“سرّ الحياة” يقتل العراقيين جنوباً.. السرطان يتسلل إلى المنازل عبر أنابيب المياه

أكثر من خمسين ألف نسمة يواجهون خطر الموت، والسبب شريان الحياة، إذ يعاني أهالي قضاء الميمونة في محافظة ميسان (جنوبي العراق)، من أمراض خطيرة نتيجة تلوث نهر البتيرة بمياه الصرف الصحي (المجاري).

ويواجه غالبية سكان الميمونة أمراضاً عدة، بسبب تصريف دائرة مجاري القضاء (الثقيلة) التي تصدر من الأحياء السكنية في نهر البتيرة، المغذي الرئيسي بمياه الشرب لمنازلهم.

وأظهرت وثائق، تثبت فيها نتائج تحليلات مياه نهر البتيرة المتفرع من نهر دجلة، احتوائه على كميات كبيرة من المواد المسرطنة والضارة لجميع التنوع الإحيائي، ما تسبب بأمراض وأضرار طالت الحيوانات والنباتات في المناطق القريبة من النهر.

حرف المسار

وعلى إثر ذلك، قال النائب عن محافظة ميسان، رائد المالكي، بعد زيارته المنطقة للاطلاع على الحالة بشكل مباشر، استجابة لشكاوى ومناشدات من قبل المواطنين بهذا الخرق لقانون البيئة، “وجهنا كتاباً إلى محافظ ميسان (المحافظ بحسب قانون البيئة هو رئيس مجلس حماية وتحسين البيئة)، وطالبناه بالإسراع لمعالجة هذه المشكلة”.

وأكد المالكي، خلال حديثه زيارة مديرية مجاري محافظة ميسان”، مردفاً: “أخبرنا بإدراج مشروع لتغيير مسار تصريف المياه من شط الميمونة تجاه منطقة تبعد 20 كيلومترا عن تصريف مياه الأنهر وعن المواطنين”.

وأضاف أن “المشروع أدرج ضمن موازنة 2022، وحالياً ينتظر مصادقة وزارة التخطيط عليه، لتغيير مسار تصريف مياه المجاري من شط الميمونة إلى مكان آخر”.

وأشار النائب عن ميسان، إلى أن “مياه المجاري أثرّت على سكان قضاء الميمونة، فقد سُجلت إصابات لمواطنين بأمراض جلدية، لكن الجهات الرسمية كدائرة صحة ميسان وغيرها، لم تثبت أن هذه الأمراض حصلت نتيجة تلوث مياه النهر، وربما الجهات الرسمية لا ترغب بالافصاح عن هكذا أمر، لكنه من الواضح أن هناك إصابات فقد أظهر المواطنون تقارير طبية أثبتت إصابتهم”.

من جانبه، ذكر الناشط البيئي، أحمد صالح، أن “تلوث نهر البتيرة أدى إلى نفوق العديد من الحيوانات وخاصة الأسماك، فقد بدأت تفوح منها رائحة كريهة بسبب التلوث، فضلاً عن تعرضها لأمراض كثيرة، بالإضافة إلى انتهاء الاحيائيات المولدة للبكتيريا الحميدة داخل النهر، ووصلت نسبة تلوثه بالمياه الثقيلة (المجاري) التي تصدر عن محطة مجاري البتيرة إلى نحو 70%”.

واقترح صالح في حديثه لوكالة شفق نيوز، حلا لمعالجة المشكلة، بـ”تحويل مسار الأنبوب الناقل للمجاري، فبدلاً من أن يقذف داخل النهر تُحول المجاري إلى محطات كبيرة بمساحات للترسيب أو بمساحات للتبخير أو بمساحات للامتصاص، كما معمول في مصر وبقية البلدان”.

