الحشد المليوني للصدر.. رسائل “معلنة” وأخرى “مبطنة”

أتباع الصدر وقفوا تحت أشعة الشمس الحارقة وهتفوا بشعارات دينية

رسائل معلنة وأخرى “مبطنة” أرسلها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لخصومه السياسيين عبر مئات الآلاف من أنصاره الذين احتشدوا في شوارع بغداد، الجمعة، تلبية لنداء زعيمهم.

وصل أتباع الصدر إلى العاصمة من جميع أنحاء البلاد، وملأوا شارع الفلاح في مدينة الصدر، الطريق الرئيسي الذي يمر عبر معقل الدعم الرئيسي لرجل الدين الشيعي الذي فاز حزبه بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التي جرت في أكتوبر، وتجاوز عددهم المليون حسب بعض التقديرات.

وقف الأتباع تحت أشعة الشمس الحارقة وهتفوا بشعارات دينية. وتلا ممثل الصدر، الشيخ محمود الجياشي، بصوت عالٍ خطابا من رجل الدين خلال صلاة الجمعة وكرر الدعوات لحل الجماعات المسلحة، في إشارة غير مباشرة إلى الجماعات المسلحة العراقية المدعومة من إيران والمرتبطة بمنافسيه.

كان الحدث من بين أكبر التجمعات لأتباع الصدر بعد عام 2003. ولكن الأهم من ذلك أنه حمل رسالة إلى خصوم الصدر السياسيين بقدرته على تعبئة الشارع العراقي وزعزعة استقرار البلاد، وفقا لمحللين.

يقول المحلل السياسي غالب الدعمي إن “الصلاة حملت في طياتها أهدافا معلنة وأخرى مبطنة عمد الصدر لإرسالها في هذا الوقت بالتحديد”.

ويضيف الدعمي لموقع “الحرة” أن “الأهداف المعلنة هي تلك التي سمعناها في الخطبة وسبق أن تم تداولها من قبل الصدر في تغريداته والمتمثلة بحل الفصائل وملف الحشد والتعامل مع القوات الأميركية ونقاط إصلاحية تتعلق بالمناطق المحررة والمناطق الجنوبية وغيرها”.

ويتابع الدعمي أن هناك ثلاثة أهداف غير معلنة مهمة تضمنتها تحركات الصدريين اليوم، الأولى هي أن مزاج التيار الصدري كجمهور يرى أن هذه التظاهرة بمثابة محاولة لإعادة رص الصفوف من خلال تحشيد هذا العدد الهائل من الأنصار”.

ويشير الدعمي إلى أن “الجمهور الصدري رأى نفسه اليوم قويا وبالتالي تجاوز عملية تداعيات الانسحاب من البرلمان”.

“كذلك أرسل التيار الصدري رسالة مفادها ضرورة تطبيق النقاط التي طرحها الصدر أو أن هذا الجمهور سيكون البديل عنكم لاحقا وسينفذ الإصلاحات التي يرغب الصدر بتطبيقها” وفقا للدعمي

ويرى الدعمي أن “الرسالة الأخيرة موجهة للعالم، حاول الصدر القول من خلالها إننا كتيار صدري الوحيدون الذين نستطيع تهيئة الجمهور وتحشيده وتجييشه والإطاعة طاعة عمياء”.

“خارطة طريق”

وكان الصدر، الذي فاز حزبه بالمركز الأول في انتخابات أكتوبر الماضي، تعهد بحل الجماعات المسلحة العراقية القوية الموالية لإيران الشيعية ومحاسبة السياسيين العراقيين الفاسدين.

لكنه وفي خطوة مفاجأة أمر جميع نوابه الـ 74 بالاستقالة الشهر الماضي بعد أن فشلت محاولاته في تشكيل حكومة خالية من الأحزاب المدعومة من إيران والتي هيمنت على العديد من مؤسسات الدولة لسنوات.

والتهديد بالمظاهرات الجماهيرية هو تكتيك راسخ لمقتدى الصدر أثبت نجاحه في الماضي. ففي عام 2016، اقتحم أنصاره المنطقة الخضراء، وهي منطقة شديدة التحصين تضم مباني الحكومة العراقية والسفارات الأجنبية، كما اقتحموا مجمع البرلمان وهاجموا مسؤولين.

