اللغة المائية و أدواتها التعبيرية الشعرية غير المرئية في مجموعة ” ربطة عنقي كذيل غراب متواريا بين ظلال غرفتي ” *
* قرأت نقدا من هذا القبيل فكتبت تعليقا نقديا على هذا النحو بافع طرافة و دعابة :
بقلم مهدي قاسم
صدرت للشاعر ” زيد عمر “** مجموعة شعرية جديدة تحمل في فضاءات متنها الشاهق ، باقات من قصائد تتألق كقلائد متلألئة في جبين أزمنة غابرة و حاضرة وقادمة في آن عبر رؤيا تصوف و تجل ، و ذات عواميد شاقولية في امتدادها الأفقي المندفع ضمن انزياحات و أنساق منبثقة من منحنيات متصالبة تستدعي مناخات غامضة من شدة وضوحها المفرط غير مرئي ، كغاية رؤيويه في متناولات خاطفة بارقة لتفاصيل الحياة في مختلف أزمنتها الجموحة والخامدة ذات مستطيلات و حواف مكعبات مستدعية من أقبية ذاكرة عتيقة بمدخراتها المتراكمة بتواترها المشتد اندفاعا كخيول هوجاء منطلقة من اسطبلاتها الضيقة نحو أفاق رحبة ، بلغة أنيقة و راقية ، ولكنها متعالية ، كأنما كقبو مغلق ، تأبى رافضة الاستسلام بسهولة أمام قارئ مستعجل و غير صبور ، بقدر ما تتحول بأدواتها التعبيرية الغامضة إلى لغة مائية غير مرئية بشكل من أشكال ، أجل إلى لغة مائية برغوتها الكثيفة و لا تني تمحو و تزيل نفسها قبل أن تتمركز القصيدة في ذهن القارئ عبارة متوهجة خفية ، فقرة حلزونية مقفلة ، أو مقطعا متحصنا بغموضه السميك ، ربما ليدافع عن نفسه إزاء أي انتهاك لمباشرة فجة وتقريرية طارئة ، لتكون على أهبة استعداد للرجوع إلى فضائها المقفل و كأنني بهذا الشاعر المتجدد و صاحب مشروع شعري رؤيوي كوني ، يريد أن يقول للمتلقي تأكيدا و حرصا على لغته العصية هذه :
ــ عليك أن تكد و تكدح جهدا مضنيا لتتعب نفسك تماما ، استغراقا عميقا ، و تأملا كثيرا ، و تفكيرا طويلا ، وتوقفا مديدا ، عند كل فقرة و مقطع لكي تفتح مغاليق قصائدي ككود بأرقامه و أشكاله المعقدة ، فهما و استيعابا أولا ، لكي تستمتع بثمرتها الطيبة و اللذيذة ثانيا ..
فكل غموض هو مفتاح ذهبي لفتح مغاليق نصوص عصية ومتمردة على المتلقي الكسول والمتعود على تقريرية النصوص الواضحة و سهلة الاستسلام ..
ولكن أكثر ما تتجوهر اللغة المائية هنا لهذه القصائد في أكثر الأحوال في قول الشاعر :
( أرى ربطة عنقي كذيل غرابِ متواريا
بين مستطيلات ظلال غرفتي ) من قصيدة ربطة عنق ) الصفحة كذا ..
فأثناء قراءة هذا القطع تتشكل لنا في أذهاننا صورة ربطة عنق سوداء على شكل ذيل غراب !، ممتزجا بظلال غرفة معتمة ، إذن فنحن نتخيل وجود ربطة عنق وكذلك ذيل غراب ، ولكن كل هذا مجرد تخيّل ذهني تجريدي فحسب ، وليس صورة متجسدة عن وجود فعلي لربطة عنق أو ذيل الغراب ، فهنا بالضبط تبرز مهمة اللغة المائية في مصداقية أدواتها التعبيرية الشعرية غير المرئية مباشر أو للوهلة الأولى ، و التي تبوح ، ولا تعلن ، تتشكّل كصورة رؤيوية ذهنية ، و لكن لا تظهر كوجود مرئي ، ولا سيما بالنسبة لعبارة ظلال الغرفة إذ بمجرد إشعال الضوء تزول وتُمحى الظلال ..
مثلما موجات بحر منحسرة وهي تمحي ما مكتوب على رمال سواحل ما تخطه أصابع رياح عابرة و أثار أقدام عابرة و بقايا مراكب عتيقة ومحطمة ..
** بالطبع اسم ” زيد عمر ” من عندياتي .. أي من نسيج خيالي أنا ، وأن وُجد شاعر بهذا الاسم فليس هو المقصود هنا إطلاقا و لا بأي حال من الأحوال ..