العراق و تركيا… و البحث عن “عدو”..؟؟..

د. اكرم هواس

في عملية دراماتيكية تتكرر كثيرا في السنوات الاخيرة ادى قصف احدى المصائف السياحية في دهوك الى تغيير في نمط تعامل الدولةالعراقية و نخبها السياسية و الثقافية من حيث تعدد الطروحات في كيفية مواجهة ما سمي “بالعدوان التركي” و ذهبت بعض الطروحات الىاجراءات مركزية و عميقة في تاثيرها حيث بدت الصورة و كأن تركيا اصبحت “العدو” الذي يبحث عنه العراقيون.. لماذا..؟؟

مبدأياً لا يبدو ان العملية مرتبطة بمؤتمر طهران حيث رفضت ايران و روسيا اية اجراءات تركية في شمال سوريا.. كونهما تدعمان الحفاظعلى استقلال الدول ( وفق رؤيتهما)… بل

العملية قد تكون مرتبطة بطبيعة المداولات و ربما الخطط التي تمت مناقشاتها في مؤتمر جدة حيث ان اعادة الوضع العراقي كانت احدىاهم عناصر المهمة في البحث عن تكتل جديد يشرعن من جهةٍ تمدد اسرائيل السياسي في العالم العربي و من جهة اخرى يضع حدوداًللدور الايراني و احتمالات ترسيخ شراكة استراتيجية بين ايران و روسيا و الصين هي قائمة منذ سنوات بشكل او باخر .

على الطرف الاخر…تركيا التي تواجه ازمات متلاحقة ليس في وضعها الداخلي اقتصاديا و سياسيا و انما ايضا و بشكل اكبر في مشاريعالتمدد و احلامها التي تواجه الاخفاق في اسيا الوسطى و الشرق الاوسط كما حدثت ايضا في اوروبا و كذلك في توظيف العلاقة “الندية” الخاصة مع روسيا بالاضافة الى الدور الهامشي في اطار حلف الاطلسي .

وسط هذه الاخفاقات لن تضر تركيا كثيرا لو انها اختارت ان تلعب دور “العدو” للعراق طالما انه لن يترتب على ذلك اية خسائر اضافية بلربما يسمح لها ذلك التهرب من قضية المياه الضاغطة و بالتالي التوصل الى معادلة قديمة طرحها الرئيس سليمان ديميريل في بدايةتسعينات القرن الماضي و التي كانت تتلخص في ” النفط مقابل المياه” مع استمرار التبادل التجاري وفق منظومة جديدة و اتفاقيات اكثراستقراراً. كما ان ايجاد “عدو” قوي يخدم الطروحات القومية و العثمانية التي تبحث عن مبررات سياسية في تاويل الكلام عن اعادة كركوكو الموصل و حلب الى “ارض الوطن الام”..!!

صناعة العدو كان دوما اولوية سياسية كبرى و آلية تاريخية مهمة في محاولة الدول لتثبيت كياناتها و هيمنتها و بالمناسبة فان احد اهماسباب اضمحلال احادية الهيمنة الامريكية في العالم هو اخفاقها في ايجاد عدو موازي لقوتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (موضوعطويل و هناك مئات الكتب و الدراسات حول هذا الموضوع و شخصيا لي بعض المساهمات باللغة الانكليزية و كذلك بعض المقالات بالعربية)…

لكن توظيف صورة العدو في اعادة بلورة الهياكل الداخلية هي المهمة الاصعب … هناك بعض المؤشرات ان تركيا لعبت دورها بشكل جيد فيخلق اللحظة التاريخية في ولادة “العدو” كما ذكرنا اعلاه…. اما العراقيون فان ادائهم ما يزال متواضعا و مهلهلا…ليس فقط بسبب ارتباطالعديد من القوى السياسية و شبكات العلاقات و التقاطعات الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية … انما ايضا في عملية قراءة و ادراكطبيعة اللحظة التاريخية و وضع آليات عملية في سيرورة خلق صورة العدو و توظيفه في الخطابي السياسي و و درجة التفاعل اليومي فيقضايا اعادة التجييش السيكولوجي و المجتمعي للقوى الشعبية و منظوماتها المختلفة.

