق ودعم القوى الشعبية

اسس قانون الاصلاح الزراعي وقانون الاحوال الشخصية والغى قانون العشائر

حين قامت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 كان العراق قبلها تحت مظلة الاحتلال البريطاني لعقود وقبلها تحت سيطرة الاحتلال العثماني .. نفتح ملف حول احداث مر عليها اكثر من نصف قرن ومازالت اثارها شاخصة في ذاكرة الفرد العراقي ناهيك عن انعكاساتها على الشارع مما انعكس فكريا وثقافيا ومجتمعيا على الشارع العراقي

تحقيق : ابتسام ابراهيم

دراسة التاريخ يجب ان تكون موضوعية بعيدة عن الشخصنة هذا ما يراه استاذ العلوم السياسية الدكتور علي جبر دنبوس

لاشك ان لعبد الكريم قاسم صفات محببة عند اغلب العراقيين وخصوصا كبار السن ولا شك ايضا ان العهد الملكي لم يكن عهدا ماسيا , وان من يريد ان يبحث ويقيم نظاما سياسيا فان عليه ان يتخلى عن العاطفة غير المؤسسة على الحقائق والموضوعية ومن ينتقد شيئا او شخصا او موقفا ما فليس بالضرورة انه يؤيد او يتفق مع ضده فالذين ينقدون العهد العباسي سلبا ليس بالضرورة انهم يعضدون و يتفقون مع العهد الاموي , نحن بحاجة ماسة الى دراسة تاريخنا دراسة علمية وموضعية مؤسسة على معايير صحيحة .

من عاصروا الزعيم قاسم يجدون فيه انموذجا للقائد النبيل وهذا ما يراه الحقوقي والروائي حسن حافظ السعيدي :

لابد لكل منصف او صاحب ضمير ممن عاصره او قرأ عنه انه كان رجلاً مثالياً , بنى الكثير وشيد الجسور وافتتح قناة الجيش من الفحامة حتى ديالى بستة اشهر فقط ووزع الاراضي , وكان ثمن المتر الواحد درهماً او مئة فلس في حده الاقصى وجلب خمسين مصنعا من الاتحاد السوفيتي , استشهد بعد ان غجر به رفاق الامس واسقط حلف بغداد الذي كان موجها ضد العربية المتحدة والاتحاد السوفيتي .. كان يتجول ليلا ليتفقد شعبه شأنه شأن الصالحين الاوائل وكان يجلس مع البسطاء ويأكل من زادهم وحينما يمر بشارع الرشيد تحتضنه الجماهير وترفع سيارته عن الارض إلا ان انقسام الشهب بين يمين ويسار هو الذي دفع بالثورة الى الهاوية لتستولي عليها جماعة دموية لتقضي على كل ما بنته الحياة الجديدة لتبدأ سلسلة انقلابات .. وعلى حد تعبير القائد البعثي علي صالح ” جئنا بقطار امريكي ” ولتنتهي الى ما انتهت اليه !

لكن برغم كل الاخطاء القاتلة التي وقع فيها الزعيم كان الرجل بسيطا جداً لم يكن يملك دارا يسكن فيه و لا زوجة ولا ولد ولم يترك ثروة ولا اموال ولم يسرق الشعب بل وجدوا في

جيبه دينارا ونصف لا غير .. كان نزيها حتى عندما اعدموه وهو صائم وبصقوا ببشاعة على وجهه امام اجهزة التلفاز فالذين يحملون هذه الثورة الخالدة المسؤولية كأنهم يجدون تبريرا لما حصل لاحقاً من حروب دموية بدات ولم تنتهِ حتى الساعة , واحمّل شيئا من المسؤولية للقوى الديمقراطية التي لم تحتط للايام السوداء التالية فلم يكونوا يمتلكون السلاح ليدافعوا بها عن انفسهم وعسى ان يتعظ من يتعظ مما حلّ بالعراق من مآسي .