دعاوى قضائية

من جهتهم، خرج أهالي البتيرة بتظاهرات عديدة للمطالبة بوضع حل لهذه الأزمة الصحية لكن دون جدوى، وفق ما يقول المواطن حسين علي، الذي اعتبر اجابة الحكومة المحلية والمركزية “استهزاء بأرواح المواطنين”، مؤكداً أن “محافظ ميسان لا يستجيب للمناشدات ولا يقوم بزيارة المواطنين المصابين”.

وتابع علي (أحد سكنة البتيرة)، خلال حديثه للوكالة: “قمتُ برفع دعوى على المحافظ ومدير المجاري ومدير الصحة والبيئة، وكل من له ارتباط بهذا الموضوع، والدعوى الآن في هيئة النزاهة”.

انفجار وبائي

وعن تفاصيل الدعوى يقول موكل علي، المحامي أحمد طالب الجيزاني، إن “شكوى جزائية أقيمت بسبب كثرة الاصابات بالامراض الجلدية في قضاء الميمونة، المتمثلة بالجدري المائي والجرب والأكزيما وغيرها من الامراض الجلدية، بالاضافة إلى ذلك امراض المجاري البولية والفشل الكلوي والإصابات السرطانية من سرطان الدم أو أورام داخل الجسم، وخلال اسبوع واحد تم تسجيل ثلاثة إصابات لوكيميا الدم في القضاء”.

وذكر الجيزاني: “لدينا تقارير ومن جهات رسمية تابعة إلى دائرة صحة ميسان مثبت بها وبالأرقام أعداد الاصابات من الاسهال الشديد والجرب والتهابات المجاري البولية، كذلك تقارير رسمية من دوائر صحية تابعة إلى دائرة صحة ميسان، تثبت بأن المياه ملوثة في نهر البتيرة المغذي لقضاء الميمونة”.

وأضاف أن “المياه الثقيلة التي تصب في نهر البتيرة غير معالجة ومعقمة ولم تمر بأي مرحلة من مراحل تسريب الأملاح أو تكسير المواد الضارة، فمباشرة تنقل مياه المجاري من قناة التصريف إلى نهر البتيرة وبالتالي تحول لون النهر من اللون الطبيعي إلى اللون الأسود، وهذا يدل على تلوث المياه بشكل كبير”.

وأشار إلى أن “فعل مديرية المجاري من رمي المياه الثقيلة في نهر البتيرة المغذي الرئيس لقضاء الميمونة يعتبر مخالفة صريحة وواضحة لنص المادة 14 من قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009، وعلى هذا الاساس تمت إقامة شكوى جزائية عن طريق الإدعاء العام”.

وأوضح أن “الشكوى حالياً في محكمة تحقيق النزاهة في محافظة ميسان، وبمتابعة دقيقة من مكتب تحقيقات النزاهة وما تزال لغاية الآن في موضع البحث، والتحقيقات جارية والمحكمة مستمرة في مخاطبة الدوائر المعنية لتزويدها بكل تفاصيل موضوع الدعوى”.

وخلال الأيام القليلة المقبلة، رجح الجيزاني، إثبات “التقصير من قبل المسؤولين والقائمين على هذا المشروع، وبما تسببوا به من أضرار ليست لساكني قضاء الميمونة فقط، وإنما حتى في الثروة الحيوانية والسمكية والزراعية، فالمناطق الزراعية القريبة من المشروع لحق بها ضرر كبير طال المحاصيل الزراعية”.

وخلص المحامي إلى القول: “الأسماك أيضاً ليست بمنأى عن هذا الضرر، فعند الصيد بمكان قريب من المشروع أو حتى من مسافة تبعد كيلو متراً فأكثر، فإن الأسماك وكل ما يتم صيده من هذا الموقع يكون له رائحة نفطية، وعندما يتم نقل السمك إلى الأسواق فبمجرد معرفة الزبائن أن هذا السمك من نهر البتيرة يمتنعون عن شرائه لما له من رائحة نفط قوية، وذلك لاحتواء النهر مواد كيميائية ومخلفات ضارة بسبب تصريف مياه المجاري الثقيلة إليه”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here