بضعة أضواء على التواجد الفيلي في مركز بغداد

بما ان موضوع الكورد الفيليين البغداديين موضوع واسع ومتشعب، فإننا ارتأينا إلقاء نظرة قد تكون عامة على بعض تواجدهم في العاصمة بغداد، بأمل مواصلة ذلك والدخول في الجزئيات في موضوعات لاحقة.

وتفيد المصادر التاريخية أن بغداد قبل أن يبني الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور سورها الدائري وأبوابها الأربعة، كانت على شكل قری ومستوطنات كوردية تعود الى ما قبل الإسلام وهي تحمل اسما كورديا وهو الاسم الحالي بغداد، التي يتواجد فيها بحسب المصنفين نحو مليون ونصف المليون كوردي، ويلفتون إلى أن بناء أسوار المدينة من قبل المنصور، كان علی يد معماريين وعمال البناء الكورد الذين ظل لهم دور رئيس في بناء ابنية بغداد، على حد وصفهم.

واستنادا إلى المؤرخين ومعاصري بغداد كان في العاصمة في القرن الحادي عشر حي باسم “محلة الأكراد” يقع في وسط العاصمة يمتد من باب الشيخ الى شارع شيخ عمر، منوهين إلى أن سكان هذه المناطق الاغلبية منهم من الكورد الفيليين؛ وأما شارع الكفاح ففيه محلة باسم (عكد الاكراد) ويقع في غربها وشمال غربيها مسجد ومرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني وتنتهي المحلة بالمسجد وموقعه مرتفع نوعا ما كتل قليل الارتفاع.

ويفيد المؤرخون ان في بغداد كان هناك حي آخر للكورد يقع في الطرف الشرقي من ساحة الميدان الواقعة عند وزارة الدفاع شرقا وكذلك في شرقي باب المعظم ويطل بالدور السكنية على شارع الجمهورية من الشمال الشرقي وليس بينه وبين الميدان سوى هذا الشارع ويسمى حتى الآن بـ (تبه الأكراد).

وبحسب المؤرخين تشير الاصول التاريخية لأسماء المحلات والعكود والمساجد للكورد انهم سكنوا ضواحي العاصمة منذ زمن بعيد، فمحلة (تبه الاكراد) التي كانت تقع بين الميدان والبارودية سميت بهذا الاسم لان سكانها من العائلات الكوردية منذ منتصف عام1850 ميلادي وكانت محلة تبه الاكراد تضم ايضا عكدا باسم عكد الكرد وكذلك محله (الدسابيل) التي كانت تقع بين محلتي رأس الساقية وقهوة شكر وكانت تسكنها عائلات الكورد الفيليين كما كان فيها مسجد باسم (مسجد الدسابيل) وقد طمستها الاحداث السياسية وإجراءات النظام المباد ضد الكورد الفيليين، بحسب المراقبين.

ويتواجد في بغداد (عكد أو دربونة) يمتد من شارع الفضل الواصل بين شارع الجمهورية ومحلة الفضل وهو قريب من (تبه الأكراد) ويعرف (بدربونة الجلالي) نسبه الى الجلالية من القبائل الكوردية القديمة، وتشير المصادر الى ان الكورد الذين سكنوا بغداد منذ مدد طويلة كانوا جزءاً مهما من مكوناتها الاجتماعية وحركتها الاقتصادية والعمرانية والتجارية وأن من كان كثير الاطلاع ببغداد وسكانها يقدر نسبة الكورد فيها بما لا تقل عن ربع أو خمس سكانها حتی في عصر الاحتلال العثماني، بحسب قولهم.

ومن المحلات والعكود ذات الغالبية الكوردية الفيلية في بغداد محلة الشيخ عبد القادر وعكد القصاب وخانه قهوة سلمان وعكد الحروب وعكد الاغوان وعكد الشيخ الالفي وقهوة الزنبلة وعكد الغسلان وقهوة أم النخلة وعكد الشيخ رفيع وعكد تكيية القنديلجي وعكد تكيه البكري، وتنتشر فيها قبائل وعشائر من ابرزها عشيرة أركوازي وعشيرة سورميري و عشيرة ملك شاهي وعشيرة زهاوي من قبيلة كلهور و عشيرة قٓره لوس من قبيلة كلهور، وعشائر ٲخری على وفق تصنيفاتهم.