المثقف هو من يرى أي شي ويسمع أي شي ويحكم يتجرد وهذه هي وجهه نظر يتبناها استاذ التاريخ الدكتور ماهر الخليلي :

لا احد ينكر وطنية ونزاهة عبد الكريم قاسم وميله للفقراء ونجاحه في ترجمة الكثير من المشاريع الوطنية على ارض الواقع منها تبليط غالبية الشوارع في العراق وانشاء اكثر من خمسين معملا ومصنعا للحديد الصلب والفوسفات والصناعات الالكترونية والكيماوية وغيرها من مشاريع مجلس الاعمار السابق فضلا عن تسكين اكثر من ثلثي الشعب العراقي في مناطق جيدة هذه كلها انجازات تستحق التقدير وفي فترة قياسية اقل من خمس سنوات . العراق اليوم يدفع ثمن كل الدماء التي سالت منذ 1963 الى الان و لا يزال يدفع وسوف يبقى يدفع اذ لم تتوقف ثقافة التطرف والتعصب للآراء و الافكار و اطلاقها كمسلمات لا تقبل النقاش اذا لم يكن التمييز على اساس الاختصاص والمهنية والحرفية و اعطاء كل فرد حقه في مهنته واختصاصه وقبول رأيه دون تدخل خارجي حكومي او شعبي

وكان للفن التشكيلي محطة في ملفنا حيث يصف الفنان احمد عبد الرضا عمران حرية التعبير والرأي في العهد الملكي بقوله :

العهد الملكي حافل بالإعدامات مثلا اعدام ثلة من الكفاءات و الاكاديميين وكذلك اعدام العقداء الاربعة و تعليق جثثهم بالعراء لأيام وكذلك اعدام بعض قادة الاحزاب السياسية رغم اعلان برالءتهم كفهد وغيره و ايضا اعدام بعض رؤساء العشائر الذين لم تتوافق انتماءاتهم مع تطلعات نوري السعيد وغيرها من الانتهاكات السياسية و الانسانية منها قمع المظاهرات الطلابية الرافضة لبعض المعاهدات والدليل ان الملك فيصل الاول مات مقتولاً والملك غازي حتى عبد المحسن السعدون موضوع انتحاره مشكوك في صحته وليس اخرا مجزرة بكر صدقي بحق اهالي الفرات الاوسط وتحت انظار الملك غازي اما بالنسبة للديمقراطية في عهد قاسم تأسست في عهده الكثير من الاحزاب ومعظم الصحف التي كانت مغلقة قبلها اعيد اصدارها وليس عدلا ان نعلق عليه اخطاء بعض العسكر ومن يقول ان العهد الملكي كان عهد حرية رأي فليقرأ كتب علي الوردي ومذكرات الكثير من المثقفين وقصائد الشعراء الذين طوردوا وظلموا تلك الحقبة .

نكرة السلمان و عفا الله عما سلف

نعود للأستاذ الحقوقي حسن حافظ السعيدي

اتحدى أي انسان اني ذكر وثيقة تقول بالسحل وتنسبها الى عبد الكريم قاسم وهو صاحب نظرية ( عفا الله عما سلف ) والسحل بدأ يوم الثورة مع الوصي عبد الاله ونوري السعيد لكثرة معاناة الشعب منهما وتلا ذلك في الموصل بعد حركة الشواف الانقلابية ومن ثم في كركوك من بعض المتطرفين من قوى اليسار والتعذيب حصل بعد انقلاب عبد السلام عارف الذي فضح فيه زملاء الامس من البعثيين بكتاب صادر عن مخابراته وهذه معروفة لدى الجميع وكان عبد الكريم متسامحاً الى اقصى الحدود حتى مع الذين ضربوه الى درجة ان الجواهري يطلب من الزعيم بقوله :

فضيِّقِ الحبلَ واشدُدْ مِن خناقِهُمُ فَربَّما كانَ في إرخائه ضَرر

تَصوَّرِ الأمرَ معكوساً وخُذْ مَثَلاً مما يَجرُّونه لو أنهم نُصِروا

واللهِ لاقتِيدَ “زيدٌ ” باسم ” زائدةٍ ” ولأصطلى ” عامرٌ ” والمبتغى ” عُمَر”