في هذا الاطار يبدو ان التسريبات حول شيطنة داخلية بين قوى سياسية عراقية وضعت لنفسها قوقعة مقدسة عبر العقدين الاخيرين و ردودالفعل ازاءها سيفتح الباب بشكل ممتاز في عمليات اعادة بلورة التجييش و ادخال عناصر جديدة في ذاكرة الفرد قد يصل في مرحلة قادمةالى ذاكرة جمعية اذا استطاعات القوى المحلية تحقيق تفاعل مدروس في عملية توظيف اللحظة التاريخية كما ذكرنا .. و لعل بعض اهمالعناصر لهذه النقلة في ذاكرة جمعية جديدة هي في اقصاء القداسة عن المراكز المهة في هيكلية الدولة و منها الانتقال الى فضاء اللاطائفيةفي اختيارات مراكز الرئاسات و النخب التي تتحكم بالقرار السياسي.

و هنا يبدو ان ان تنازل الكتلة الفائزة بالانتخابات الاخيرة عن سعيها في الحكم و اتخاد قرار “هجر” المنظومة السياسية لم يكن قراراًارتجالياً كما يتصور البعض انما كان خطوة مهمة في عملية ازالة القداسة عن مفهوم السياسة و الحكم الذي ساد في فترة ما بعد الاحتلالالاميريكي و اعتقد ان خطوات اخرى ذات طبيعة “تغيير جذري” ستتبع هذه و تلك في محاولة لتثبيت هيكلية اكثر استقراراً للدولة و منظومةادارة البلد سياسيا و اجتماعيا…

يبقى الجانب الاقتصادي يحتاج الى مبادرات حكومية ( قد تكون جزء من عناصر توظيف اللحظة التاريخية) و لو بشكل امبريونيكيEmbryonic اولي . بالمناسبة مشكلة التراكبية بين السياسة و الاقتصادية في العراق لا شك انها معقدة و لكنها ليست عصية على الحلخاصة اذا تم توفر ضمانات للجميع “للخروج الآمن من الازمة” (ممكن نطرح خطوات عملية في اطار مفهوم و آليات التنمية لاحقا)

لكن تبقى هناك اشكالية كبرى في هذا الاطار و هي قد تعني ان اقليم كوردستان سيواجه تحديات جدية ليس في الحفاظ على علاقتهاالخاصة بتركيا انما قد يمتد ذلك الى وجود الاقليم ذاته ككيان شبه مستقل اقتصاديا و سياسيا و عسكريا… حيث ان اتخاذ تركيا “عدواً” سيعني بشكل واضح تشديد الحدود الجغرافية و السياسية و الاقتصادية و بالتالي ضرورة تمدد قوة الدولة الاتحادية الى كل مراكز الحدودهذه و بالتالي ازاحة “استقلالية” منظومة القرار الكوردستاني. … بكلام اخر… ادارة الصراع مع “عدو” تتطلب عودة المركزية بشكل اوباخر .

في حالة طرح المشكلة مع تركيا في اروقة الامم المتحدة فان الولايات المتحدة ستعمل على ايجاد دعم دولي و قانوني للعراق خاصة انالاهداف تتجاوز “اعادة تاهيل العراق و كفى”… بل ان مراحل اخرى قادمة مع تغييرات اوسع في المنطقة…

لكن كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع اشكالية اقليم كوردستان خاصة ان قوى عراقية متعددة ترى ان الصراع الكوردي-الكوردي داخلالاقليم و عبر الحدود الى سوريا و تركيا يعتبر جزء رئيسياً من الاشكالية العامة …؟؟!!.. .. هل تتجه الامور الى اختزال العدو الخارجي وايجاد بديل داخلي مرة اخرى كما جرت ايام الحكم السابق ..؟؟.!!…لا نتمنى ذلك و لكن سنتابع … حبي للجميع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here