مَتَحَجِّرَةٌ . …! وُجُوه
د. نيرمين ماجد
لم تكن القوة يوما مرادفا للقسوة, ولا الرحمة مرادفة للضعف والانكسار, ولا الاخلاص والصدق مرادفا للسذاجة واللامبالاة, ان كل الصفات النبيلة تعبر عن نقاء القلب وسلامة الروح , مكتملة لدى من كانت الانسانية تنبض في قلوبهم الرحيمة المعطاءة, فلا ينفك الأصيل عن أصالته حتى لو اشتدت وحاولت الدنيا كلها دفعه نحو التلون والتصنع والنفاق فأصله الطيب يرده” إن الكرام وان ضاقت معيشتهم دامت فضيلتهم والأصل غلاب”.
هذا هو حال الدنيا يسر وعسر, قوة ووهن, تعثر ووقوف, فشل وانجاز , غضب وبهجة معافاه ومرض لكننا نتعافى يوما تلو الاخر, نتقبل الواقع والحقائق التي أوجعتنا نتوقف عن الهروب منها ونسعد بأننا صمدنا ومررنا بالوجع ولم نتغير, وأن القلب ما زال يتسع للحب وما زالت النفس تبذل الخير بلا كلل و دون انتظار, وان كل روح هادئة يختبئ ورائها طفل بريء جميل كيس فطن يحب الحياة يمحص القول ويتفحص الرأي أيقن بمقوله ” عقلك لك لا لغيرك”, وكل عقل متزن يختبئ وراءه الاف الحكايا والتجارب والخبرات فتأمل من أمامك لتراه.
إن أكثر الفروق وضوحا بين الوجوه الحقيقة والوجوه البلاستيكية المصطنعة المزيفة هي الفترة الزمنية التي تتكشف وتتساقط بها تلك الوجوه, فابتسامات وكلمات الصادقين تفيض سماحة وبشاشة وأصالة وشهامة وكأنهم يغترفون مما في دواخلهم من مشاعر وود وحب ترمم شقوق الروح, بينما ابتسامات المصطنعين مزيفة ملونة مؤقتة مجردة مريضة صفراء زائفة متصنعة يرتدونها لمدارة خيباتهم و معاناتهم وهمومهم وأفكارهم السوداوية التي جعلتهم عبيد لتلك الأفكار الهشة, يعيشون حياة كلها شك وحطام وانهيار كمحرقة جثث ملتهبة وموحشة , فاختر حياتك وقناع وجهك بحكمة وعناية.
ينتابني العجب دوما عندما ألتقي بــ هكذا شخصيات سيكوباتية نرجسية تدعي الصدق والأخلاق والعلم مؤجرين عقولهم وأقلامهم وأفكارهم متعالون فوق البشر, يجيدون لبس الأقنعة وترتيبها حسب المواقف والأمكنة, تارة يرتدون قناع الغدر وتارة قناع الصداقة وتارة أخرى قناع الحب وتارة قناع الشرف, وللأقنعة في حياتهم بقية…. , فتجدني اتساءل ما العلم الذي تلقوه في حياتهم! وكيف وصلوا الى هذا المستوي من التفكير والتجرد من الانسانية؟ ولماذا يتعامل البعض بقسوة وتلون وتصنع مع الاخرين ممن لا يشكلون تهديدا لهم؟ وماهي الأسباب الكامنة لإلحاق الأذى والضرر بالأخرين, أما أنهم لا يشعرون بآلام الأخرين أو كونهم يستمتعون بذلك! وما هي التجارب والدروس التي خاضوها ليتلونوا ويستبدلوا الأقنعة! وهل العادات والتقاليد وثقافة الكبت والقمع في المجتمعات تولد شخصيات مزدوجة في دواخل ذواتنا المنهكة! دنيا عجيبة فلا تندهش من زحام الأقنعة…….