ويروي لنا الدكتور عبد جاسم الساعدي تفاصيل احداث قد غيبت عن الكثيرين

عبد الكريم قاسم رجل عسكري نشأ على حب الجندية والوطن وكان شخصية محترمة بين الضباط ويسعى لبناء وطن ولكنه عانى من الحرمان والدعم اللوجستي العربي و الاجنبي فمثلا ومنذ انطلاق الثورة نزل الناس الى الشوارع بصورة تلقائية وهجموا على السفارة البريطانية ثم نزل عبد السلام عارف و اعلن حظر التجول حينها

النظام كان عسكريا لكن بعض القوى السياسية شهدت حالة انفتاح فأنشأت المنظمات والنقابات ومنظمات مدنية كثيرة لم تكن قد رأت النور الا بعد ثورة 1958

ثم عين قاسم شخصا اسمه جابر عمر وزيرا للمعارف وهو قومي لاجئ سياسي في سوريا وتم تعيينه بناءً على سمعته لان قاسم لم يكن يعرفه شخصيا فعند قدوم جابر الى بغداد وذهابه الى وزارة الدفاع التقى مجموعة من الضباط وسلم عليهم وبدأ يبحث عن الزعيم رغم وجود الزعيم بين الضباط

اعطى عبد الكريم قاسم حركة فكرية للأحزاب السياسية والمؤسسات و ازدهر التعليم ثلاثة اضعاف ما كان عليه سابقاً حيث نزلت المدارس الى الفقراء و انشأت المستشفيات و المستوصفات في كل القرى والنواحي بدعم سوفيتي واعدى منصب رئيس جامعة بغداد للبروفسور عبد الجبار عبد الله وهو من الطائفة المندائية

اما ما يخص الادب وعلاقته بالسياسة قبل 1958 فالمظاهرات التي خرجت عام 1948 والتي قادها الشاعر الجواهري بعد استشهاد اخيه جعفر فقد شهدت الحقبة الملكية الكثير من حالات الاعدام لكن المجتمع العراقي حينها كان مختلفاً مثل التعداد السكاني كان حوالي سبعة مليون

نسمة و السياسة كانت مقتصرة على السياسيين وطلبة المدارس والمظاهرات يقودها الشعراء والقصيدة في وقتها كانت تأخذ بعداً سياسيا , قصيدة تعبوية تحريضية اما الان فالقصيدة بدأت تأخذ منحىً اخر حيث اتجه الشعراء الي المراثي والمواكب الحسينية ومع ذلك ولدت مظاهرات من رحم المواكب الحسينية وهذا ما تلاحظينه في الفترة الاخيرة لان المواكب الحسينية هي في جوهرها سياسية ولذلك تسعى الانظمة على اختلافها لمراقبتها او الاستفادة منها

ظهرت حركة مناوئة للزعيم قاسم كحركة الشواف في الموصل و حركة الطبقجلي وغيرها . لا ادافع عن الزعيم لكني ادافع عن التاريخ الرجل بنى وطنا قوياً و دعم القوى الشعبية , دعم الفقراء والكادحين , اسس قانون الاصلاح الزراعي وإلغاء قانون محاكم العشائر ، والقوانين الاخرى ، تقوضت سلطة الشيخ بالكامل! وقانون الاحوال الشخصية الذي يعتبر من افضل القوانين على مستوى العالم العربي اما الاخطاء التي سجلت على الزعيم هو التوزيع غير العادل لقطع الاراضي ومساحتها هذا ايضا مردود عليه باعتبار ما تم توزيعه مجانا او بالتقسيط للموظفين و ابناء الجيش .

بعد عام 1961 عاد الاقطاعيون اكثر شراسة وقانون الاصلاح اثار حفيظة الشيوخ فاعتدوا على نساء الفلاحين وسلبوهم اولادهم اما انقلاب شباط فكان انقلابا امريكا بامتياز

عموما بقي الناس لسنوات طويلة يتناقلون سيرة الزعيم عبد الكريم قاسم ويزعم بعضهم ان رآه او تصور وجهه في القمر .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here