الكراسي العقيمة!!

الكراسي العقيمة!!
الأمة لديها أطول تجربة حكم في التأريخ , منذ دولة المدينة وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى , وما تعلمت دولها الحديثة الناشئة في القرن العشرين , ولا إستفادت من تجارب الحكم الغنية بالآليات الصالحة لبناء الدولة الأقوى والمجتمع الأصلح.
يُحكى أن الرئيس جمال عبد الناصر في زيارته للصين طلب النصح من الرئيس ماو , فإندهش الأخير وتعجب من سؤاله وقال له: أنتم الذين يجب أن تنصحونا لثراء تجربتكم وتأريخكم.
ويبدو أن الرئيس ماو إكتشف أن الرؤساء العرب لا يقرأون , بينما هو المدمن على القراءة!!
الكراسي في دول الأمة كأنها أوعية الناعور , تُملأ وتُسكب وتكرر ذات السلوك دون قدرة على التغيير والتفاعل الواعي مع معطيات العصر , بل أن أكثرها تأتي لتهدم ما بناه الذي كان قبلها في الكرسي , ولهذا ينطبق عليها قول الشاعر:
” متى يبلغ البنيان يوما تمامه…إذا كنت تبني وغيرك يهدم”,
الكراسي لا تتوالد وتتواصل وتتفاعل بإنسيابية تلاحمية , وإعتصامية بحبل الوطن وراية الأمة المتكاتفة المتكاملة التطلعات والمصالح والحاجات , إنها تأتي إلى الحكم بأساليب غابية , ويكون في مقدمتها الإنقلاب فيفترس اللاحق السابق بوحشية مفلوتة , ويستعين بشياطين الدنيا كافة لمحق وجوده وإستئصال أثره , كما يفعل الأسد الذي ينتصر على أسد ويطرده من أجَمَته (مأواه في الأدغال).
فالكراسي تتماحق , وتتسبب بخسائر كبيرة وتداعيات خطيرة لا تنتهي عواقبها , وتمضي عجلاتها في دورانها إلى سوء المصير الأخطر.
ووفقا لمناهج الغاب المستعرة فيها , فأنها تعطل عقولها وتنقاد لغرائزها , كأي حيوان لبون آخر تفرد بالهيمنة على ميدانٍ ما , ولهذا تكون إنجازاتها متصلة بدرجات إستعار غرائزها ومديات إنفلاتها , حتى تصل إلى مصيرها المحتوم , وهكذا دواليك , وتسمى ثورات وإنقلابات وأنظمة حكم , وما هي إلا سورات وثؤرات , فأوصلت مجتمعاتنا إلى ما هي عليه من الأحوال , وعجزت عن إطعام نفسها والحفاظ على وحدتها الوطنية , وأمنها المجتمعي والسيادي , وتستعد للتحول لعصف مأكول بجهود الكراسي المتعاونة مع الطامعين بإفتراسها.
وتلك دوامة الإتلاف السياسي المعفر بالخطايا والآثام!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here