وتخشى الأحزاب الشيعية المنافسة للصدر، ومن أبرزها الإطار التنسيقي الذي يضم أطرافا موالية لطهران، أن يستخدم الصدر الآن أتباعه الشعبيين الواسعين من الطبقة العاملة الشيعة لعرقلة محاولات تشكيل حكومة، أو التهديد بإسقاطها في حال تشكلت من خلال الاحتجاجات.

ويرى المحلل السياسي مناف الموسوي أن “الصدر فاجأ الجميع اليوم وأثبت مجددا أنه صاحب مشروع بناء دولة وليس طالبا للسلطة من خلال تقديمه لخارطة طريق للكتل السياسة لبناء الدولة العراقية”.

يقول الموسوي لموقع “الحرة” إن “الصدر اليوم ألقى الكرة بملعب القوى المنافسة، وإذا ما أرادت أن تحظى بموافقته فعليها الالتزام بالنقاط التي طرحها لتجنب الصدام”.

بخلافه يعتقد الموسوي أن الجمهور الصدري غاضب اليوم مما تطرحه الكتل السياسية “المتمسكة بالمحاصصة والامتيازات الحزبية والتوافق”.

ويرجح الموسوي أن عدم الاستجابة لمطالب الصدر، تهدد “بتكرار التجربة السريلانكية في العراق”، مضيفا أن “الجمهور الغفير الذي حضر للصلاة يمكن أن يطبق هذه التجربة على الكتل السياسية التي تفضل المصلحة الحزبية على الوطنية”.

ويتفق الدعمي ما يطرحه الموسوي ويرى أن “التيار الصدري اتخذ قرارا بالمواجهة الشعبية مع أي حكومة تشكل وفق رؤية الإطار التنسيقي”.

يتوقع الدعمي أن لا تلتزم القوى المنافسة بمطالب الصدر “وخاصة ما يتعلق منها بحل الفصائل المسلحة”.

ويرى الدعمي أن “الخطوة المقبلة للصدريين هي التظاهر ضد الحكومة المقبلة، وبقوة هذه المرة”، مرجحا في الوقت ذاته أن “تقام الصلاة المقبلة في داخل المنطقة الخضراء” كما فعل في السابق.

وفي أبرز ردود الفعل الصادرة من القوى السياسية على خطوة الصدر، قال رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في تغريدة إن “ما طرحه الصدر في رسالته اليوم يعد خارطة طريق وطنية كانت أساسـا لبـناء تحالـف قـوي يتبنى هذه الطروحات وغيرهـا مـن أساسيات المجتمـع وضروراته”.

وأضاف أن “العملية السياسية بحاجة إلى عقد جديد تتبنى فيه القوى الوطنية معالجة الأخطاء والخطايا، بعيدا عـن أوهـام وعقـد المؤامرة الكونية التي يعيشها البعض”.

ومنذ انتخابات أكتوبر المبكرة، لا يزال العراقيون الذين يواجهون أزمة اجتماعية واقتصادية، يجهلون من سيكون رئيس حكومتهم المقبل.

وتعجز القوى السياسية الشيعية البارزة، أي التيار الصدري والإطار التنسيقي الشيعي، منذ أن أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية عن الاتفاق على صيغة تخرج البلاد من المأزق السياسي، وتشكيل حكومة.

وبفوزه بـ73 نائبا من أصل 329، كان الصدر يريد تشكيل حكومة أغلبية بالتحالف مع كتل سنية وكردية، فيما أراد خصومه في الإطار التنسيقي تشكيل حكومة توافقية.

لكن الصدر قرر سحب نوابه من البرلمان في يونيو الماضي، في خطوة اعتبرت أنها تهدف إلى زيادة الضغط على خصومه السياسيين.

وبانسحاب نواب الكتلة الصدرية، بات للإطار التنسيقي العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان العراقي. ويضم الإطار كتلا شيعية أبرزها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالي لإيران، لكن حتى الآن لم يتمكن الإطار أيضا من الاتفاق على اسم مرشحهم لرئاسة الحكومة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here