وتذكر المراجع ان “الأكراد الفيليين” ينحدرون من مدن وبلدات محاذية للحدود مع إيران مثل خانقين ومندلي وبدرة وجصان، وقدم أجدادهم إلى العاصمة نهايات العهد الملكي، واستقروا في عدة مناطق من بينها محلة الصدرية وشارع الكفاح وسط بغداد.

وشارع الكفاح من الشوارع الطويلة في بغداد اذ يمر بثلاث مناطق هي الباب الشرقي ومنطقتي النهضة وباب المعظم و يبلغ طول الشارع نحو 5 كم وكانت بيوته من القصب والطين ولكن حركة العمران فيه بدأت العام 1930 وقد شهدت سنوات الأربعينيات والخمسينات إنشاء عدد كبير من العمارات والابنية الحديثة، وأطلق على الشارع في العهد الملكي تسمية شارع الملك غازي وبعد قيام ثورة 1958 ثم سمي بشارع الزعيم ثم أطلقت عليه تسمية شارع الكفاح.

وهناك مسجد جامع الخلاني الذي يضم مرقد الشريف محمد بن عثمان المشهور بالخلاني ومسجدا سراج الدين وصدر الدين الواقعان في منطقة الصدرية فضلا عن مسجد محمد الألفي الذي بناه حبيب اغا الدركزي وحسينية الكورد الفيليين في منطقة عكد الاكراد الذي شيدها السيد مصطفى اواسط الاربعينات من القرن الثاني عشر وحسينية الكورد الفيليين التي شيدها الحاج احمد الاحمدي العام 1941.

وتشير المصادر التاريخية الى ان منطقة الصدرية التي يسكن معظمها الكورد الفيليون في مركز بغداد هي في الاصل محلتين اندمجتا ببعضهما ولاتكاد تميز حدوداَ فاصلةَ لهما بالوقت الحاضر حتى أصبحتا محلةَ واحدة تقع بين محلات الهيتاويين وصبابيغ الآل والحاج فتحي ورأس الساقية وباب الشيخ وهذه المحلة كانت تعد في العصر العباسي القسم الأخير من محلة المأمونية ومقبرتها التي كانت تعرف بمقبرة الزرادين نسبةَ لصانعي الزرود (الدروع) التي تلبس في القتال، بحسب المصادر التي تشير الى ان “الصدرية” عرفت بهذا الإسم نسبة لدفينها الشيخ صدر الدين محمد بن محمد الهروي المدرس في المدرسة البشيرية والمتوفى سنة 677 للهجرة.

وتذكر المصادر ان تسمية سراج الدين جاءت نسبة للمحدث المقرئ الشيخ سراج الدين عمر بن علي بن عمر الحسيني القزويني الشافعي توفي سنة 750 للهجرة فأقيم على قبره مسجد عرف بجامع سراج الدين وإليه نسبت المحلة التي حوله ويشير بعض المحدثين أنه دفن في صدرية بغداد وهي محلة الصدرية نفسها ثم اشتهر أمر قبره حتى عرف قسم من محلة الصدرية بسراج الدين نسبةَ إليه وتعد محلة سراج الدين داخلة في محلة الصدرية.

وتنوه المصادر الى ان محلة الصدرية ضمت في العصور السابقة بعض العگود منها عگد الأباريق وعگد السبيل خانه و عگد الصدري وعگد التكمجية وعگد الحياج (الحياك) وعگد حبيب؛ وضمت في العصور اللاحقة، عگد الدوكجية وعگد الكبي وتعني الگبة، كذلك بعض الأزقة مثل، دربونة المعدان والآتون (الموقد).

ومن أبرز معالم محلة الصدرية جامع سراج الدين وكان فيه مدرسة تدرس فيها العلوم العقلية والنقلية ولهذا الجامع رواق رائع البناء وأمام ذلك الرواق ساحة صغيرة تضم ضريح الشيخ سراج الدين وأول عمارة معروفة له جرت سنة 1131 للهجرة بأمر والي بغداد الوزير حسن باشا وقد أنشئ عنده سقاية يصل إليها الماء عن طريق قناة عالية مبنية على العقود يرفع إليها الماء من كرد (دولاب) يصب عند شاطئ دجلة في شريعة السيد سلطان علي ومازال الجامع عامراَ وأعيد بناؤه على هيأة جديدة في سبعينايت القرن الماضي والسنوات اللاحقة، بحسب المصادر.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here