لم اتأثر يوما بأصحاب الكلمات المنمقة الجاهزة المليئة بالرتوش, لان الكلمات قد تكون لكمات تكذب وتخون تتلون وتتبدل, ولكن التصرفات دوما تنطق بالحقيقة فشكرا للمواقف التي تظهر لنا حقائق البشر, أو أولئك الوعاظ خلف الشاشات ممن يدعون المثالية والحكمة , لكني دوما اتأثر بالأشخاص الصادقين الأصيلين الناجحين الصامتين الحقيقين الذين يمثلون دعم وقوة لأنفسهم ولغيرهم يتمتعون بثقة عالية في أنفسهم لذلك لا يهدرون طاقتهم في صراعات واختلاق أحداث درامية مع الاخرين, أصحاب ردود الفعل المتأخرة والكلمات العفوية غير المرتبة, من يستوعبون كلماتي العفوية فلا يحللونها ولا يؤرشفونها في سجلاتهم ولا يلوحون بأيديهم بالهواء بعصبية ردا على كلماتي وتصرفاتي المجنونة, من يضموني وقتما أبكي وأضحك محاولين الامساك بكلمات تخفف عني حتى وان لم يجدوا… من لا يتصنعون ولا يداهنون ولا ينكرون أنفسهم.
نحن لا نحتاج مزيدا من أصحاب الأقنعة المزيفة الذين يجيدون فن التمثيل على مسرح الحياة كالحرباء المتلونة في الأخذ, الذين يعتقدون أنهم أذكى البشر وهم في الغالب يتسمون بآفاق ضيقة ونظرات عقيمة للحياة, أناس يفتقرون الى الانسانية والرحمة يستغربون من مفاهيم التضحية والايثار في مساعدتهم لمن حولهم ,وربما يصفون تلك المفاهيم بالغباء والسذاجة لأن الطيبة في عرفهم هي منتهى الغباء, يعانون عقدة النقص حسودين يتمنون زوال النعمة عن المحيطين بهم , حريصين على التعلق بالدنيا, بارعون في التمثيل والمراوغة.
ارتداء الأقنعة عبر العالم الافتراضي متنفس وساحة لمن يستخدم ويستبدل هذه الوسائل حسب مصلحته ومزاجه, تمضي الحياة بين أحداث متقلبة مستفزة مستمرة وبرود لا يطفئه شيء, وأفكار عنيفة مدمرة منسحبة وكارثية, نتناسى مرة ونتأسى مرة ونسخر مرة من ذاك البركان الغاضب ومن جمرات النار التي أحرقت قلوبنا والثقة التي زرعناها في قلوب من لا يقدرون الصدق وأهله, لكن الانسان ينضج فكرا ورصانة ورزانة بالتجارب والمواقف العميقة لا بالسنين الممتدة, بالتأمل والتدبر بالصبر والتوكل بالقوة والايمان, مزاجك وصحتك أغلى ما تملك فاجعلهم بمكان أمن لتقرأ وتكتب وتعمل وتسعد ولتتفاعل بإيجابيه, لان الانسان يتعلم بطريقتين بالقراءة وبمصاحبة من هم أعلم منه, وينمو بالتجربة وينكمش بالخوف, وأعلم أنك مخلوق لتعدد نعمك وليس متاعبك.
الحياة هبة فلا تنزف قلبك ووقتك في الالم والكأبة والمشاحنات والكره, ولا تستنزف طاقتك في محاولة لعب دور المعالج النفسي في كل علاقة فأنت لست علاج مؤقت ولا خطة احتياطية ولست فرصة ثانية مركونة على الرف, فكل ما تحتاجه المصداقية, في الحب و الاعتذار, وصدق المدح, صدق الحزن, صدق السؤال, صدق الطلب والطالب, صدق الوجه الواحد والحقيقي مهما كان عبوسا, يكفيك فقط أن تشعر معه بالأمن والأمان والراحة والسكينة والثقة والحب والجمال والنجاة, يأسرنا فقط الصدق وأهله في كل شيء….